اقتباس: العلماني كتب
"المثال الماركسي" معاكس تماماً لهذا، فالماركسيون يسعون إلى تحقيق "العدالة الاجتماعية" عبر "المستقبل". وهم يؤمنون ببلوغ "المرحلة الشيوعية" في "آخر المطاف" وفي "المستقبل البعيد".
وماذا عن المشاعية الأولى التي أقصاها الإقطاع كما زعموا؟ أوليس مثالا ماضويا لمن تسميهم بالتقدميين؟!
إننا على العكس من اشتراكيي الستينيات وليبراليي اليوم، نحن نؤمن بالتطور المستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها...
ليس عندنا شيئ اسمه نهاية التاريخ، ولا ختام الصراع الديالكتيكي...
سنة التدافع ماضية مستمرة
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض
لكننا نفهم التطور بغير فهم بعض المؤدلجين أصحاب المطلقات والنهايات والصراع الحضاري!
من قال علينا أن نجمد أبدا أو نتحول أبدا
نعم التطور سنة الحياة، وسنة الشرائع، لذلك يبعث الله للأمة على رأس كل قرن من صناع الحياة والمفكرين والدعاة والفقهاء والكادحين والمناضلين من يجددون لها أمر دينها ودنياها..
غير أنه إن كان ثمة متحول في الحياة فهل يقتضي ذلك أن يتحول كل شيئ؟!
ثمة ثابت في القيم والأفكار والمبادئ والأخلاق والعقائد والشرائع والعادات، وثمة متغير...
كثير مما يحيط بالإنسان قد تغير بالفعل، مأكله، وملبسه، ومسكنه، ومركبه، وآلاته، وسلاحه، كما تغيرت معرفته للطبيعة، وإمكاناته لتسخيرها..
ولكن الواقع أن الإنسان في جوهره وحقيقته بقي هو الإنسان، منذ عهد أبي البشر آدم إلى اليوم، لم تتبدل فطرته، ولم تتغير دوافعه الأصلية، ولم تبطل حاجاته الأساسية، التي كانت مكفولة له في الجنة، وأصبح عليه بعد هبوطه منها أن يسعى لإشباعها، وهي التي أشار إليها القرآن في قصة آدم: (أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)،
سيظل إنسان القرن الحادي والعشرين ـ وإن صعد إلى القمر، أو ارتقى إلى المريخ ـ، كما كان أسلافه، محتاجا إلى العقيدة التي تعرفه بسر وجوده، وإلى العبادات التي تغذي روحه وتصله بربه، وإلى الأخلاق والفضائل التي تزكي نفسه وتقوم سلوكه، وإلى الشرائع التي تقيم الموازين القسط بينه وبين غيره..
سيظل في حاجة إلى تحريم الربا، وتحريم الخمر والميسر، وتحريم الزنى والشذوذ، وتحريم السرقة والرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل، وتحريم الظلم بكل صوره وأنواعه.لا أعتقد ان شيئا من ذلكم الشرائع القطعية يمكن أن يطاله التبديل لمجرد أننا نعيش في عصر جديد!
لا أعتقد بحال أن سنن الكون والحياة والإنسان، كما تعاليم الرحيم الرحمن تخضع جميعا لسنة التغيير بالمطلق، ولا سنة الثبات كذلك، بل في الشريعة والحياة والإنسان مرونة وثبات، فالثيات فيها جميعا للجوهر، بينما يطرأ التغيير على العرض، وإذا كان من الفلاسفة في القديم، من قال بمبدأ الصيرورة والتغير، باعتباره القانون الأزلي، الذي يسود الكون كله، فإن فيهم من نادى بعكس ذلك، واعتبر الثبات هو الأساس، والأصل الكلي العام للكون كله.
والحق أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعملان معا، في الكون والحياة، كما هو مشاهد وملموس.
فلا عجب أن تأتي شريعة الإسلام ملائمة لفطرة الإنسان وفطرة الوجود، جامعة بين عنصر الثبات وعنصر المرونة.
نعم مثالنا هو الإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن قدوتنا به هي قدوة بإنسانيته الثابتة لا بمأكله ومشربه وملبسه وشكليات حياته كما يفعل بعض الظاهريين...
من يستطع منكم أن يستقل عن سنة الحياة الأزلية في مقومات حياته من تنفس وطعام وشراب وحركة وتفكير، فليحلق في أوهامه ما يشاء، وإن تكن هذه ماضوية لأنها تجمع آخر إنسان بسنة أول إنسان على الأرض آدم أبو البشر، فليكت تقدميا كما يحلو له!
غير أنه من العار على من يزعم التقدمية البحبشة في تراث الماضويين عن كل آثار الحشاشين والقرامطة والصعاليك والزنج لينصر نظرية متطرفة تشجع على ما تسميه بديكتاتورية البروليتاريا!!
لماذا يبقى هذا الاستنساخ خارج دائرة الماضوية؟!
لماذا الهيام وراء الميثيولوجيا وعالم الأساطير هروبا من حقائق الأديان تقدمية؟!
لماذا التعلق بنموذج أبي ذر رضي الله عنه بالصورة المدبلجة التي اصطنعها اليسار العربي ليس ماضوية
أولسنا نتطلع للأمام، فليكن، ونحن معكم بل نسبقكم
غايتنا هي الدار الآخرة،وهي دار مستقبلية لم تأت بعد:saint:
ثم ألسنا ونحن داخل القرن الحادي والعشرين بالفعل لأفكار آخرين غير إنجلز وماركس وفولتير، فالتعلق بهؤلاء مع كل الاحترام ماضوية ورجعية، لأن العالم تقدم في العقود الأخيرة بتسارع لم يكن يحققه في قرون، وحري بمن لا يزال يفكر من خلال منطق الستينيات الذي تحرر العالم منه أن يغير مواقفه بله مفردات خطابه!
واسلموا لود واحترام(f)