ما أصعب الكتابة اليك يا سمير ولو بعد سنة. وما اصعبها الخميس، عشية مقالك الاسبوعي. لن نتشاور كالعادة في ما ستكتب ولن تبتسم كالطفل لفكرة لمعت في رأسك ولن ارى حماستك وغضبك وفرحك وسخريتك.
اليوم سأكتب اليك. لا ادري يا سمير ان كنت حيث انت قادرا على متابعة ما يجري حيث تركتنا. لكنني في أي حال سأخبرك، عن حال البلاد وليس حالنا في فراغ غيابك والحزن الكبير. وسأبدأ بخبرين اثق انهما يفرحانك.
قبل ايام انتفض القضاة، والمحامون متضامنون معهم. رفعوا الصوت عاليا من اجل استقلال القضاء وفي وجه التدخلات السياسية وبازارت تقاسم النفوذ. بارقة امل. فالقضاء المستقل هو حجر الزاوية في مسيرة اعادة بناء مؤسسات الدولة والاصلاح وهذا طموحنا والمعركة.
وأمس صار لنا مشروع قانون جديد للانتخاب. كان سيريحك ان تعرف اولا ان الحكومة عهدت فيه الى هيئة وطنية مستقلة ثم ان هذه الهيئة انجزته. لا اشك في انك كنت ستجد فيه ما يرضيك على رغم ثغرات اكيدة كنت ستنتقدها. كنت سترحب به من منطلق ان اجماع الهيئة هو الدليل على ان اللبنانيين قادرون عبر نخبهم المستقلة على حكم انفسهم، وقادرون على شق طريق الاصلاح وليس فقط على انتاج التسويات من اجل ذلك. وكنت ستفرح بالطاقة التغييرية الكامنة في مضمون مشروع القانون، في انتخاب 40% من النواب في الدوائر الكبرى بالاقتراع النسبي وخفض سن الاقتراع الى 18 و"الكوتا" النسائية على لوائح الترشيح وانشاء هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات وغير ذلك.
مهلا، ليست كلها اخبارا مفرحة. فالوضع لن يرضيك اطلاقا. اعرف ان ما سأخبرك به لن يفاجئك وانت الذي لم تنتظر طويلا بعد 14 آذار لتدعو الى "انتفاضة في الانتفاضة"، لكنه سيصيبك بخيبة وان لم يفقدك الامل.
رفاقك في ذلك الآذار يا سمير فازوا في الانتخابات وصاروا الاكثرية. حكموا مبدئيا لكنهم لم يمسكوا بزمام الحكم. لا نفهم لماذا لا تزال عقلية المعارضة تحكمهم وكأنهم لم يصدقوا بعد انهم حكموا. حالهم يذكرني بحال النظام السوري الذي لا يزال حتى الان لا يصدق انه خرج من لبنان.
لكن أخطر ما في حالهم انهم غير قادرين على انتاج خطاب للحكم أو برنامج. ولن اخبرك عن الرؤية. لا تسأل. هم في حال تخبط معظم الاحيان وافعالهم هي ردات فعل. خذ هذا المثل. فتحوا معركة اسقاط الرئيس اميل لحود (هل تذكره؟). نعم. لا يزال رئيسا والارجح انه سينهي ولايته ولن اقول لك بتنا نخشى تمديدا جديدا. في أي حال فتحوا المعركة بطريقة غير مدروسة واصروا على المضي فيها عاجزين عن تقديم مرشح يكون رمزا للمرحلة وعن تحويلها مناسبة لسجال وطني حول مستقبل البلاد واهداف الحكم فيه، وكأن العملية مقتصرة على اقصاء لحود عن الرئاسة.
وفي المناسبة، قد يهمك ان تعرف اخبار من سميته "الاب الضال" في مقالك عن عودته من المنفى. لم يتغير الكثير يا سمير.
لن اخبرك الكثير عمن كانوا الموالاة والان يتنقلون بين الموالاة والمعارضة حسبما يشاؤون ويسجلون انتصارات، أو لعلهم يظنون ذلك. لكنهم ايضا في ازمة يتخبطون.
ملاحظة: تعمدت عدم الكتابة لك عن الوضع بين لبنان وسوريا. لكن قد تلخص لك هذه القصة الحال بين البلدين وفي كل منهما: القضاء العسكري السوري اصدر مذكرة احضار في حق النائب وليد جنبلاط والوزير مروان حمادة لاتهامهما بالتحريض على سوريا وسلمها الى الانتربول. اجتمع مجلس النواب في ساحة النجمة واستنكر المذكرة بالاكثرية لان نواب "حزب الله" و"امل" امتنعوا عن التصويت. الجديد ان المحامي السوري "المستقل"- طبعا- قال انه مستعد للتنازل عن الدعوى التي اقامها لاتاحة الفرصة امام "مساعي التهدئة"، لكن اقفال القضية رهن عمليا بحسن سلوك جنبلاط!
سحر بعاصيري
http://www.annaharonline.com/htd/SAHAR060602.HTM