أفكار وملاحظات على الوعي البشري
مرحباً بالأخ حسن بن الهيثم وبالأخ الدكتور محمد الطنطاوي .
لقد قرأت شريطك عن الروح أخي حسن " لا تعليق لي "
أنا في صف الأخ محمد فما يقوله ربما يكون غير واضح ولكنه له أسسه الموضوعية .
وأزيد في توضيح الأحاسيس , وبشلك خاص أحاسيس اللذة والألم بالتالي :
"إحساسنا هو ذكاؤنا الأكثر فورية و عمقاً, فإن تماسه مباشر مع المحيط ويمتد من الصفر إلى اللا نهاية, وشئنا أم أبينا هو دائماً الذي يقرر. إن اختيارنا ينبع دائماً من الداخل , أو بالأحرى يتم الاختيار من داخلنا دون أن يكون لنا حيلة فيه , حتى وإن أردنا بإصرار ما هو عكسه , فلا حول ولا قوة لنا ضد الحياة الداخلية وضد الإحساس الذي يستشعر وينقل الرموز ويراقب ويقرر دون استشارة أي كان , إننا لا نعرف أبداً الأشياء والموجودات بعقلنا, وإنما تبعاً لإحساسنا. والأشياء كلها حيادية, ولكن إحساسنا (يشحنها) بهذه المعاني أو تلك. كافة الناس هم على حق فيما يتعلق بإحساساتهم - من كتاب " علم النفس الجديد وطرقه المدهشة "
الفرق بين الإحساس الخام والإدراك الحسي :
إن الإحساس هو ما يتكون لدينا من خبرة نتيجة تنبه الخلايا العصبية الكائنة في إحدى مناطق الدماغ الحسية.
في حين أن الإدراك الحسي هو الإحساس مضافاً إليه شيء أكثر_ أي تضاف إليه الخبرة الناجمة عن تنبيه الخلايا العصبية الموجودة في المناطق الإرتباطية (في الدماغ).
فالإدراك الحسي , بعبارة أخرى , هو الإحساس المعزز بالذاكرة وبالصور المستمدة من الخبرة الماضية والناشئة عن التداعي. والإدراك الحسي يتأثر كثيراً بما يكون عليه انتباهنا أو تأملنا ورغبتنا وأهدافنا " من كتاب علم النفس الحديث, تأليف ركس نايت ومرجريت نايت
" إن الحواس لا تشبه القنوات أبداً, بل هي بمثابة أجراس كهربائية. فكما أنه لا شبه بين حركة الأصابع المعتمدة على الزر وقرع الجرس, فكذلك لا شبه بين الإثارة التي تهيج طرف العصب وما يداخل الوعي من احساسات من ذلك الطرف. إن عين النملة وعين الحرزون وعين الإنسان إذا وضعت ثلاثتهم بمثاقبة مشهد واحد وهيجت على صورة واحدة. أتت أولاها بإحساسات نملة والثانية بإحساسات حرزون والثالثة بإحساسات إنسان: الشأن في ذلك شأن الآلات الموسيقية الوترية التي تجيء ضربة القوس الواحد عليها بصوت يختلف من آلة لآلة,إذاً فلا عجب أن ندرك بحواسنا عالماً يختلف عن العالم الحقيقي " من كتاب الفلسفة العامة للدكتور حكمت هاشم
اللذة والألم
" المهاد ودوره في الثواب والعقاب
من بين مهام المهاد ضبط وظائف الجسم الهامة للحياة إن كانت شعورية أو لا شعورية- ضبط الضغط الشرياني- توازن سوائل الجسم- محتوى السوائل من الأملاح- التغذية- النشاط المعدي والمعوي- الافرازات للغدد الصم, وله علاقة وثيقة مع الجانب الانفعالي من الإحساسات, مثل اللذة والألم وبالتالي الثواب والعقاب.
" فالتنبيه الكهربائي لمناطق معينة يجلب السرور والرخاء للحيوان, وتنبيه مناطق أخرى يسبب ألماً شديداً أو خوفاً أو دفاعاً أو هرباً, هناك مناطق ثواب وعقاب في المخ وفي المهاد المراكز الأساسية, والمراكز الأخرى في - اللوزة والحاجز والعقد القاعدية وفي لحاء القاعدي للمخ المتوسط - .
إن مراكز الثواب والعقاب تمثل بلا شك أحد أهم الضوابط في نشاط الإنسان , وقد وجد أن الخبرة الحسية التي لا تؤدي إلى أي من الثواب أو العقاب نادراً ما يتم تذكرها على الإطلاق, إن تكرار منبه خلال فترة من الزمن يؤدي إلى انطفاء شبه كامل لاستجابة اللحاء إذا كان هذا المنبه لا يستثير مراكز الثواب أو العقاب فالحيوان يصبح معتاداً على المنبه الحسي, ولكن إذا كان المنبه يؤدي إلى ثواب أو عقاب فإن استجابة اللحاء تصبح تدريجياً أكثر حدة بتكرار المنبه بدلاً من خمود الاستجابة - ويقال في هذه الحالة أن الاستجابة قد تدعمت أو تعززت- وعلى هذا فإن الحيوان يقيم آثار قوية لذكريات الخبرة التي تؤدي إلى الإثابة أو العقاب, فالثواب والعقاب – والانفعالات- لهم علاقة كبيرة بالتعلم.
وفرس البحر- قرن آمون- يلعب دوراً في تقرير درجة انتباه الشخص , وله علاقة بالتعلم. يعتقد أنه يلعب دوراً في ربط الخصائص الانفعالية للخبرات الحسية, ثم يقوم بدوره بنقل المعلومات إلى مراكز الثواب والعقاب وغيرها من المراكز, ويقوم بربط الإشارات الحسية المختلفة الواردة بشكل يؤدي إلى استجابة مناسبة من المهاد " من كتاب علم النفس الفزيولوجي د. عزت سيد إسماعيل .
آليات عمل الحواس
إن آليات عمل الحواس والجهاز العصبي هي آليات مكممة محددة وليست احتمالية, فقد كممت بواسطة العتبة , وكمية, ونوعية, ومصدر التيار العصبي .
فالعتبة هي إما أن التفاعل الناتج عن المؤثر يحدث تياراً عصبياً ذو خصائص محددة ثابتة تابعة للمؤثر أو لا يحدث, أي أن تأثير المؤثر على مستقبلات الحواس إما أن يحدث الإثارة وبالتالي ينشأ تيار عصبي ويكون هذا التيار الناتج محدد الكمية والكيفية والمصدر, أولا يحدث .
وكذلك عمل الخلايا العصبية فهي إما أن تثار وتنتج تياراً عصبياً نتيجة ما يصلها من تيارات عصبية أو لا تثار ولا تنتج أي تيار عصبي- وهذا يشبه عمل الكومبيوتر تيار أو لا تيار, صفر أو واحد - .
إن عمل الحواس والجهاز العصبي هو عمل محدد ومكمم فيزيائياً, فليس هناك احتمال في عمل البنيات التحتية أي الكيميائية الفزيائية لمستقبلات الحواس أو الجهاز العصبي, وهو مثل عمل باقي التفاعلات الفيزيائية أن كانت ميكانيكية أو كهربائية أو غيرها من التفاعلات الفيزيائية, فالإثارة أوالتيارات العصبية إما أن تحدث أو لا تحدث, وهي ذات خصائص محددة في كل مرة .
بينما عمل الدماغ في بنياته العليا , في التعرف وبناء الأحكام والتفكير المتقدم, يمكن أن ينتج معرفة احتمالية- ولا مجال لتوضيح ذلك الآن- , فالتعرف و الدلالة على العالم الخارجي والأحكام التي تبنى أثناء المعالجات الفكرية هي تنبؤية احتمالية, وهذا نتيجة عدم التكميم الكامل للبنيات الفكرية, ولكن عندما تكمم بشكل تام كما في البنيات الفكرية الرياضية, عندها تصبح الأحكام غير احتمالية وذات صحة مطلق .
دور اللذة والألم أو الثواب والعقاب الهام
إن دور اللذة والألم- الثواب والعقاب- هام جداً, وفعال جداً لنمو واستمرار الكائن الحي , وبالتالي استمرار ونمو بنية الحياة ككل, وكذلك هو هام لنمو وتطور البنيات الاجتماعية والمجتمعات البشرية, فدور الثواب والعقاب في تفاعل وتطور البنيات الاجتماعية أساسي وقوي.
فالبنيات الاجتماعية تتشكل وتنتظم حسب خصائصها وآليات تفاعلها مع بعضها , بالإضافة إلى خصائص الأفراد الذين يكونون هذه البنيات الاجتماعية , ومفهوم العقوبة والمكافأة وبالتالي الأنظمة والقوانين والعادات والأعراف وغيرها, مبنية بشكل أساسي على اللذة والألم - المكافأ والعقاب - الذي يحسه الأفراد, بالإضافة إلى طبيعة أوضاع و خصائص البنيات الاجتماعية, والأخلاق والقيم الاجتماعية توجه باللذة والألم الذي يحسه الأفراد, وإذا انتفت اللذة والألم انتفت أغلب القيم الاجتماعية, وبالتالي أنتفت أغلب الأخلاق والعقائد , وكذلك انتفى الفن, وأغلب آليات تفاعل البنيات الاجتماعية.
فاللذة والألم كما هما حافظان ومنظمان للكائن الحي , لهما أيضاً وظيفتهما و دورهما الهامين والأساسيين في تطور ونمو المجتمعات والبنيات الاجتماعية.
وإذا نظرنا إلى باقي الكائنات الحية فإننا نجد أن الحشرات ضعيفة أو شبه معدومة الإحساس باللذة والألم فدور اللذة والألم محدود جداً , فالمحافظة على الذات وعلى مجتمعها تتم بانعكاسات وآليات مبرمجة فزيولوجياً و وراثياً , والأفضلية لحماية واستمرار مجتمعها- في حال كونها تعيش حياة اجتماعية- وهي تضحي بنفسها بكل بساطة وسهولة في سبيل حماية خليتها أو مجتمعها وهذا ما جعل الحشرات ومجتمعاتها تختلف كثيراً عن مجتمعات الثدييات.
فاللذة والألم يزداد ويتوسع مجالهما ودورهما كلما صعدنا في سلسلة الكائنات الحية وهما لدى الإنسان الأكثر أهمية وقوة واتساعاً , إن الآلام الجسدية أو النفسية لدى الإنسان أكبر من اللذات - هذا ما نلاحظه ونعيشه- فآلام الأسنان والحروق والولادة...., والآلام النفسية مثل فقد عزيز أو فشل كبير... هي أكبر من لذة الطعام والشراب والحب...
نعم هناك لذات كبيرة ولكنها غير مركزة وغير واضحة مثل الآلام الجسدية أو النفسية, فلذة الحب والحنان والشوق والصداقة..... يمكن أن تبلغ درجات عالية كاستجابات ترافقها أحاسيس, فيمكن لشخص أن يتحمل عشر ساعات من آلام الأسنان القوي في سبيل لقاء حبيبته أو ابنه أو أمه, ويمكن لأم أن تتحمل آلاماً كثيرة أو تضحي بحياتها في سبيل أولادها, وهذا يدل على أن هناك استجابات ترافقها أحاسيس تعادل أو تفوق قوتها وتأثيرها أقوى الآلام, فوضع الأسير الذي يتحمل مئات الساعات من الآلام دون أن يبوح بأسرار بلاده ليس مقابل لذة, بل نتيجة استجابات تابعة لما تعلم وبرمج عليه فكرياً وعملياً فهو يتصرف بناء على أن آلامه سوف تمنع آلاماً أكثر بكثير, عن شعبه أو أهله أو بلاده.
إن آلية عمل الجهاز العصبي في أساسها ليست مبنية على اللذة والألم, فهي مبنية على آليات فزيولوجية وعصبية و كهربائية .
واللذة والألم نشا وتطورا بعد ذلك " وهذا ما يتكلم عنه الأخ محمد الطنطاوي"
نحن نسحب يدنا أولاً عند وخزنا بدبوس ثم نشعر بالألم, فالاستجابة الحسية نشأت لاحقاً بعد نشوء الاستجابة الفزيولوجية ثم الحركية.
وكذلك الذاكرة نشأت قبل نشوء الوعي ثم تطورت وأصبحت واعية- أو جزء منها واع - , ثم نشأ الشعور والإحساس الجماعي والذاكرة الجماعية ثم الوعي الجماعي .
إن إحساسي اللذة والألم إذاً هامان وضروريان لاستمرار وتطور الفرد والنوع " كما يقول الطنطاوي ", وكذلك هامان للمجتمع
ولكن كافة المناهج السياسية والعقائدية والدينية والفكرية تسعى إلى تقليل الألم والمعاناة, وهدفها الأول والأساسي القضاء على الألم وزيادة اللذة والسعادة, وكذلك الهدف النهائي لجميع الناس والدول والمجتمعات هو تحقيق أكبر قدر من السعادة والرفاهية واللذة وأقل قدر من الألم والشقاء والمعاناة.
فالهدف الأساسي المعلن أو غير المعلن للجميع هو لذة أكثر وأقوى وألم أقل أو معدوم , لقد اعتبر الألم غير مرغوب فيه واعتبر في أغلب الأحيان العدو الأول الذي يجب القضاء عليه, فالشقاء و التعاسة والمعاناة... يجب إزالتهم والقضاء عليهم.
لذلك اعتبر الألم في كثير من الأحيان مرادفاً للشر .
ولكن دور الألم واللذة - كما مر معنا - هام وضروري جداً, فهما جهاز الإنذار والحماية والتوجيه للكائن الحي , من ما يتعرض له من مخاطر تهدد حياته كفرد وكنوع.
فالألم لا زال ضرورياً - لاننسى أن الأمراض الخبيثة تتمكن من جسم الإنسان بسبب عدم شعوره بالألم في فترة بدايتها وحضانتها- صحيح أن الإنسان الآن قام بإيجاد طرق وآليات وأجهزة حماية و إنذار متنوعة ومتطورة تسمح بالاستغناء عن الألم كجهاز إنذار وتعوض عنه, ولكنه لم يصل إلى درجة الاستغناء عن الألم الجسمي كجهاز إنذار وحماية لجسمه, وعندما يصل إلى ذلك عندها يمكن الاستغناء عن الألم كجهاز حماية.
فالألم ليس شراً والألم ليس عدونا , ونحن نجد أن اللذة والألم وباقي الأحاسيس والانفعالات وما تنتجه من تأثيرات حسية وعاطفية بأنواع وأشكال كثيرة, قد نشأت وتطورت لأنها حققت فاعلية في بقاء وتكيف الكائن الحي والتوافقه مع البيئة إن كانت مادية أواجتماعية, فالغضب والخوف والكراهية والشجاعة والغيرة والتنافس على المكانة وعلى التفوق وغيرها, لهم الدور الهام والفعال في التكيف مع البيئة والأوضاع الاجتماعية .
ولكن البيئة والأوضاع الاجتماعية تتغير, وهذا جعل الكثير من الانفعالات والعواطف غير المناسبة للأوضاع الجديدة بحاجة إلى تعديل أو إلغاء, وإيجاد ما هو مناسب للأوضاع الجديدة
والكثير من الناس ينتقدون ويهاجمون هذه الانفعالات -التي هي غريزية- ويعتبرونها حيوانية وسيئة ويجب القضاء عليها, وهم محقون في أغلب الأحيان, إلا أن بعضها لا زال يؤدي وظيفة ودوراً في التكيف والتطور, فالغضب والانتقام والمنافسة والغيرة والصراع وغيرهم لا زال لهم دور هام في تطور البنيات الاجتماعية, و مع الزمن سوف تطور الكثير من الانفعالات والعواطف لتلائم الأوضاع والتطورات الاجتماعية , وهذا ما نشاهده .
مع تحياتي ومودتي للجميع
|