دائماً هناك خلط بين الانتماء والأصل.
أنتم تبحثون قضية غاية في الخطورة والأهمية، الانتماء إرادة يا حضرات وليس تابعاً لما درستموه من عوامل تشكل الأمم. وكمثال لتوضيح ما أعني: أبو إبراهيم يتكلم الفرنسية، وقد يشارك في منتديات فرنسية، ويعيش في فرنسا، فهل هو فرنسي؟ إذا سألتموه سيقول: أنا عربي، والتعليل بكل بساطة هو أنه يريد ذلك وراض به ومقتنع.

ولد العراب عربياً، وأراد أن يكون كندياً أو (عراقياً)، انتهى الأمر، العراب كندي أو (عراقي) شئنا أم أبينا. وأصله ولسانه العربيان لن يغيرا من الأمر شيئاً. ما جدوى إقناعه بأنه عربي لسانا؟ ويا فرحتي، ما الذي سيفيد العرب لسانه إن لم يفدهم بإرادته؟ وهكذا يمكن سحب الموضوع نحو الأعلى، فليقل العراقيون جميعاً أنهم ليسوا عرباً ولينسحبوا من الجامعة العربية، وليعلن العراق في الأمم المتحدة أنه عراق فقط وليس عربياً، أي تماماً كما أعلن العراب، وعندئذ سأقول عن العراقيين أنهم عراقيون وليسوا عرباً. وطالما أن ذلك لم يحدث بعد، فالعراق عربي، ومن يعترف أنه عراقي لن يفيده إنكار عروبته. فالحقيقة إذن ليست مجرد نفي منه لعروبته، بل هي رفض لهذا الانتماء. ولن تنقص العروبة برفض إنسان لها، ولن تزيد بانضمام إنسان.

قال العراب هنا أنه عراقي وليس عربياً، ونحن كعرب سنترك له حرية خيار انتمائه. ولكنه في كندا، وكما يقول، يجيب سائله عن انتمائه بأنه عراقي. حسنٌ ... عليه أن يقنع الكنديين أنه عراقي فقط وليس عربياً، فالأرض كلها تعرف أن العراق عربي لأنه كدولة لم يرفض رسمياً بعد عروبته كما حاول القذافي مرة وفشل!

يبرر العراب رفضه للعروبة لأنهم صدم بمن يبيعون كلمات فارغة - كما قال - مثل القومية والعروبة.
هناك مشكلة كبيرة ألمت ببعض الدول العربية وخاصة يسارية النهج منها، هذه المشكلة هي تمييع المفاهيم.
حقاً لقد لعبت أنظمة هذه الدول الدور الأكبر في تمييع هذه المفاهيم، ولكن هل هذه المفاهيم هي بحق مائعة لهذه الدرجة؟
تاجرت هذه الأنظمة بالقومية، وتاجرت بالعروبة، وتاجرت بفلسطين كما تاجر أهلها بها. ولكن، هل صحيح أن القومية مفهوم مائع، أو العروبة، أو حتى القضية الفلسطينية؟ كيف تميع القومية وهي ما زالت عنصراً أساسياً في تحرر بعض الشعوب المعاصرة والأكراد مثال حي؟ وهل حقاً أن الدول الحاضنة لأعراق متعددة لا تتبع النهج القومي؟

اصطلاح (القومية) هو شعور القوم برابطة تؤلف بينهم تتجاوز اختلافاتهم الأخرى.
طيب ... لم تقم الأمة الأميركية على عرق ولا دين أو لون أو قومية أو جنس، لكن اختلاط تلك الأعراق والأديان والقوميات والجنسيات المبندقة شكل في النهاية أمة. أصحاب القوميات السابقة تخلوا عنها منذ أجيال، وصار فخرهم أنهم أميركيون. فهذه أمة، وهؤلاء قوم، وبالتأكيد هناك ما يسمى قومية أميركية وإن صعب على البعض الاعتراف بها وعاندوا وجودها. 11 أيلول أظهر بوضوح هذه النزعة القومية الأميركية بعد أن شعر الأميركي أنه مستهدف لكونه أميركي. بعد 11 أيلول شعر الأميركيون أكثر من ذي قبل بمعنى الرابطة التي تؤلف بينهم بغض النظر عن اختلافاتهم الأخرى، فهم قوم بناديق (بلا سوء معنى)، رابطة هؤلاء القوم أنهم أميركيون، وهذه قومية بالمعنى الحرفي. قد تكون حديثة الولادة، قد تكون مموهة قليلاً، ولكنها حقيقة واقعة.

والقومية لا تعني كما يريد محاربوها أن تتضمن معنى العنصرية، وبالنظر إلى أيديولوجيات الأحزاب القومية العربية لن تجد ما يـُـحقـِّـر أو من يحتقر القوميات الأخرى. واختلاف سلوك رجالات الأحزاب عن مبادئ أحزابهم نابع من سوء أشخاصهم وليس بسبب عيب في الأيديولوجية ذاتها. وتحميل الشعوب أخطاء حكامها كما فعل العراب هو بالطبع أمر سيء، ولكن طبيعة الشرقوسطي لن تتغير. يحضرني هنا إجراء اتبعته السلطات الأمنية السورية في الثمانينات الماضية جعلني أغشى من الضحك: في نهاية السبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي كثرت حوادث اغتيال رجال السلطة وكان منفذو الاغتيال دائماً يستعملون الدراجات النارية لسهولة حركتها مما يسهل الهروب أكثر. لم تستطع السلطات الأمنية أن تقبض على الجناة ولا أن تحد من عملياتهم فكان الحل السريع المضحك، وهو بكل بساطة منع الدراجات النارية في كل سوريا. وهكذا فعل صديقنا العراب، لم يستطع - بالطبع - أن يؤثر في من (يبيعون كلمات فارغة مثل القومية والعروبة) فرفض العروبة كلها وحارب القومية!

على رسلك يا عرابنا العزيز!
كن كما شئت، كن أنت دائما، ولكن تذكر أن العروبة موجودة طالما وجد ناس طيبون يفهمون المعنى الحقيقي لهذه الرابطة ولا يتاجرون بها. ليس ذنبهم أنك لم تعرفهم أيام معرفتك بمن يبيعون الكلمات الفارغة، ولن يحزنوا كثيراً لرفضك العروبة، ليس لأنهم يكرهونك بل لأنهم مؤمنون أنها موجودة وأنها بخير، وستبقى ما بقي عرب طيبون، وما أكثرهم في هذا المنتدى! هذ المنتدى الذي ليس إلا صورة مصغرة عن الواقع الحقيقي.

وما أعرفه تماما هو أنني عربي بالأصل وبالإرادة، وليس غروراً أن أقول أنني عربي طيب ولست مثل صدام حسين، وأنا لا أبيع كلمات فارغة لأنني أعبر عما آمنت به بالفعل.

(f)




وللكنعاني العزيز كلمة أخرى:
أرجوك، لا تمنع الدراجات النارية أنت أيضاً!
قد يكون صحيحاً أن العرب قتلوا الفلسطينيين، ولكنك إذا أردت الاعتماد على هذا المبداً فسأقول لك أن الفلسطينيين أيضاً قتلوا الفلسطينيين.
ترك العرب قضية فلسطين مرتين:
المرة الأولى، وهي النكبة، عام 1948.
والمرة الثانية، وهي الفاجعة، يوم أن اشترى الفلسطينيون اسرائيل ودفعوا ثمنها اعترافاً بوجودها، فهل تريد من الناس أن يكونوا فلسطينيين أكثر منكم؟
وبما أن العروبة ظاهرة صوتية، أطلب من جميع الفلسطينيين أن ينكروا عروبتهم.
لقد تاجر العرب بالقضية الفلسطينية.
أرجوك
لا تفعل مثلهم.

(f)