لكل منهما ميزاته التي لا يمكن للآخر حيازتها أبداً.

فكما تفضل العلماني، لايمكن لنصري أن يطول مقدرة الصافي بالتلاعب بصوته والتحكم بعُرَبِه كما يقول الموسيقيون. تلك الموهبة الفذة عند الصافي في امتداد صوته لن يجود بها الزمان على رجل آخر لأجيال ربما. وتحكمه بصوته مقدرة فريدة لم يكم ممكنا لنصري شمس الدين امتلاكها.

وبالمقابل، فصوت نصري، كما تفضل باسل خامة متميزة. ويجب ألا ننسى موضوعاً هاما هو استقلال وديع الصافي وخضوع نصري شمس الدين كلية للأوامر الرحبانية. استعان الرحابنة بوديع، لكنهم استعبدوا نصري الذي حاول أواخر أيامه أن يستقل عبر ألحان ملحم بركات ( الطربوش - شارقات المحيا .. )، ولكن المنية فاجأته قبل أن يتم هذا الاستقلال.

لكن الرحابنة، وهم عباقرة في مجال توظيف الصوت، أعطوا لنصري ما لم يكن ممكناً لغيرهم أن يعطوه من حق! لا يمكن لي وصف أدواره في مسرحياتهم بالقدر الذي يوفيها حقها، لكن يمكنني أن أقول أن الدور الذي لعبه نصري بصوته في مسرحيات الرحابنة يستحيل أن يلعبه الصافي مهما علا شأن صوته، فالخامة هنا هي الأساس وليس المقدرة فقط. صحيح أنه يمكن لوديع الصافي أن يؤدي موال: (كيفون حبايبنا) بشكل ينسينا نصري شمس الدين، ولكن يستحيل على الصافي أن يقنعنا بصوته في أي دور غنائي مسرحي كان لنصري.

ما يلي، أمور تقنية، ومواقف شخصية قد لا تدخل ضمن التقييمات التي تريدونها لكنني سأسجلها لفشة الخلق فقط.

أمر سيء فنياً عند الصافي هو ما يسمى بلغة التقنية الـ Lipsing. ونصري يتفوق عليه تماما هنا. لذلك فشل الصافي في إقناع متفرجي التلفزيون مثلاً أنه يغني حقاً في "قصيدة حب" مثلاً لأنه "تفشكل" جداً في تحريك شفتيه مع ما غناه سابقاً في الاستديو، بينما كانت فيروز ونصري يبديان تطابقاً رائعاً. وليس هنا فقط، ففي التلفزيون السوري أغنية مسجلة لوديع هي بهدلة البهادل في هذا المجال لأن وديع لم يتمكن من تطابق شفتيه مع غنائه حتى مع الإعادات الكثيرة. وهذا سبب هام في ابتعاد وديع الصافي عن كل ما هو مصور وقلة أعماله المصورة.

لا أدري لماذا تؤثر فيّ شخصية الفنان قبل مقدرته! المهم، مواقف لوديع جعلتني أنفر منه شخصياً بدون نكران مقدرته التي لا يلامسها نصري. هذه المواقف تجلت في أواخر أيامه ابتداءاً من حفلة كندا 1983. في هذه الحفلة حكمت عليه بالخرف أو على الأقل بجنون العظمة عندما "سلخ" الحضور "بهدلة من كعب الدست". وشيئاً فشيئاً، ومع الخفوت الطبيعي للصوت مع التقدم في السن لم يقتنع الصافي بذلك، واستمر في الضحك على ذقون جمهوره عنما يحرك شفتيه بينما ولده يغني عوضاً عنه :D.

الموقف الأخير الذي نفرت من الصافي نهائياً كان قاسياً :
العلم لا ينحني، فعندما تقول لبنان فأنت تعني به بعض رموزه التي لا يمحيها الزمن: الأرز، فيروز ... وليس صوت وديع الصافي بعيدا عن هذا المجال فصوته أيضاً يعبر لبنان بالطول والعرض صارخاً أنه هو لبنان.

رمز كهذا عندما يستقبله التلفزيون المصري ويسأله فيما يساله عن: (أمنيته في الحياة) فبماذا يجيب هذا العملاق اللبناني؟ أجاب أن أمله في الحياة هو الحصول على الجنسية المصرية ... :?:
بلغ هذا أسماع مبارك فوهبه الجنسية الفخرية، أي أنه لا يستطيع توريثها لأبنائه، ولا يحق له الانتخاب.
وبغض النظر عن نوع الجنسية، فطلب كهذا "سمّ لي بدني"، ليس إنقاصاً من قيمة الجنسية المصرية ولكن الصدمة كانت فظيعة! فها هو عبدالله رويشد يملأ سماء القاهرة شدوا بلا جنسية، والوسوف أيضاً وغيرهما. وحجة الصافي غير مقبولة نهائيا في هذا التسول.

قد يكون من العدل أن استشهد نصري قبل أن يبلغ مرحلة كهذه.
وللعلم، نصري شمس الدين مات شهيد الغناء على أحد مسارح دمشق.

أخيراً، همسة عتاب للعزيز باسل: ما الذي يفعله موضوعك هذا في الاجتماعية؟ :saint:

:redrose: