قرار حبس غير مستغرب ، فظاهرة الصحف المستقلة هي ظاهرة شاذة ولا تتسق مع بقية المشهد السياسي المصري ، فليست عندنا احزاب قوية ولا مجموعات مصالح يتوازن القرار السياسي بما يتوائم معها ولا شفافية كافية تظهر مصلحة العامة قبل اي شئ ، ولاحتي انتخابات حرة بمافيه الكفاية.
حبس ابراهيم عيسي ينسجم مع جو الفساد الذي يحتكر فيه احمد عز 60 % من سوق حديد مصر دون ان يستطيع احد ان يقول له انت حرامي ، وتلميع صحافي لجمال مبارك ليس الا لانه ابن الرئيس (كما صرح هو بنفسه) دون حياء من اي شئ ، و ملاحقة الشرفاء مثل يحي حسين ( مدير بنزايون الذي قام بالابلاغ عن احدي قضايا الفساد المرتبط بالخصخصة ) والبسطاويسي ( قاضِ قام بالتصريح بما شاب الانتخابات الاخيرة من تزوير) ، ووائل الابراشي ، مروراً بالمئات من المتظاهرين الذين اختطفوا من الشوارع بالتهمة اياها ( اهانة الذات العليا لرئيس الجمهورية).
وجريدة الدستور هي لحن نشاز وسط هذا كله ، ففيها خالد السرجاني الذي لا يترك كبيرة ولا صغيرة في الوسط الصحفي الا احصاها ، فصرنا نقرأ نقداً واضحاً وصلباً لاسلوب الميوعة الصحفية الذي تدار به مؤسسات الصحف القومية ، و قام بالتصدي لاسلوب تأليه مبارك بتهنئته في عيد ميلاده او ملاحقة اخباره هو والسيده حرمه حتي ان لم ترق هذه الاخبار لاهتمام العامة .
وجريدة الدستور فيها بلال فضل الذي يقول الكلمة فتزلزل الارض زلزالها و تخرج المعاني اثقالها ، ويقوم باحراج "الموالسين" وهو لفظ قام باطلاقه علي المنافقين ، فانتشر بين المصريين انتشار كبيراً . وصارت نكاته التي يطالعنا بها كل اسبوع تنتشر كرسائل موبايل وهذا النجاح دفع روز اليوسف (وهي صحيفة قومية تابعة للحرس الجديد ) ان تقوم بتخصيص مساحة يومية من صحيفتها ليس فيها الا صورة بلال و تحتها كلمة : مطلوب للحساب الاخلاقي بتهمة اتهاك التقاليد المصرية .
كما يكتب بها العديد من الكتاب المرموقين مثل احمد فؤاد نجم ، ابراهيم سعد الدين ، نبيل عبد الفتاح وغيرهم من ممثلي اليمين واليسار و الاخوان في مشهد نادر من مشاهد التلاحم الوطني ضد الفساد والتعفن.
غبي هو هذا القرار، اذ سيتحول ابراهيم عيسي من كاتب صحفي مثير للشفقة لانه يصرخ علي صفحات الجريدة كل اسبوع دون اي اهتمام رسمي بالرد عليه او حتي باسكاته ، سيحوله الي "محارب حرية freedom fighter " ويخلق المزيد من الاهتمام به ربما اهتماما دولياً هذه المرة.