و اتصور أن هذا هو أعقل ما قراته بهذا الخصوص و الأكثر دراية ...
موعد المواجهة مع إيران
عادل بن زيد الطريفي ٭
مجلس الأمن قد يلجأ إلى فرض عقوبات شديدة على إيران، وبوسع المكابرين أن يقولوا بأنها ستكون قادرة على تحمل أمر كهذا تماماً كما تحملت دول أخرى مثل كوريا الشمالية، أو كوبا
أكتب هذه المقالة على طاولة مطعم صغير تمتلكه عائلة إيرانية مهاجرة على شارع برستول رود. رائحة طبق الكويبدة كباب تملئ المكان، بينما ينبعث صوت غناء علي رضا افتخاري يغني مواويل فارس القديمة من آلة تسجيل عتيقة، على الجدران المتواضعة علقت صور تراثية للبطل الإيراني ناصر الدين شاه - سليل العائلة القاجارية - الذي ربط إيران بالحضارة الغربية، وكان رمز الحداثة الإيرانية نهاية القرن التاسع عشر.. هذه صورة لإيران ما قبل الثورة وما قبل الخميني في مساء بارد.
أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الأسبوع الماضي تمكن إيران من تخصيب اليورانيوم بنسب صناعية، وإنتاج ما يقارب من 110 أطنان من غاز سادس فلوريد اليورانيوم، المادة الخام للوقود المخصب. هذا الإعلان جاء عشية زيارة رئيس وكالة الطاقة الدولية محمد البرادعي، واستبقت به إيران موعد مناقشة ملفها النووي في مجلس الأمن والتي ستعقد في 28 أبريل القادم.
في وقت كان يعتقد فيه أن إيران ستواصل انفتاحها على جيرانها، وعلى العالم الخارجي إكمالاً لما بدأت به نهاية التسعينات إذ تتحول الأمور إلى الاتجاه المعاكس، فقد بذلت إيران منذ نهاية عام 2002 سلسلة تغيرات رئيسية في توجهاتها الإقليمية، إيران التي استشعرت قرب الحملة على العراق اتخذت القرار بالاستفادة القصوى من التبدل الجيوسياسي القادم، فعبر براجماتية صريحة تقبلت إيران التحرك الأمريكي في كل من أفغانستان والعراق، حيث تولت أميركا إزالة التهديد الطالباني والنظام البعثي من على الحدود الإيرانية. ورغم أن إيران كانت تباشر أجزاء من مشروعها النووي سراً، إلا أنها أرادت إظهاره للعلن بداية عام 2003، وقد اعتبرت ذلك إجراء تمهيدياً لمناورة وكالة الطاقة الذرية على غرار تجربة كوريا الشمالية.
ورغم إعلان نجاد تمكن إيران من التخصيب بنسبة 3,5٪ إلا أن ذلك ليس كافياً، فلو تذكرنا أن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد عثروا أثناء تفقدهم للمعدات في مرفق نووي قرب ناتانز (2003) على آثار يورانيوم عالي التخصيب، بالدرجة التي تصلح لصناعة القنبلة. وبوسعنا اليوم أن نقول ان إيران لم تكن هي التي تمكنت من تخصيب تلك الكمية، بل الافتراض الأقرب للواقع هو أن إيران اشترت هذه الكمية، وكانت تريد أن يتم العثور عليها بتلك الطريقة، وهدفها كان إظهار قدرات مبالغ فيها قد تثني أي خيار مواجهة ثقيلة ضدها. وهذا يقودنا إلى سؤال يتعلق بمصداقية التهديد الذي تريد إيران إيهام العالم به؟
أولاً، أنا لا أقلل من مشروع إيران النووي، ومدى خطورته على أمن المنطقة، وآثاره البيئية السلبية. ولكن من الواضح أن قدرات إيران النووية لا تزال في طور أولي، ولما تتجاوز الحد العملي، وإذا عدنا بالذاكرة قديماً، فإن إيران زمن الشاه نهاية السبعينات كانت تقف تماماً عند نفس النقطة التي كانت تقف عندها إيران عام 2000 بالنسبة لقدراتها النووية.
ولكي تصل إيران إلى نسبة تخصيب لليورانيوم تتجاوز 95٪ وهي النسبة اللازمة لتصنيع السلاح النووي فإن ذلك سيتطلب من إيران ضعف ما لديها من إمكانيات. فهي على سبيل المثال لديها ما يقارب من 160 جهاز طرد مركزي في محطة ناتانز، بينما يتطلب بناء ما يقارب من 500 جهاز إضافي للوصول إلى مرحلة إنتاج أولية، أما لكي تنتج إيران أكثر من قنبلة في العام فهي بحاجة إلى 5000 جهاز على أقل تقدير.
ثانياً، المبالغة الإيرانية يراد بها إظهار إيران بصورة تؤهلها لدخول النادي النووي بوصفها العضو التاسع، ولكن إيران ليست متقدمة للحد الذي يسمح لها بالوصول إلى ذلك. وما تزال تعتمد بصورة رئيسية على التعاون الروسي في تشغيل هذه المنشآت، وفي حال غيّر الروس موقفهم تجاه الملف النووي الإيراني فإن منشآت إيران ستتوقف بلا شك. وهناك اعتقاد بأن روسيا التي أشركت ما يقارب من 300 شركة روسية، وأكثر من 20 ألف عامل وخبير روسي، قد لا تحبذ وصول إيران لمستوى إنتاج السلاح، وقد أثبت التفاهم الأمريكي - الروسي نهاية 1995 إلى تعطيل مشروع محطة بوشهر إلى عام 1998، وفرض شروط كثيرة على المشروع حتى بعد استئنافه، ولا يستبعد أن تقبل روسيا في وقت ما ترضية أمريكية فيما يخص الملف الإيراني كما فعلت مؤخراً قي المسألة العراقية.
ثالثاً، إيران تريد أن تلعب أوراق المنافسة على الطاولة الإقليمية، فالتحركات الإيرانية كلها تبعث برسائل سلبية. فإيران تحتفظ بعناصر من القاعدة على أراضيها، وتتدخل في لبنان، ولها تأثير حتى على حماس في الأراضي الفلسطينية، وإعلان تأسيس المجلس الأعلى للثورة في فلسطين رغم عدم وجود شيعي واحد هناك هو أمر خطير يدل على مدى تدخل وتورط المخابرات الإيرانية في أماكن كثيرة. أما العراق فهو أبرز موقع تدخلت فيه إيران بشكل سلبي ساهم في تكريس النزاع الطائفي، والاستئثار بالسلطة، بل وجرها إلى حدود المواجهة مع بريطانيا بشكل سافر.
ولكن هل هناك نذر مواجهة قادمة بين إيران ودول المنطقة؟
إيران قامت بجملة من الاختبارات على صواريخها البالستية، ويمكن القول ان ترسانة إيران من الصورايخ هي ذات أهمية تفوق أهمية برنامجها النووي، إذ تقوم إيران سنوياً بإجراء تجارب على صواريخها التي يتجاوز مدى بعضها 5,5 آلاف كيلومتر -حسب التصريحات الإيرانية-، ورغم أن إيران عادة ما تصرح بأن هذه الترسانة هدفها منافسة التحدي الإسرائيلي في المنطقة، إلا أن هدفها الحقيقي هو فرض ثقل إقليمي على دول الخليج بالمقام الأول، لاسيما وأن إيران بعيدة كل البعد عن توجيه تحدّ عسكري صريح تجاه إسرائيل لأنها ما تزال تخشى قوة الردع الإسرائيلية.
مناورات إيران العسكرية في مياه الخليج، وتجربتها لما تسميه «أسرع صاروخ تحت الماء»، كلها ألقت بظلال سلبية على العلاقات الإيرانية بدول المنطقة، والسلبي أيضاً في هذا الإطار هو سعي إيران بعد كل عمل من هذا النوع إلى توسل العلاقات الطيبة بدول الخليج، فهي اعتبرت مناوراتها رسالة محبة وصداقة لدول الخليج، وسعت مباشرة بعد إعلانها النووي الأخير إلى دعوة السعودية لإقامة علاقات إستراتيجية. والسؤال هنا: إذا كانت إيران صادقة في نواياها فلماذا لم تلجأ لتوثيق العلاقات قبل تجربة منصات الإطلاق، ومختبرات التخصيب؟ .. واضح أن إيران تريد فرض منطقها بالقوة، وتريد مزيداً من النفوذ، والتوسع في المنطقة، وهو توجه مقلق يهدد أمن الخليج الاستراتيجي. وليس بوسع الخليجيين الثقة بإيران، فهي كذبت بخصوص إعلانها وقف التخصيب في نوفمبر 2004، ويتساءل الخليجيون عن مدى جدية وصدق النوايا الإيرانية في المستقبل.
دول المنطقة وعلى رأسها السعودية ترفض مجمل السياسات الأخيرة لطهران سواء في الملف النووي، أو في تجاربها ومناوراتها العسكرية، أو تدخلها في العراق، ورغم ذلك فقد أثبتت المواقف السعودية نضجاً في التعامل مع مسألة «ضرب إيران عسكرياً»، فالأمير بندر بن سلطان - الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي - كان قد أجرى محادثات مع وزير الخارجية الروسي لإقناع الروس بالوقوف ضد أي ضربة عسكرية موجهة إلى إيران لأن من شأن ذلك الإضرار بأمن المنطقة كله. الإشاعات الأخيرة التي تناولت سعي السعودية لامتلاك أسلحة نووية عن طريق باكستان هي شائعات قديمة عمرها 20 عاماً، ولكن صدق أو لا تصدق، فإن إيران مسئولة بشكل ما عن تدوير مثل هذه الشائعات، ففي نوفمبر 2004 صرح مسئولون إيرانيون لصحيفة «الواشنطن تايمز» أن برنامجهم النووي ما هو إلا اقتفاء للبرنامج السري النووي بين السعودية وباكستان، وقد عقدت بجامعة طهران ندوة حول هذه المزاعم قبل ذلك بعام تحت إشراف البروفيسور محمد أصغرخاني.
إيران تريد من المرحلة أكثر مما تخولها قدراتها ومواقفها، إيران أجرت تفاهماً سرياً مع أمريكا عشية ضرب العراق، وحينما أراد الأمريكيون أن تخفف إيران من تدخلها السلبي في العراق، بل ورضخوا للمطلب الإيراني بجعل تلك المفاوضات علنية، أساء الإيرانيون التقدير، فهم يظنون أن أميركا عاجزة عن إيقافهم عند حدودهم في المرحلة الراهنة. بعض المراقبين يقولون ان الإعلان النووي الإيراني الأخير هو بمثابة حفظ ماء الوجه، وأن إيران ستضطر إلى التعاون مع الوكالة الدولية لتجنب أية قرارات خطرة قد تصدر بحقها من قبل مجلس الأمن.
هناك سيناريوهات مختلفة قد تأخذ مجراها إذا ما شاءت إيران استئنافها لسياساتها الحالية.
فبوسع أميركا حض إسرائيل على توجيه ضربة مشابهة لتلك التي وجهت للمختبرات العراقية أوئل الثمانينات، ورغم أن الخبراء يشككون في إمكانية ذلك لوجود مئات من الخبراء الروس، إلا أن ذلك ممكن الحدوث إذا ما سبق ذلك سحب لهؤلاء الخبراء من طهران في وقت مبكر. على إيران أن تتذكر أن لدى الولايات المتحدة الآن 17 ألف جندي من قوات الجو الأمريكي على سواحل الخليج وفي قواعد كل من قطر والكويت، وفي حال حاولت إيران كما هددت مؤخراً استهداف هذه القواعد، فهناك أكثر من 500 منصة متحركة وثابتة لإطلاق الصواريخ كلها في مرمى الأراضي الإيرانية، وهناك أكثر من 250 صاروخاً من طراز توما هوك جاهزة للاستخدام الفوري.
[SIZE=5]بعض الخبراء يشككون في إمكانية قيام حرب نظراً لحساسية المنطقة بوصفها مصدر الطاقة الأول. فبوسع أي حرب أن توقف ما يقارب من 18 مليون برميل من النفط عن الأسواق العالمية، وزيادة الأسعار لتتجاوز حاجز 160 دولارا، الولايات المتحدة تستهلك ما يفوق عشرة ملايين برميل يومياً، بينما تستهلك الصين نصف هذا العدد، أي حرب في المنطقة ستعني وقف إمدادات النفط عن العالم، ولكن علينا أن نتذكر أن توقف إنتاج البترول سيكون أمراً مدمراً للدول التي ستشترك في الصراع في المقام الأول، حتى لو وجهت ضربات جوية إلى إيران فلن تلجأ إلى إيقاف النفط، بل حتى التفكير بقطع النفط سيكون ضرباً من الخيال، لأن أول المتضررين من ذلك ستكون إيران بحد ذاتها، ولو هددت إيران بقطع تصدير النفط في حال صدور عقوبات بحقها، فإن معامل تكريرها ستتعرض لضربة ستشل البلاد نفسها. وحتى لو خاضت إيران حرباً تقليدية فهي ستقبل بأي تسوية مشابهة للنفط مقابل الغذاء، لأن الحكومة لن تكون قادرة على تسيير الحياة العامة وحدها دون النفط
[SIZE=5]مجلس الأمن قد يلجأ إلى فرض عقوبات شديدة على إيران، وبوسع المكابرين أن يقولوا بأنها ستكون قادرة على تحمل أمر كهذا تماماً كما تحملت دول أخرى مثل كوريا الشمالية، أو كوبا. ولكن هؤلاء يتناسون أن انتفاضة الطلبة ضد النظام في عام 1999، كانت مقلقة لأمن إيران الداخلي والتي كان أحد أسبابها تردي الأحوال الاقتصادية، صحيح أن إيران تجاوزت هذا المأزق بعد ارتفاع أسعار البترول وزيادة المداخيل بعد 11 سبتمبر، ولكن مثل هذه الظروف قد تعود بشكل أقسى في حال تعرضت إيران لعقوبات اقتصادية. ثم هناك قلاقل في الجنوب الشرقي من البلاد. والأهم هو أن إيران لن تكون القوة النووية الثانية فقط في المنطقة، فهناك دول تقف اليوم ضد انتشار هذه الأسلحة في المنطقة، ولكنها ستلجأ لشراء هذه الأسلحة إذا ما استطاعت إيران إنتاج أي منها، تذكروا أنه قبل السبعينات لم تكن لدى غالبية دول المنطقة أية صواريخ بالستية، ولكن مع الوقت اشترت أغلبها تلك التكنولوجيا لأن البعض فرض على المنطقة سياسية القوة والأمر الواقع.
أخيراً، قد تجد إيران نفسها في عزلة رهيبة، ماذا لو قبل الناتو انضمام إسرائيل للحلف؟ وهو أمر يتم التلويح به بين الحين والآخر .. من المؤكد أن إيران حينها ستكون عاجزة عن توجيه أي تهديد حقيقي لأحد، لو انتزع سلاح حزب الله، وتراجع النفوذ الإيراني في العراق، إذاً لتولى الجمع عن إيران، وعزفوا عن حضور مؤتمراتها، وكرنفالاتها العسكرية.
الحرب في المنطقة ممكنة الحدوث، وليس هناك ضمانات غير جلوس إيران بشكل صادق لحل مشكلات عدم الثقة التي تسببت بها سياساتها مؤخراً. التعاطي السعودي مع إيران خلال هذه الأزمة يعكس رغبة صادقة من الطرف السعودي في أن تترك إيران موقفها التنافسي، وأن تستبدله بتعاون وثيق، ففي المجالين الاقتصادي والعسكري أبدى السعوديون في السنوات الخمس الأخيرة نوايا حسنة تجاه إيران، هناك في إيران من يقدر الموقف السعودي الرامي إلى إزالة الاحتقان ضد إيران في المجتمع الدولي، ولكن هناك أيضاً من لا يهتم كثيراً بأهمية تنمية هذه العلاقات. اليوم هناك دول عربية، ورغم عدم رغبتها في تعرض إيران لأي حرب قادمة، ولكنها تقول لا واضحة للأسلوب الذي تتعاطى به إيران مع المجتمع الدولي. وهناك نصيحة ثمينة عبر عنها مرة علي رضا آغازادي - المستشار السابق للرئيس خاتمي-: (السلام والاستقرار لا يمكن الوصول إليهما عبر وسائل نووية).
٭ زميل المعهد الأوروبي
للبحوث - بيرمنغهام
http://www.alriyadh.com/2006/04/19/article147602.html