ملاحظة كنت قد وضعتها في مكان آخر، وأحب تكرارها هنا للفائدة.

نحن نتحدث عن بشر في الدنيا، وليس عن ملائكة في السماء، ولا عن بشر يوم القيامة.
البشر يمارسون الكثير من الأفعال، والتي لا يمكننا أن نصفها بوصف زائد عن ذاتها كالخير أو الشر، إلا نسبة إلى ما نعتقده نحن.

الحرب والعنف والقسوة هي نشاطات بشرية طبيعية يقوم بها البشر منذ أن وجدوا على الأرض، وسيبقوا يمارسونها حتى يرث الله الرض ومن عليها.

لا يوجد في الدنيا قطب موجب، بل هما قطبان متناعمان بنظام، والخلل يكون بتجاوز النظام لا بوجود القطبين، فكما هناك حب هناك بغض، وكما هناك سلام هناك حرب، وكما هناك عنف هناك لطف، وكما هناك قسوة هناك حنان.

الإسلام كدين ينظم العلاقة بين المرء وربه، والمرء ونفسه، والمرء وغيره من بني البشر، لم ينكر العلاقات البشرية الطبيعية بما فيها الحرب، وإنما قام بإدارتها وتنظيمها بما يمنع فيها التعدي، والتعدي مجاوزة الحد، ونظم الحب أيضا بما يمنع فيه التعدي.
"أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما"

الحرب ليس شرا بذاته، وليس السلام خيرا بذاته، الحرب حرب وفقط، والسلام سلام وفقط، وقد يكون أحدهما خير نسبة لي وشر نسبة لغيري من الناس، والعكس بالعكس.

ما يحدد خيرية وشرية الفعل ليس هو بذاته، بل الزاوية التي أنظر منها إلى العالم، ومجموعة المفاهيم عندي عن الحياة.

حين يكون الناس عقلاء، فإنهم يقومون باحتكار العنف لسلطة مخولة، فيقومون باحتكار سلطة العقاب للدولة، وسلطة الرعاية للدولة.
بل وأنهم قد جعلوا ما يسمى بمجلس الأمن يحتكر سلطة إعلان الحروب، بديلا عن الدول.

أما أن نعيش في أبراج عاجية، بعيدا عن العالم بمآسيه ومشاكله، رافضين أن ننظر إليه كما هو فعلا، مصرين أن نصفه كما نتخيله، فإننا لن نكون إلا كالنعامة التي تدس رأسها في الرمال.

إن ألغيت العنف من قاموسي، فمن ذا الذي سيأخذ على يد المجرمين؟ وإن ألغيت الحرب من قاموس دولتي، فمن ذا الذي سيحميها وقت الضرورة؟

لم نتصور أن الناس سيأتي عليها يوم في الحياة الدنيا، تصبح كلها فجأة ساذجة وطيبة وحبوبة والقطة تاكل عشاهم؟
لم نرفض التوزيع الطبيعي للناس تحت الناقوس الطبيعي؟