اقتباس:يا غريب الروح و الزمن أو تيه في ربى الوطن ؟
أنا و الأقدار تعصف بي بين مصلوب و مرتهن
لي عقل بات يطلبــه و ضميري سادن الوثن
محمد الحلواني ( بهجت ) 1970 .
العزيز نبيل .
مرحبا بك و ضيوفك .
فهمت من سؤالك أن المقصود هو نوادي الحوار عموما و نادي الفكر خاصة . حسنا سأكون مركزا و أتحدث بشكل ذاتي فليس الجميع سواء في موقفهم من تلك الظاهرة . بداية أقرر أن هناك آثار سلبية لأندية الحوار على العلاقات الاجتماعية بل و المهنية أحيانا ، فوقت الشبكة عادة يكون على حساب الوقت المخصص لتلك العلاقات . بل كثيرا ما يكون وقت الشبكة على حساب أوقات الراحة و النوم ، ولم يكن نادرا ان تمر أيام لا أحصل فيها سوى أربع ساعات من النوم يوميا بسبب حماسي لبعض الحوارات وكان هذا في الماضي و ليس الآن .
1. كثيرا ما انغمس في الحوارات ، فتمر ساعات طويلة ما بين التواجد على الشبكة و إعداد الردود و تجهيز الموضوعات ، و لكن هذه الحوارات بمثابة متعة يومية غير ضارة ، طالما أجد فيها بديلا عن سهرات المثقفين التي انفرط عقدها ،وكانت متعتي الأجمل في الحياة ، فالأفكار الكبيرة و ليس المشاعر الجامحة هي ما يهزني هزا من الأعماق و في لحظاتها القليلة أجد لذة الحياة وروعة أن تكون .
2. أصبحت مرتبطا فكريا و عاطفيا بعدد من الأصدقاء على الشبكة ، ومن الصعب أن أفترق عنهم هكذا بمجرد إغلاق الجهاز ، و هؤلاء الأصدقاء ثروة حقيقية وبالطبع أنت أحدهم ، و لهذا فإني أتراجع كلما فكرت في التوقف عن ارتياد النوادي ،و لا أدرى متى أتخذ مثل هذا القرار ؟ .
3. أما علاقة الشبكة بالثقافة الجادة فمتناقض ، فمن جانب تكون هذه الحوارات حافزا على البحث و الدراسة ،و من جانب آخر تستقطع وقت القراءة و قد تلغيها ،و لكني أعتقد أنها تؤثر سلبيا على الثقافة الجادة . و من الواقعي أن نعتبر الحوار على الشبكة هو نوع من الثرثرة أو التسلية و تباسط الأصدقاء أكثر منه حوارا أصيلا أو ثقافيا جادا . و أعتقد أن زملائنا الذين يتسلون بالحوار أكثر حكمة منا ، نحن الذين نشيل الدنيا على رؤوسنا و نصيح ( نزعق باللهجة المصرية ) !..
4. لا أنكر أن هناك فوائد هامة نجنيها من الحوارات الجادة وهي نادرة جدا ، ليس أقلها التعرف المباشر على الآخرين ، فقد يرى الليبرالي مثلا أن كل التيار الإسلامي كتلة واحدة متعصبة و العكس صحيح ،و لكن الحوار الذي ربما لا يؤدي إلى اتفاق سيؤدي على الأقل إلى تفهم ،و أيضا إلى شيوع روح الاعتدال و التعقل في الحياة العامة .
5. هناك فارق بين المحاور و الكاتب و هو الفارق بين سقراط و أفلاطون . فالمحاور مشغول أساسا بالأشخاص و لكن الكاتب يستغرق في الموضوع نفسه . المحاورة هي عبارات جذابة و لكن غير عميقة غالبا ، فلا وقت للتفكير و المقال يتوخى العمق لا الجاذبية ، خاصة في المقالات الشهرية او الأسبوعية .و الكاتب الجيد ليس بالضرورة محاورا جيدا ، فنجيب محفوظ كاتب عظيم و محاور متواضع ،و بيرم التونسى أمير الشعر العامي في مصر ، كانت محاوراته كلها حول سعر البقدونس و الفلفل الرومي ، وحتى في نادي الفكر هناك كتاب متألقون في صحفهم و لكنهم محاورون عاديون جدا ،و العكس أيضا صحيح .
6. إن الحوارات هي ترمومتر ثقافي للإنسان يستطيع خلالها تحديد مدى لياقته الذهنية و الثقافية ، وهذا يحدث تحديدا عند اختلافه مع محاورين جادين أقوياء و هذا نادر للغاية ، و لكنه يحدث أحيانا .