نحن ضد عملية التفاوض القائمة، ولا نزال ضدها أكثر من كل الذين يجعرون تجارة بها وبالممانعة المزعومة!
فلسطين في مخيلتنا، ليست صبابة نهيم بها كذبا أو صدقا، ولكنها ذكريات بذل فيها الإخوان المسلمون في سورية مع أشقائهم المصريين والعراقيين والأردنيين من دمائهم، وحرياتهم، وأموالهم، ومواقفهم، نصرة لأهلهم في فلسطين، ما لم يسبقهم إليه إلا الفلسطينيون أنفسهم...

نحن لا نقول بأننا في حالة حرب مع العدو بألسنتنا، بينما الواقع يشهد أن جبهتنا هي الأبرد بين جبهات المفاوضين والمفرطين!!

نحن لا نقول بأننا نحمل هم القضية، بينما سرايانا وجنودنا يستأصلون مقاوميها ويتآمرون على فصائلها ويحرشون بينهم هنا وهناك!!

نحن لا نستخدم القضية والفصائل لابتزاز موقف من شقيق، واقتناص حق من جار، وحماية للمفسدين العابثين من رجالاتنا المطاردين قضائيا بالقانون الدولي!

موقفنا من عملية التفاوض القائمة ليس موقفا من فكرة التفاوض، ذلك أننا نعتبر بأن التفاوض هو الظهير السياسي للمقاومة المسلحة المشروعة ضد الغزاة والمحتلين...

عملية التفاوض موجودة مع المعركة وبعدها، غير أنها لا تلغي خيار المقاومة المشروع....
وتفاوضنا ليس تكتيكا سياسيا نتوارى به عن أعين الجماهير في منتجعات أوسلو وجنيف وكمب ديفيد!
مبادئنا وثوابتنا وحقوقنا الكاملة حاضرة في تفاوضنا، كما هي حاضرة في مقاومتنا...
ولا نشعر بأي غربة عن ديننا ونحن نطرح هذه الرؤى، بعيدا عن أوهام المتوهمين...

تفاوض خير الخلق في مكة يوم أن كان مستضعفا مهيض الجناح، فساوم أعداءه وساوموه، حتى قالوا له: (نعبد إلهك شهرا وتعبد إلهنا شهرا) فلما رأى أن الأمر تعدى دائرة التفاوض، إلى دائرة المس بالثوابت، صدع بهم بحقيقة موضوعية صارمة: (لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد)
تفاوض مع خصومه بالقرب من مكة بعد هذا بعقد ونيف، وكان له حينها دولة وسلطان وقوة، فساوم أعداءه وساوموه، وقبل منهم وبدل، فما والله ما سمى ذلك ربنا دنية في الدين كما توهمه عدد من الأصحاب رضوان الله عليهم، بل نزلت في ذلك الصلح وذلك التفاوض السلمي آيات ربنا: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)...

حين نرفض ما يجري عبر عمليات (التسوية) المطروحة دوليا وعربيا، إنما نرفض فلسفة التفاوض لا أصل فكرته...
بيع من لا يملك لمن لا يستحق، بثمن بخس، وشروط مخزية، محض ظلم وإخسار وتطفيف!
وكل ما يترتب على الظلم فهو ظالم، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يسموه سلاما، فما هو إلا محض خنوع واستسلام...

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54
فتعالوا نحتكم إلى القرآن لنرى حقيقة ما يتوهمه بعض بني جلدتنا!
في القرآن آيات صريحات برفض الدعوة للسلم: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }محمد35
وفيه آيات صريحات تأمر بقبول السلم مع ما يجنح إليه: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}الأنفال61، {وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً }النساء90.
وهذا يعني أن الموقف الديني من عملية السلام ليس مطلقا، بل حركيا تبعا لحال العدو، فإن أعلن العدو عن رغبته بوقف المعركة وإعادة الحقوق، وجنح للسلم، فمرحبا بالسلام، وإن أراد أن يفرض شروطا تعجيزية للتركيع وبيع الحقوق، فلا مهانة ولا استسلام، ونحن الأعلى بما نملكه من حق، ولن يترنا الله أعمالنا...
هذا ما نفهمه من عملية السلام، نخاطب فيه ضمير العالم بشفافية ما يلوثها نفاق ولا متاجرات ولا مصالح ضيقة...
وفي وارد التفاوض نتوسع قليلا، فلا نرى غضاضة من اللقاء بالعدو على أساس من إيماننا بثوابتنا، واستشعارنا لأمانة الأمة والوطن، واحترامنا للحقوق...
وحين نلقى عدونا فلا نساومه فيما لا نملك، ولا نعطيه ما لايستحق، بل نجالده ونجادله حتى ننال كل حقوقنا المشروعة ولو بالتدريج، وهذا يعني أنه لا اعتراف ولا قبول بسياسة الأمر الواقع، وأن حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم، غير أننا لا نتشنج حيال المبدا التفاوضي الحكيم: (خذ وطالب).
بقي أن أضيف بأن ما طرحه الأستاذ البيانوني ليس جديدا في طرح جماعتنا، كما لم يكن جديدا في سيرة قدوتنا صلى الله عليه وآله وسلم، ففي البرنامج العملي لمشروع سورية المستقبل، دعا الإخوان المسلمون في سورية إلى (إتباع السياسات التالية تجاه القضية الفلسطينية:
1- إعادة القضية إلى بعدها العربي والإسلامي.....
أ‌- دعم الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال الصهيوني على كافة المستويات، وفي كل المجالات، والإيمان بأنها مقاومة مشروعة، توجبها الأديان السماوية، والشرائع الأرضية، ورفض وجهة نظر الصهاينة التي تساوي بين مقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة، وبين الإرهاب وإحباط جهودهم لفرض وجهة نظرهم هذه على العالم.
2- دعم حق الشعب الفلسطيني المشتت في عودته لأرضه.
3- التخلي عن الوهم الشائع بأن المفاوضات في ظل هذه الموازين المختلة هو الخيار الاستراتيجي الوحيد أمام الفلسطينيين للحصول على حقوقهم، إذ لابد من الاحتفاظ بخيار المقاومة باعتبارها الخيار الأساسي في مواجهة الاحتلال.
4- إطلاق جميع الخيارات لتحرير الجولان وكافة الأراضي المحتلة.
5- ........) انتهى الاقتباس.
وبودي أن تتأمل أخي، وتعيد النظر في العبارات التالية:
(المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي الوحيد وهم شائع) وهذا يعني أن المفاوضات خيار، ولكنه ليس وحيدا...
(لابد من الاحتفاظ بخيار المقاومة)، وهذا يعني أن هذا الخيار يحافظ عليه بإزاء خيارات أخرى لعل منها في بعض المراحل، خيار التفاوض العادل والشامل والمحمي دوليا.
(إطلاق جميع الخيارات لتحرير الأراضي المحتلة) يعني خيارات المقاومة والتفاوض وغيرها بلا تفريط ولا تهور..

أما ما يطرحه الأخ حسان من فكرة الحزب السياسي الإسلامي فهو في مورد الاجتهاد، ولا نرفضه من حيث المبدأ، كما أننا لا نرفض من حيث المبدأ أن ينضوي في جماعتنا كل من يقبل الإخلاص لمبادئها أيا كانت وجهته وملته وقوميته..
واسلموا لود واحترام(f)