اقتباس: بريق كتب/كتبت
كان الزرقاوي بسيطا ، وصريحا في ما قام به من عمل : هذه الأرض التي أتت أمريكا من خلف المحيطات لكي تنهب ثرواتها , وخيراتها ، لنجعلها محروقة ! .. كانت سياسته ببساطة هو اتخاذه جميع الوسائل لكي يقول انه كمقاوم ، موجود ... ولو كان الثمن حرق الأرض بمن عليها ... لذلك لم يهنأ لأمريكا بال ، ولم يلتقط جنودها أنفاسهم منذ أن دنسوا بأقدامهم ارض العراق ، وبقي أي هرج ومرج يحدث في هذا البلد - بفعل الزرقاوي -يشوه صورة أمريكا - دوليا - أكثر مما هي مشوهه ، ويعطي انطباعا أن مشروعها المكذوب- نشر الديمقراطية - في المنطقة هو مجرد ذر للرمال في العيون ..
ومن هنا فان الهدف الذي وضعه الزرقاوي ، كانت النتيجة المتحققة - له - تبرره تماما !..
عندما ارتفع صيت الزرقاوي بصورة تعبر عن أعمال عنفية غير مسبوقة ، أي قبل سنتين ، أوأكثر تقريبا ، لم أكن أتخيل - بما احمله في عقلي من مبادئ وقيم - انه سوف يقدر لي الله موقفا يحتار عقلي في نظرتي إليه !.
عندما ارتفع صخب أعمال الزرقاوي لم أكن انظر له إلا انه همجي ! ، وأسلوبه يضر بقضية العراقيين !...
لكن عندما تيقنت انه وأنظاره العقائديين هم أوضح مظاهر المقاومة للمشروع الأمريكي في العراق، والمنطقة تغيرت نظرتي في الرجل ! ...
ذلك المشروع الذي كان يراهن لكي يسهل تمريره على رفض الشعوب المغلوبة ، واحتقانها من أنظمتها الديكتاتورية القاسية ، متوقعا انه سوف يُمرِر مخططاته التوسعية بدون أي مقاومة ، مبتدئا باوهن الحلقات ، لنظام مرفوض من شعبه أكثر من أي نظام آخر في المنطقة .. هناك تواجد الزرقاوي وأنظاره وبقية الأطياف ، واعدين المشروع - الخادع - القادم بان العراق سيكون محرقة على الجميع ، ملقنين شيراك شرحا للوضع بقوله : أن أمريكا قد فتحت ابواب جهنم ! .. كل ذلك والزرقاوي يتسلح بالشعار الشيطاني المعروف : أنا ومن بعدي الطوفان ! .
لم تكن كل أعمال الزرقاوي وصخبه سوى تصريحا اكيدا ، ولا يقبل الشك ، إن أمريكا قد فشل مشروعها التي أرادت تمريره في المنطقة ، من العراق ، وكل تلك اليافطات الشعاراتية - التي رفعتها مروجة لتحقيقها - قد أسقطها الزرقاوي ، وأنظاره الواحدة تلو الأخرى ، وأصبح العراق كما أراد الزرقاوي محرقة على الجميع ، وأولهم بالطبع أمريكا ، وهذا النجاح للزرقاوي يجعله بطلا ، وان اختلفوا في تصنيف هذه البطولة .
بالنسبة لي وللكثير غيري ، وإذا ما تغاضينا إن أمريكا بذاتها هي التي تلعب في هذه المرحلة دور المحتل ، فان أي نتيجة لأي احتلال أيا كان المحتل هي نتيجة مرفوضة سلفا ! .. وأي نتيجة ايجابية لأي احتلال لن تُقبل أبدا ، ذلك كونها تقوم على باطل ! .. لذلك فلو كانت نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق هو أن يصبح جنة عدن الموعودة فأنه في قيم ، ومبادئ الكثير هي الجحيم عينه ، لأن يقينا اجزم أن تلك الجنة تخفي في سراديبها الأهداف الحقيقية لقدوم المحتل الأمريكي من خلف المحيطات ...
انه احتلال وهل تكفي كلمة احتلال لتصويره كشر مطلق ، لا يأتي بخير .. وان الجحيم - كما أراد الزرقاوي - لهو خير نتيجة له !.
الزرقاوي بقصد أو بغير قصد ، كان يهدف لإفشال ذلك المشروع الذي يريد إن يهيمن على المنطقة ، مغيرا دينها ، وثقافاتها ، ونجح ! .. وفي اغلب المراحل ، وبتسليط الضوء الإعلامي على بشاعة الأعمال التي يرتكبها كان أوضح مظاهر المقاومة ، وأكثرها صخبا ، وضجيجا .. وفي سرعة وكما نشط عماليتيا ، بدأ ينشط إعلاميا مروجا لفكرة نبيلة ، وهي مقاومة المحتل .
بالنسبة للكثير قد تغفر تلك الفكرة النبيلة كل عيوبه ، ومثالبه .... بل وجرائمه ! .
لا يهم الزرقاوي - كما كان واضحا - رأي الكثير في عدم اعتباره مقاوما ، ولم يلتفت لرأي الكثير ممن صوروه كشيطان ، يقتل بلا هدف أو قضية !.. ما بقي يهمه هو إن يكون هو وأنظاره من المتحمسين المتدينين أوضح ، وانجح مظاهر المقاومة في العراق المحتل .. حافظين ما بقي لكرامة امة - لن تستكين - من الانصهار والذوبان التام .
الزرقاوي وان رفض الكثير من اعتباره احد أوجه المقاومة في العراق المحتل ، فأنه يبقى رغما عن انف هؤلاء الكثر مقاوما ، وشجاعا في مواجهة المشروع الأمريكي في المنطقة ! .. وان رحل فان أتباعه وأنظاره سائرين على نفس المنوال .. فالزرقاوي لم ينتهي ، فهناك ألوان تسلك طريق المقاومة لتلك الهيمنة ، والغطرسة ، منذرة بان تكون الوان طيفها تحمل ما هو أكثر احمرارا ، وسوادا من الزرقاوي نفسه ، وكل ذلك - وحتى لا ننسى - لأن هناك احتلال !.
إختلافي مع الزرقاوي ليس سببه الوسائل التي أتبعها للوصول إلي هدفه فأنا لست من هواة إستخدام كلمات البربرية والهمجية لأني أعتقد أن كل شئ مباح في الحرب وعلي رأي محجوب عبد الدايم في فيلم القاهرة 30 إحنا عايشين في مجتمع وسخ واللي هيكسب هو الأوسخ ولكن في الهدف النهائي الذي يسعي إليه
علي مستوي التكتيك فالرجل سيذهب في التاريخ كأحد نجوم حرب العصابات بلا جدال فلقد إستطاع بإمكانيات محدودة وبدون دعم من قوة عظمي أن يحدث خسائر بأمريكا يتوقع لها البعض أن تصل إلي 2 تريليون دولار ويكفيه فخرا أنه بمجرد إعلان وفاته هبط سعر برميل البترول دولارا كاملا في البورصة وإنتابت القوة العظمي الوحيدة بالعالم موجة فرح عارمة.
بالنسبة لعمليات الذبح ووضعها علي النت فقد كانت تلك أحد أهم بصماته وبعيدا عن التهجيص بتاع البربرية والتوحش فقد أحدث بتلك الأفعال أثر نفسي في القوات الأمريكية يفوق ماأحدثه تكتيك رامسفيلد المعروف بالصدمة والترويع فلو إكتفي الزرقاوي بإطلاق رصاصة علي ضحيته فسيكون الخبر في وسائل الإعلام - مصرع أمريكي في العراق - بدون حتي ذكر إسم القتيل وسيموت الخبر بعد 10 دقائق من إعلانه ولكنه بالطريقة التي إتبعها حفر إسم نيكولاس بيرج وبيجلي وغيرهم في أذهان الأمريكيين والعالم وأستمر الخبر ليومنا هذا وأنتشر كالنار في الهشيم من النت إلي كل محطات التلفزيون ووسائل الإعلام مما سبب تآكل شعبية بوش وإنهيار معنويات الجنود الأمريكيين بالعراق, إزدياد حالات الإنتحار والهرب من الخدمة , فشل الجيش في الوصول للعدد المطلوب تجنيده سنويا إزدياد حالات post traumatic stress disorder ,رفع تكلفة أي مشروع تود أمريكا القيام به في العراق بسبب إرتفاع تكاليف الأمن , توالي إنسحاب الدول والشركات من العراق.
أحد أكبر حماقات الزرقاوي التكتيكية إعلانه الحرب علي الشيعة ففي مواجهة قوة عظمي كأمريكا وبدون دعم من قوة عظمي أخري لايحتاج الإنسان لزيادة عدد أعداءه والدخول في مواجهة مع 60 % من الشعب الذي يحارب علي أرضه.
علي مستوي الإستراتيجية فالرجل لايملك أي مشروع للمستقبل بعد الوصول إلي هدفه بطرد أمريكا من العراق بعكس حالة شخص كهوشي منه في فيتنام وكل مايملكه هو مشروع سلفي رجعي غير قابل للتحقيق علي أرض الواقع فإذا كان هدفه هو منع أمريكا من النصر وإحداث أكبر خسائر ممكنة بها فقد نجح ولكن بعد ذلك لن تجد سوي فراغ مطبق.
موت الزرقاوي لن يوقف حمام الدم بالعراق فالرجل زرع بذرته ومضي وقام بتأصيل العنف وجعله مؤسسيا وسيظل شبحه يخيم فوق العراق لسنوات طويلة قادمة