أخيرا وجدت مكان مجلتي بعد أن تاه بعد غياب طويل
وحرب قاسية

تذكرت فيلم البوسطة اللبناني إنتاج هذه السنة
وبطل القصة الذي يعود للبنان بعد أن هرب من حربها التي لا أذكر شيئا عنها ولا أتخيل أن ماكان يحصل وقتها قد وصل لنا بنفس الطريقة التي تصل لنا الأخبار الآن

لعل ذلك الزمن كان أخف وطأة
ولعل هذا الزمن صاخب سريع الحركة

لعل الأشياء تدور مع دوران الأرض لكن الأرض ككتلة واحدة هي نفسها تعيش تكرارا روتينيا مملا
لاتبديل ولا تغيير سوى جزئي لايكاد يشعر به
وحقيقة أنه مهما حدثت ولادات ومهما ماتت حيوات فإن هذه الكتلة تبقى صبية........ وتزداد صبىً كلما دارت دورة بعد أخرى

هي تعيش والبكتيريا على ظهرها تتقاتل وتفقد حيواتها
تتصارع وتفرز سوائلا تدخل أعماقها فتمنحها شبابا ورونقا وبعض الفيتامينات
هكذا لعبت البكتيريا الإنسانية دورها في إبقاء الأرض على حالها تدور وتدور بنفس المدار وحول نفس المحور وبانتظام يُحدث فوضى داخلية وصمت خارجي

إن الإمر هو هكذا
كيف يمكننا أن نرى الحرب

قد قال أبو مازن البارحة جملة توقفت عندها وسرحت كعادتي في "السرحان" لأحلام وربما أفكار أو كوابيس... تأخذني لأمر ثم أمر وتتراكم ثم فجأة تنقطع لكسر روتين الصوت ....... أو الرؤية
المهم
قال أبو مازن أن الحرب هي نتيجة غياب السلم

ابتسمت....... كنت أقود السيارة عائدة من العمل لأرتاح على سريري البعيد عن الحرب الدائرة في مكان قريب من أحبائي...
ثم ضحكت...... وتمعنت بما قاله
وصفقت
وقلت في نفسي...... "برافو أبو مازن........ استنتاج فطحلي"
كيف يمكن أن نعرف من بدأ أولا
الحرب أم غياب السلم
أي........ من هو السبب
هل إن غياب السلم فعلا هو سبب الحرب؟
أو أن الحرب هي سبب غياب السلم
:what:
يعني بالعامية... مين إيجا أول الدجاجة أو البيضة
لا الأمر ليس هكذا
الأمر هو كيف أن كل شخص في هذا العالم هو بحد ذاته كتلة من المعلومات والأفكار وطريقة العيش....... وعلى هذا الأساس يمكن أن تختلف الآراء بالقول أن الحرب هي نتيجة غياب السلم أو أن السلم هو نتيجة غياب الحرب
بالنسبة لدينا الحمصية فإن سألتها من أتى أولا
تجيب الحمصية أن البيضة هي التي أتت أولا
بل تستفيض وتقول أن غياب السلم بالتأكيد هو نتيجة الحرب
بطريقة أخرى إن السلم هو نتيجة غياب الحرب
(وليس أن الحرب هي نتيجة لغياب السلم)
لأن الحمصية لاتؤمن بالحرب
فالحمصية تعتقد أن على البشر أجمعين أن يحاربوا الحرب
بل إنها تظن أن كلمة يحارب يجب أن تختفي من هذه الأرض...... وأن لايحاربوا الحرب بل يعملوا على أن لاتتهيأ الأسباب لهذه الحرب
وأن السلم كلمة غير موجودة بل أوجدت لأنه هناك حرب
فكما أن البرد غير موجود فعلا بل هو غياب الحرارة
كذلك السلم غير موجود بل هو غياب الحرب

لكن إن سألت أبو مازن
أو سألت حسن نصرالله أو حركة طالبان
أو المقاومة الفلسطينية......
فإنهم بالتأكيد سيقولون بأن الحرب هي نتيجة غياب السلم
أي أن الحرب هي الموجود أصلا ..... والسلم ملايجب أن يكون
هكذا توضح لي فكر أبو مازن
رغم أن الرجل ... يختلف في عقليته عن عقلية من ذكرتهم معه
لكن الأمر في الدم
متوارث
نظن منذ صغرنا أننا أتينا للحياة لنحاربها
وليس لنعيشها
نقاوم فيها كل شيء
نستميت لنحصل على أبسط الأمور
نشقى لنتعلم........
ونبقى نحارب إلى أن نقترب من القبر ... القريب أصلا
فقد أثبتت الدراسات أن متوسط عمر الفرد في الدول النامية وبالأخص العربية لايتجاوز الستين سنة
يعني عز الشباب ياعيني
نقترب من هذه السن ونموت........ فنجد بعد مراجعة الحياة أنها كانت كلها حرب شرسة
في كل شيء.........

يعني إن لم تميتنا الحرب الفعلية
تميتنا الحرب الحياتية
فنموت شبابا
دون أن نستطيع أن نحقق أحلامنا البسيطة
بل إن أحلامنا البسيطة أصلا سبق ووضعت لنا من قبل من سبقونا
والذين وضعوها أصلا بحسب الظروف
فتجد أنك تحلم بأن تصبح طبيبا أو مهندسا ناجحا متزوج وعندك أولاد
وإن رجعت قليلا في تساؤلاتك وجربت أن تحفر في حياتك الماضية فتجد أنك فعليا لم ترد أن تصبح طبيبا أو مهندسا ولا أن تتزوج وتحصل على أولاد يمرون بنفس الحرب التي عليك أن تمر بها
بل تجد أن حقيقة أردت أن تصبح سائحا مسافرا ... رحالة في بقاع الأرض
لأنك تظن أن الأرض هذه إنما لكل البكتيريا الإنسانية التي تعيش عليها
وليست حكرا على ناس وحظرا على آخرين
بل إن تكتشف أنك لست بقادر على أن تزور بلدا ما رغم شغفك بالرقص حول تماثيله التاريخية كما فعل الرسامين والفنانين والأدباء وربما العلماء من قبلك
بل تعرف يومها نفسك وأنك لم تكن سوى مؤامرة لكي يفوز أهلك في هذه الحرب ضد الحياة......
وإنهم هم أنفسهم نتيجة حرب لأهلهم وهكذا
فتتسائل أنت وذواتك ونفسك معا........ أين أنا وماذا أفعل
وتبدأ بالتفكير بكل الأشياء وكيف بدأت وأين ولماذا
وتحاول أن تبحث عن المسبب لوضعك الحالي الشقي
فتضع اللوم على أهلك الذين أنجبوك في مكان ما
ثم تفكر أنه لاذنب لهم بل هو الله الذي وضعك عند هؤلاء الأهل ووضع غيرك عند أهل غيرهم
ثم تفكر أن الأمر ليس هكذا ولايمكن أخذ الأشياء بتفصيل كل شيء منها لأصغر منه...
بل عليك أن تأخذ الأمر ككل ........ ككتلة
فتستنتج بعد هذا أن الأمر ليس بداية وأن البداية تؤدي للنهاية
وأن الحياة والأشياء ليست نهاية والنهاية تحتاج لبداية لتوجد...
بل إن الأمر أكبر من أن يعرف سببه

أصدقائي
أنا شخصيا لم أعد أعرف كيف تحدث الأشياء
لكني متأكدة أن لاالحرب هي سبب غياب السلم
ولا السلم هو سبب غياب الحرب
ولا العكس لهاتين الجملتين
بل إنه كل هذا فوق وربما أكثر

ولكي نسهل الأمر
دعونا نقول أن السبب هو ............ الوطن

وعلى قولة مرسيل خليفة
إني اخترتك ياوطني حبا وطواعية
.............. وسرا وعلانية

الحمصية في أربعاء دام