[CENTER][B]البنية التحتية للمجتمع من منظور معرفي
خلف كل منظومات مجتمع ما - تقف الخلفية المعرفية لهذا المجتمع. و هي المنظومة العقلية التي تحدد معارف هذا المجتمع - و هي مسئولة بالأساس عن تحديد من أين و كيف يستقي أفراد هذا المجتمع يقينهم.

و الخلفية المعرفية لمجتمع ما - وسط معرفي مشترك بين أفراد هذا المجتمع - قابل للنقل و التوريث بين أفراد ذلك المجتمع سواء عن طريق شفهي (في المجتمعات البدائية) أو كتابي - و تعددت وسائل نقل هذا الوسط المعرفي من أسلوب الحكي المباشر و التربية إلى التعليم بشكله الحالي و الميديا .. إلخ. و تلك القابلية للنقل التبادلي و التوريث هي شرط تكوين خلفية معرفية.

و لم يلزم لبدء تكوين خلفية معرفية للإنسان سوى إكتشاف و تطور اللغة - أي لغة - كوسط لنقل المعلومات و تبادلها. و حينئذ كفت معارف الأفراد عن أن تكون مجرد خبرات شخصية تموت بموتهم.
و نشوء خلفية معرفية للمجتمع الإنساني كان أول الطريق لإنفصال المجتمعات الإنسانية عن مثيلاتها الحيوانية.

يقف فوق هذه المنظومة أو الخلفية المعرفية كأساس - باقي المنظومات الإجتماعية مثل المنظومة الأخلاقية و الإجتماعية و الإقتصادية.
و بالرغم من وجود ما يمكن أن يطلق عليه منظومة إجتماعية سابقة حتى على إكتشاف اللغة و في المجتمعات الحيوانية - إلا أنه بدخول الخلفية المعرفية لمجتمع ما - فإنها تحتل مكانتها كأساس لباقي المنظومات.

و تغيير الخلفية المعرفية للمجتمع شرط أساسي لتغيير أي منظومة إجتماعية أخرى - وهذا لطبيعتها كوسط حامل للمعرفة و منها قوانين و أسس باقي المنظومات.
و بالطبع من الممكن أن يعترض البعض بأن التغيير الملموس في المنظومة الإقتصادية مثلا - سوف يستوجب تغييرا مصاحبا بكلا المنظومتين الأخلاقية و الإجتماعية - و الإجابة نعم و بالتأكيد و لكن بعد المرور على الخلفية المعرفية بالتغيير أولا. و هذا ما يمكن ملاحظته على كافة التغييرات الكبرى في التاريخ.

أي أن الخلفية المعرفية للمجتمعات الإنسانية كيان ديناميكي يتأثر بواقع الإنسان الخارجي من ناحية - و بتطوره الذاتي من ناحية أخرى. بل و بتطور و تغير باقي المنظومات التي تعتمد عليها (تأثيرات متبادلة).
و الصفة الديناميكية للخلفية المعرفية للمجتمعات الإنسانية ليست فقط خاصية بل ضرورة من ضرورات كلا التكيف و التقدم.

و من الممكن أن نعدد الآلاف من الخلفيات المعرفية للمجتمعات عبر تاريخ التقدم الإنساني - بل و في الوقت الحالي - لكن يمكن جمع و تصنيف هذه الخلفيات تحت أطر محددة و معدودة.
و بما أننا بصدد تصنيف و تأطير الخلفيات المعرفية - فلعله من المناسب أن نلقي الضوء على الطرق التي يستقي منها الإنسان يقينه و معرفته - مع سياق تاريخي مختصر.