وهذه محاولة لتحليل نص طارق ، بإبراز دائرة المفكر فيه ، ودائرة اللامفكر فيه .. إضافة إلى البحث عن المسكوت عنه ، خلف المنطوق . كما أنها أيضا محاولة لاستشفاف تدخل اللاوعي في كتابة هذه المقال .


1- أول سؤال يواجهنا ، في هذا المقال هو التالي : من المُخاطب ؟

فالكاتب ، أي كاتب ، عندما يكتب .. فإنه يتوجه بكتابة لـ"جمهور" ، إما يفترضه في رأسه .. أو يعاينه على الطبيعة . ويفترض أثناء كتابته اعتراضات هذا الجمهور ، ويحاول الرد عليها مسبقا . مما يجعله محاطا تماما بهذا الجمهور ، ويصبح هذا الجمهور هو مجال " المفكر فيه " في نص طارق .

وأقرب طريقة لمعرفة "جمهور" النص ، هو الإلتفات إلى الأمثلة . فالأمثلة ، هي ادوات إيضاح وتقريب، والكاتب يأتي بها ليوضح فكرته ، ويؤكدها. وبالتالي ، كي يتم له ذلك ، عليه استحضار أمثلة مناسبة لجمهوره ، مما يعني أن اختيار المثال يأخذ بالاعتبار "ماهية" فكر الجمهور ومستواه . وبالتالي يتحول المثال إلى مؤشر ، يحدد لنا "جمهور" طارق .

وفي نص طارق هنا هذه الجمل : " كالحكم على اليهود بأنهم حكماً كذا، أو أن الشيعة "مذا" وأن المسيحيين "بطيخ" والـ "علويين" شمام. " وهذا النص من أروع ما يكون في دلالته على ماهية المخاطبين ، فهو ببساطة ، وقد يكون بلا وعي ، يتحدث إلى " المسلمين السنة " .

و"السنة" ليسوا غائبين عن وعي "طارق" لأنه ، بسرعه ، يأتون بعد عدة جمل في : " فالملحد ذاته الآتي من خلفية ثقافية مسلمة أو مسيحية، سنية أو شيعية أو علوية، يختلف بخلفيته الثقافية " .

وتأتي أخيرا القصة ، لتؤكد هذا الاستنتاج ، إذ يقول : " وخطأ البقية من السنة هو بأنهم يغرقون بهواجسهم الطائفية دون محاولة فهم الأسباب فيخلقون لها أسبابا متخيلة. "

وكلما تقدمنا ، وجدنا نص طارق كريما معنا .. ويمدنا بتأكيدات ، على أنه - أي النص - مؤطر تماما بهذا الجمهور .

نكتفي بتسجيل هذه الملاحظة ونعود إليها فيما بعد .


2- "أنا" طارق تظهر في فقرات من النص ، بشكل قريب من النرجسية ، وإن كان ظهورا مقنعا أكثر منه سافرا.

فهو قد كرر أكثر من مر هذه الجملة : " الطائفية هي لدي شرٌّ مطلق " .

فكونها لديه كذلك ، هو أمر كاف بذاته ، مما يعني تحول الآخر إلى مرآة ، لا يظهر فيها إلا " انا " طارق .. يردد عليها ضمائر المتكلم ، ويكتفي بتقرير "قناعاته" معتبرا ذلك دليل قائما بذاته .

3- منطوق النص : " تأكيد أن الطائفية : شر محض" أو مطلق كما يفضل طارق . هذا هو المنطوق ، المسكوت عنه هو التالي :
أ- إظهار الاهتمام بالمشكل الديني للخلفية الثقافة.
ب- أسباب أخرى شخصية ، أجدني أراها جلية في النص .. لكن "الموضوعية" تقتضي بألا أعبر عنها ، إذ أنها ليست "مسكوتات" النص ، بقدر ما هي "ترسبات" معرفية وتراكمات عن شخصية الأخ طارق ، جعلتني أرى ما أرى . لذلك .. هي أمر مهمش .

4- نقطة ، لا يسعفنا النص بها كثيرا ، إذ أنها متناثرة هنا وهناك ، فادعاء وجودها أمر صعب . هذه النقطة هي أن "الإنسان " عند طارق ، لا يكتسب قيمته إلا باعتباره "مواطنا" . وهنا ، بهذا الإعتبار ، تسقط الإنسانية لكل من لا يحمل هذه المواطنة . ولا أقصد مواطنة وطن معين ، بل المواطنة عموما .

وهذه المواطنة ، يخبرنا النص ، أنها المرجعية المطلقة ، التي على أساسها تتحدد قيم الأشياء .

فالاختلاف ، إن لم يكن طائفيا ، يكون خيرا .. بينما إذا كان " طائفية" أضحى شرا محضا .

مالمرجعية هنا ؟

لا نجد سوى المواطنة .. ، تلك الغاية الأخيرة المنشودة .. التي تتحدد قيم الأشياء بالكيفية التي تمكن قابليتها وبقاءها . فلأن " المواطنة " لا تلتقي مع " الطائفية " في طرف .. ، تصبح الأخيرة : شرا محضا .


نستطيع تجميع هذه النقاط ونقول :

طارق - الملحد الإنساني ؛ في خطابه الموجه إلى السنة ، يحدد الطائفية كشر محض ، انطلاقا من مرجعية عظمى هي المواطنة ، الإناء الذي تتأكد فيه قيمة الإنسان .

وبهذا التحديد الأخير ، نستطيع أن نستنجد بالتاريخ لنؤكد أن "الطائفية" شر نسبي ، لا محض . أقصد حادثة استفادة هولاكو من طائفية ابن العلقمي ، واستغلال هذه الطائفية في دك الخلافة الإسلامية .




شكرا