العزيز علي،

كون الأئمة من الصحابة والآل ممن ذكرت قد قتلوا وهم في معركة لإعلاء كلمة الله وإن كان الطرف المقابل مسلما، فإننا نحسبهم شهداء آخرة ولا نزكيهم على الله، وهو أعلم برتبهم، وقد يرفعهم عن رتبة الشهادة درجة وقد يعلم عنهم ما لا نعلم من فساد نية.

ما نعنيه من شهيد الدنيا، هو من يقتل في معركة صورتها إعلاء كلمة الله، ولو كان فاسقا في ذاته، ولو كان فاسد النية كقزمان، هذا الانسان لا نغسله ولا نكفنه، ولا نصلي عليه، وندفنه بثيابه.

أما الأئمة الكرام، ممن قتلوا ظلما وجورا من الناس، فهم جميعا يغسلوا ويكفنوا ويصلى عليهم، عثمان والحسين وابن الزبير يصلى عليهم صلاة جنازة، ويكفنوا، ويطيبوا، ويحضروا تحضير الموت. وقد تكون رتب شهادتهم عند المولى أكثر بكثير من أناس قتلوا في المعارك.

أما الفاسق أو المجرم الذي يقتله الكفار، ففي مقتله نظر، على أي حال قد قتل؟
هل قتل وهو يسرق منهم؟ هل قتل وهو يقطع الطريق عليهم؟ هل قتل وهو متلبس بالاعتداء عليهم؟

لا أجعل من حال الزرقاوي وهو يكفر فريق من المسلمين قبل أن يعرض دعوى كفرهم على محكمة شرعية ذات سلطان، ليثبت دعواه ويردوا عن أنفسهم، لعله هو الكافر؟ لا أجعل من حاله شرعيا.
لا أقبل منه أن يمارس وظيفة الإمام وهو ليس بإمام، لا على شرط السنة ولا على شرط الشيعة ولا على شرطه هو، وأهم من ذلك كله، ليس على شرط الإسلام.
لا أصوب فعله أبدا، إن كان فعلا يثبت له، باستهدافه المسلمين من الشيعة، وباستهدافه الآمنين من أهل الكتاب من جيراننا، ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه. ولو طال به الزمان، لقد رأيناه يستهدف سنة أيضا.

إلا أن ذلك كله لا علاقة له بقتاله للصائلين من الأمريكان، فهذا فريضة على كل قادر، حتى يخرج الأمريكان من أرضنا، طوعا أو كرها. لئلا نشهد المصائب المحضرة من استقرارهم.

بغض النظر عن موقف غيره من الناس الذين رأوا أنه لا يمكن مقاتلة أمريكا الآن فجنحوا إلى الموادعة، جنوح غيره إلى الموادعة لا يلزمه أبدا أن يوادع، سيما وأنت تعرف أخي العزيز أن أرض المسلمين واحدة، ولا عبرة بكونه أردنيا أو عراقيا حتى يباشر قتال أمريكا.

المعركة التي شنتها أمريكا على الرجل لتصفيته جسديا لها صورة أن أمريكا معتدية وهو يدافع عن نفسه، وقبل ذلك عن أرض العراق، وقد قتل في هذه المعركة، ولهذا فإن صورته هي صورة شهيد الدنيا.
لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ويدفن في ثيابه دون تجهيز.

قد يكون الرجل مجرما، إلا أنه لم يقتل في موضع الإجرام، ولا سبيل إلى حسم قضية إجرامه دون محاكمة، فأنت تعلم كما اعلم أن أمريكا ذات مكر شديد، والرجل مغفل في أحسن أحواله، ولا تبالي أمريكا أن تصنع المصيبة وتنسبها إليه، وهو قد يسر بهذه النسبة لغفلته، هو يريد أن يحقق مآرب في نفسه ليس بالغها إلا أن يشاء الله، وأمريكا تريد أن تشعل حربا أهلية طائفية في الشرق الأوسط تستمر فترة من الزمن حتى تعود لتعيد رسمه من جديد.

لو قتل الرجل في معركة مع الشيعة، لظننته في النار لقوله صلى الله عليه وآله وسلم القاتل والمقتول في النار.

أنا أيضا لا أجرؤ أن اقول عنه شهيد آخرة، ولا أن انزع هذه الصفة عنه، أولا لأن هذا فيه تألي على المولى عز وجل، ثم إني لا أعلم السرائر. وإن كنت أعلم أن الأفعال التي مارسها لا ترضي الله ورسوله باستثناء قتاله أمريكا.

اللهم أحسن خاتمتنا، وأصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، واجمعنا على الإمام العادل الذي وعدت، وأصلح ذات بيننا.