[CENTER]تابع: ما هو العلم. و هل العلم نوع من الأيديولوجيا؟


تابع: ما هو المنهج العلمي؟

المنهج العلمي هو منهجة و تقنين الطريقة التي طالما إعتمدها بنو البشر للتيقن بعد تصفيتها من الشوائب الميتافيزيقية و غير القابلة للحكم نهائيا بينهم.

كما سبق بيانه تهتم العلوم بالقضايا الموضوعية Objective Knowledge و التي يتم تبادلها بين الذوات البشرية لكي تستقر كمعرفية ذاتية بها Inter-Subjective

و بينما يمكن تمرير أي نوعية من القضايا (صحيحة - زائفة - مستحيل التيقن منها) بين البشر لتصبح يقينا ذاتيا لديهم - جاءت عبقرية العلم في الإقتصار على القضايا الموضوعية التي يمكن التيقن من صحتها من عدمه بالعالم الخارجي فقط. لينهي بذلك عصورا من الطفولة الفكرية المتمثلة بالدين - ثم المراهقة العقلية المتمثلة بالميافيزيقا و الفلسفات المثالية.

أي أن العلوم قد إقتصرت مادتها و مواضيعها - على تلك القابلة للتجريب لإثبات صحتها و التي تقبل التحدي بنفي صحتها و بإختصار المواد التي تتميز بقابلية التكذيب (بنص كارل بوبر).

و كون العلوم تطرح القضايا الموضوعية (الخارجية) كمواضيع للأسئلة و البحوث و النظريات - و كون هذه المواضيع قابلة للتحقق و من أي فرد كان من البشر (ليس الكهان أو الصفوة المتصلة بالأرواح مثلا) و كون هذا التحقق يحمل إحتمال الخطأ مساويا للصواب جاءت إجابات العلوم على درجة عالية من الصرامة Rigorousness الشديدة و التي تزعزع أي يقين زائف أمامها بمنتهى السهولة و العنف أيضا مهما كانت درجة إيمان الفرد بهذا اليقين.

و كمثال فإن إيمان العقل البدائي بأن الأمراض تسببها الأرواح لن يصمد نهائيا حين يرى بعينه الجراثيم تحت المجهر - و أيضا سيتحول نداء و نظرية بن باز بإستواء الأرض إلى نكتة - و هذا كون أي إنسان - بمن فيهم بن باز نفسه - من الممكن أن يجرب بسهولة إستواء الأرض أو تكورها.
و على الرغم من أن يقين الأفراد بالقضايا الميتافيزيقية و الدينية في هذه الحالات يقينا مطلقا - إلا أنه سرعان ما سينهار - و بنفس النسبة المطلقة أمام هذه الصرامة - و هذا و للعجب مع أن العلوم لا تدعي نهائيا أن يقينها مطلق بل نسبي.
سوف يتم تبرئة الأرواح و الجن إذا عن كونها مسببة الأمراض للإنسان و سوف تكف الملائكة عن إدعاء أفضال كثيرة - و سوف يتراجع الله عما كان يفعله و يتباهى به.

و جميع العلوم تحمل و بدرجات مختلفة نفس الصرامة و التحدي و الإتصال بالعالم الخارجي كموضوع. و يمكن تبسيط أصعب و أعقد النظريات العلمية في الخطوات:
1- ظواهر طبيعية خارجية + مشاهدة.
2- نظرية لتفسير هذه الظواهر (ممكنة أو محتملة منطقيا و تحتمل الخطأ أو الصواب).
3- عودة للعالم الخارجي للتحقق من صحة هذه النظرية أو تكذيبها.

لاحظ أنه في الميتافيزيقا لا يمكن تطبيق البند الثالث لكي تبقى النظرية مجرد إحتمال - مساوي لأي عدد كان من الإحتمالات الأخرى.

و كمثال في نظرية نيوتن للحركة:
1- أي شئ يتم قذفه يسير بشكل ما ثم يعود ليسقط على سطح الأرض.
2- إفترض نيوتن وجود قوة الجاذبية الأرضية و توصل أن المقذوفات ستسير على شكل قطع ناقص.
3- يمكن لأي بشر أن يقذف بمقذوف لكي يتأكد من صحة نظرية نيوتن من عدمه.

و يجب أن نعلم جيدا أن نقد نظرية علمية بواسطة أخرى تالية لها يعني إحتواء الأولى داخل الثانية و لا يعني التدمير أو فرض خطأها المطلق (كما يحلو لنا أن نعتقد) و كمثال:

- قوانين الحركة لنيوتن تفترض ثبات الكتلة
- تم تجربة قوانين نيوتن و إتضح صحتها (طبقا لحدود السرعات العادية - نسبة لنا - و التي تم التجريب عليها).
- نظرية النسبية تفترض بعدم ثبات الكتلة في السرعات العالية جدا بل بزيادة تلك الكتلة و هذا بمعادلتها الشهيرة.
- تمت تجربة النظرية و إتضح صحتها.

فنظرية نيوتن صحيحة في حدود ما و يمكن لأي شخص تجربتها بهذه الحدود - ثم تصبح غير صحيحة حين تعدي تلك الحدود لتأتي النسبية و تحل محلها.
و قانون الكتلة و السرعة الشهير في النسبية سوف يتحول لقانون نيوتن حال التعويض عن السرعة بصفر أو بحدود السرعات العادية نسبة لنا.

فللغرابة - فشفافية العلوم للنقد - بل و نسبية يقينها هي سر الصرامة الشديدة و القوة فيها.

هل إقتربنا الآن من تحديد لماذا إنتصر العلم على التحالف الديني / الطبقي ؟