النصوص المؤولة لمرحلة ما بعد البناء

لا شك ولا ريب ان تصوراتنا تختلف اختلافا جوهريا عن تصورات اجدادنا برغم اننا نملك نفس الحواس التي كانت لديهم
لان ما وصلنا اليه أو ما وصل الينا من تطور على المستوى العلمي مثلا لم يعد يسمح لنا بالانسجام مع بعض تصورات اجدادنا
حتى لو كان الظهور اللفظي للنص الديني يؤيد تصوراتهم
الا ان بعض عناصر الحداثة من مرحلة البناء وما بعد البناء خاصة العناصر التي لا نستطيع ان نتجنبها تمنعنا من تلقي الدين بالخطاب والمنهج الذي كان يتلقاه اجدادنا بطريقة محافظة وتقليدية يغلب عليها صبغة الثابت القطعي
من هنا اقول بكل تواضع ان بعض ما كان ثابتا يمكن ان يخضع للتفكيك واعادة البناء اذا اردنا ان نتصرف بطريقة منطقية وعقلانية
ولكن اي تفكيك واي بناء ؟
لان تخلي الانسان عن الدين نهائيا سيسوقه الى الفراغ والاضطراب لا محالة على المستوى النفسي والروحي والاخلاقي والاجتماعي كون الانسان تواق بالفطرة الى حكم المقدس السامي

ومن ناحية اخرى لا يمكن للانسان المعاصر قبول الدين بكل تصوراته القديمة ولا يمكنه اصلا التعايش معه فضلا عن القبول به
والانسان المعاصر بتأثير طبيعة المناخات التي يعيشها اصبح انسانا لا قطعيا ولا ادريا بالحد الادنى وبامكان هذا الانسان ان يثير موجات من الشك وعواصف تساؤلية بشأن الدين لان استدلاله آني يريد حقائق في زمانه هو ومكانه هو لا زمان ومكان حواري المسيح (ع)او اصحاب محمد (ص)او ممن عبروا البحر مع موسى (ع)

هنا يجب الانتباه دائما الى ان الفلسفة النقدية هي المكون الاساسي للحداثة التي افرزت المنهج البنائي ومن ثم التفكيكي
وبالتالي أخذت هذه المناهج حيزها وتأصلت في الفكر الغربي كونها انبثقت من داخل بنيتها ولم يؤتى بها من خارج الفكر
اما البنية العربية او المشرقية بشكل عام على علاتها وتمزيقها وعدم وعيها التاريخي الا انها لا زالت تحمي نفسها ويصعب اختراقها بآليات حداثية غربية لان البنية المشرقية الفكرية مثقلة بالتاريخ الديني وانعكاساته وتصوراته واطره ولا يشعر ابناءها بالحداثة بل وذاهلون عن حصولها
بعكس البنية الغربية التي اصلا تاريخها الديني يعود اصله الى المشرق
لهذا لم يآسى الغربي كثيرا عندما رد الينا بضاعتنا المشرقية
لانه لمس ان الحداثة لا تلتقي مع الدين كون الانفجار الحداثي الذي وقع في بيئته حتم عليه ان يرسم اطارا لحياته ويختار لنفسه ما يريد حتى لو اعاد الدخول في التجربة الدينية (المسيحية بالتحديد) لكن داخل نطاق الحداثة واطارها لا داخل اطار المرجعيات الدينية لان هذاالمرجعيات الاخيرة لا محل لها من الاعراب في حياة الانسان الغربي الفكرية

لهذا لا نستطيع ان نحكم على تراثنا الشرقي العربي (الاسلامي بالتحديد) بنفس الاليات النقدية التي حكمت على التراث الغربي
لاختلاف الحيثيات والبنية واختلاف العوامل المؤثرة في البنية والهيكلة