[CENTER]ما هي العلاقة بين الدين و العلم؟ تناقض أم إتفاق أم لا يتقاطعان أبدا؟ و هل يمكن جمع كافة الأديان بسلة واحدة؟

الدين و العلم غير متوافقان كما نتشدق - و هذا في أفضل الفروض - و متناقضان بشدة في أساسهما و نتائجهما في أسوأها.

حتى لا نقع في فخ التعميم - في موضوع ضخم و متشعب كالأديان - يجب علينا تقسيم المنظومة الدينية لأقسام و هذا تبعا لدرجة إقتراب أو إبتعاد موضوعات هذه الأقسام عن التشابك مع العالم الواقعي الخارجي الذي يمثل ميدان العلوم:

1- الفكرة الميتافيزيقية التي تتمحور حولها الأديان: و هي القلب الفلسفي للأديان و كمثال في الأديان السماوية فهي فكرة وجود الله - كائن ميتافيزيقي غير مادي خلق الكون بما فيه - بالإضافة لوجود أنواع أخرى من الكائنات الميتافيزيقية التي خلقها الله أيضا مثل الملائكة الخيرة و الشياطين الشريرة بالإضافة لنصف الإنسان الآخر الميتافيزيقي و هو الروح - ثم العالم الآخر (الميتافيزيقي) الذي يحوي هذه الكائنات و تذهب إليه أنصافنا الميتافيزيقية بعد الموت.
2- المنتجات الدينية: و هي في حالتنا الكتب السماوية المقدسة التي أوحاها الله لبعض من إختارهم من البشر كرسالة لباقي البشر و تشمل القواعد و النواهي الأخلاقية العامة و الكثير من السير و الحوادث التاريخية بالإضافة لتفسير الكثير من الظواهر الطبيعية و الإنسانية.
و يضاف للكتب السماوية (بإعتبارها كلام الله) - في بعض الحالات كالدين الإسلامي - خطاب من قام بنقل كلام الله و الذي يأخذ نفس القداسة تقريبا و التي أسبغها عليه الله ذاته بوصف صاحب هذا الخطاب لا ينطق عن الهوى. و يأتي هذا الخطاب لكي يتوسع في تفسير الخطاب الأصلي و يتوسع في الأوامر و النواهي و يتوسع أكثر في تفسيرات الظواهر الطبيعية و البشرية و يتداخل في كافة ظواهر الحياة البشرية: الأخلاقية و غلإقتصادية و الصحية ...إلخ.
3- المنتجات البشرية: و تمثلها في حالتنا الخطاب الديني المنتج بواسطة رجال الدين و هي الأشد إتساعا و تشمل مجهودات تجميع و تصفية الخطاب الديني الأساسي و التشريع المباشر إعتمادا على الخطاب الديني الأساسي (الكتب السماوية و الحديث في حالة الدين الإسلامي) فيما يسمى بالفقه و هذا إلى المنتجات الفلسفية التي تنطلق من الدين كأساس (مثل المتكلمين في الدين الإسلامي).

يعتبر تعميم هذه المواضيع الدينية لقياس و مقارنة وضع الدين من الناحية المعرفية مع العلوم كخلفية معرفية خطأ فادح - يقع فيه المتلقي و ليس طارح التعميم الذي يكون هذا التعميم في صالحه نوعا ما. حيث أن هذا التعميم يليه مباشرة قياس وضع الدين بعامة مع الخلفية العلمية بوصفه ميتافيزيقا خالصة (مثل الفلسقات الميتافيزيقية المثالية) لا تقترب أبدا من العالم الواقعي و هذا مما يعد هروبا مغرضا و متعمدا من الوقوع في ميدان أو فخ العالم الواقعي كمقياس صارم على صحة أو زيف القضايا و التفاسير المطروحة.

فالدين و بالرغم من أنه يرتكز كلية على فكرة ميتافيزيقية خالصة - إلا أنه يبني فوقها صرحا من المعارف التي تختلط مباشرة مع العالم الخارجي و على كافة المستويات من نظريات تفسيرية للطبيعة إلى منظومات إقتصادية و أخلاقية و قانونية ... إلخ.

و لذا فمن الأنسب أن نحاول دراسة و تقييم الدين من الناحية المعرفية (أي كخلفية معرفية و وسيلة لإستقاء اليقين) أمام العلوم كخلفية معرفية مقابلة - من الأنسب أن تتم هذه الدراسة بعد تقسيم الدين لمواضيع و هذا تبعا لدرجة إقتراب أو إبتعاد هذه المواضيع عن العالم الخارجي كميدان (و هو كما نعلم الميدان الرئيسي للعلوم).
و بالتالي ستختلف درجة الإحتكاك بين العلوم و الدين في كل تقسيم مما سبق تحديده حسب درجة إقتراب هذا التقسيم من العالم الواقعي أي في مرمى العلوم الطبيعية.

يتبع ,,