من خلال قراءتي لبعض ملفك (طريق النهضة) تبدا لي أنك قريب فكريا من اتجاه حزب التحرير الإسلامي، فهل الأمر كذلك بالفعل؟

أنا أحتفظ بمسافة واحدة من البعد أو القرب من شتى المذاهب والجماعات الإسلامية، حتى بما في ذلك الخوارج، ما لم يتلغوا حدا من التطرف أن يخرجوا أنفسهم من القبلة.
وإن كنت أسعى لأكون أصوليا، وهنا تعود على أصول الفقه لا غيرها.

هنا اسمح لي أن أتنف ريشة منك، لم يرى الإخوان المسلمون حزب التحرير وراء كل زاوية؟ ما سر الولع الغريب بينكما؟

أيا ما يكون فقد لحظت أيضا أنك تعتبر بأن الخلافة الإسلامية شكل الدولة الإسلامية الوحيد، فهل تعتبر أن شكل الخلافة شكل محدد، وبالمقياس الذي أخرجت فيه السعودية والسودان وإيران دعني أسألك مستعلما لا مستنكرا: أين نص القرآن على أن نظام الحكم خلافة؟

نظرا لكوني مهتم بالأصول، ولأن اصولنا كما تشتمل على القرآن فهي مشتملة على السنة، ولأنك تقر كما أقر أن الله ما ترك أمرا هملا، وقد علمنا كيف نستنجي ونستجمر، فكيف لا يعلمنا كيف نحكم؟
أما إن الرسول صلى الله عليه وىله وسلم قد صرح لفظا فاسم نظام الحكم، ومارسه عمليا، وطبقه الصحابة بعده على إجماع منهم بشكل واضح ودستوري ومحدد، استدعى منهم الخروج على يزيد حين افسده.
الخلافة ليست بيت عتابا يا عزيزي، وليست حكرا على جماعة إسلامية تعيش في القرن العشرين أو الواحد والعشرين، بل هي مصطلح شرعي سماه محمد، وفصل فيه الصحابة، وهي حمل الكافة على مقتضى الشرع، وله شكل وهيئة، قواعد واركان، كالصلاة سواء بسواء، ولئن عجلت ذكرتها لك هنا، ولئن صبرت فصلتها قريبا في مكان آخر لاحقا.

النهضة ليست عالمانية ولا إسلامية كما فهمت من بعض مداخلاتك، فما تكون؟!

النهضة عالمانية تكون، وإسلامية أيضا، بل وشيوعية أو اشتراكية كذلك، النهضة أساسا هي جعل قاعدة فكرية موحدة عند المجتمع، هذه القاعدة تجعل سلوكا متناغما بين الناس يؤدي إلى ظهور الناحية الإنسانية في العمران والتمدن والحضارة منهم.
الناس منفردين على كل رقيهم الفردي هم كالنور، يضيء ويكشف إلى أنه لا يعمل ما نريد، فإن وحدنا أطوال موجاته وناغمناها، صنعنا الليزر وما أدراك ما الليزر.
حين تكون العالمانية الديمقراطية هي أساس المجتمع، عندها تتناغم حركات الناس في المجتمع ضمن العالمانية، ويتشكل مزاجهم العام ومعالجتهم للحياة ومشاكلها ضمنها، حينها تجد نهضة عالمانية، كالتي صارت في أوربا الغربية وأمريكا.
والحال ينطبق على الإسلام أيضا، بل وأي فكر أساسي له نظرة خاصة عن الحياة والكون والإنسان، ويصلح لبناء الأفكار الفرعية عليه، وإرجاع الأفكار والسلوك إليه.

دولنا ليست إسلامية، ومجتمعاتنا كذلك -بحسب بعض مشاركاتك- وإن كان أفرادها مسلمون، فهل ترى أن الشريعة تتنزل على مجتمعات أو دول لا تدين بها؟

دولنا ليست إسلامية لأن الدولة الإسلامية ليست حزيرة يا إسماعيل، وليست صفة فخرية نخلعها على من نحب، هو وصف شرعي منضبط من وسعه أن يلبسه سميناه به، ومن ضاق به أو عليه نزعنا الإسم منه. ولا يعني ذلك أن رأس الدولة أو موظفيها مسلمين أو غير ذلك، ولا يعني ذلك أن الناس قد كفرت بالله العظيم، حيث أنه ينبغي لنا أن نفصل الشخصية المعنوية الاعتبارية للدولة والشخصية الفردية لموظفيها.
الشريعة لا تنزل، بل نزلت منذ زمن بعيد، وهي تطبق إن رغب الناس بتطبيقها، وقد يرغبون بذلك ولا يسعون له، وقد يسعون ويحجر عليهم، وقد يسيؤوا فهمها.

فلسطيني، ولكن فلسطين غير حاضرة في أكثر ما تكتبه! لدرجة أنني ما عرفت فلسطينيتك إلا في هذا اللقاء، ولم أعرف حتى الساعة من أي رياض جنة فلسطين أنت..
إن صح ظني، فما السر؟ أهو الإحباط؟ أم الهروب من الأسى صيانة لجذوة الأمل؟ أم أشغلتك هود وأخواتها؟

فتش عن المزيد عزيزي، هي حاضرة بشدة، إلا أنني أضن بها أن يتسلم مسؤوليتها غيري إبان ضعفي وقلة حيلتي وهواني على الناس، ولا أوكل حقي الشخصي بها لأحد لا من العرب ولا من غيرهم.
يقولون هي قضية وطنية عربية إسلامية إنسانية، إلا أنها بالنسية لي هي قضية شخصية إسلامية إنسانية.
قلت شخصية، لأن لي فيها حق شخصي ورثته، لا أوكل فيه أحد، ولا أقبل فيه وساطة أحد، إن قدرت في حياتي على أخذه أخذته دون إذن أحد، وإلا أورثته لولدي من بعدي.
لم أقل وطنية، لأني لا أريد من شاركني ترابا ما وخالفني التفكير أن يوكل نفسه عني دون حق، ويتنازل باسمي وأنا رافض، وقد حصل هذا، وما صنيع منظمة التحرير التي نصبت نفسها ناطقا رسميا لي دون إضن مني إلا منتهى الوطنية.
لم أقل قومية، لأن قومي ظلمني منهم الكثير، واستغل ظالمهم ظلم اليهود لي ليظلم بحجتي قومه وقومي، فأردنا نزع حجة الاستبداد الأولى.
قلت إسلامية، لأن الإسلام رغم معارضة الكثيرين له أمر واضح ومحدد بنصوص لا يستطيع التلاعب عليها علماء السلاطين، ولا يبطل أمرها جهل المسلمين، ونصوصه لها العزة، وهي تحفظ الحق وتحفظ حقي.
وقلت إنسانية، لأن القضية تمس الإنسان من حيث هو إنسان، وهي سابقة، صحيح سبقت في التاريخ أن يباد شعب ويحل محله شعب آخر، إلا أن الناس هنا رفضوا الإبادة وبقوا أحياء، ماديا ومعنويا. لم يذوبوا، ولم يصيروا فسحة سياح، ولم يصيروا أوراقا في كتاب التاريخ.

وأنا من مشردي عام 1948، من ريف بيسان.

ونصرنا في فلسطين هو نصر للهنود الحمر وشعوب السلت وشعوب أستراليا الأصليين، وزنوج أفريقيا،..........

وتقبل تحياتي الحارة