الأخ المحترم كامل،

تحياتي الطيبة أولا شاكرا لك حسن تواصلك.

أستلم نقد متنوع لكتاباتي من الأصدقاء والأعدقاء على حد السواء. فهي أحيانا ديبلوماسية وأحيانا حادة، وأحيانا مترفعة ومتكبرة أو حتى عاطفية وفارغة. والحقيقة هي أنني لا أكتب لاكتساب الشعبية بالرغم من تقديري للزملاء الذين يشاركونني الحوار. أنا أكتب للتعبير عن نفسي بهدف التسلية غالبا وربما الثقافة أحيانا - ثقافتي أولا – فلا صانع للثقافة والآراء خير من وضعها موضع النقد والتحدي.

ما اقصد قوله في هذه الديباجة الطويلة أنني لم أتعمد أن أكون حادا في ردي عليك واعتذر مسبقا إذا تسبب ذلك بأي شعور لديك بالإساءة. أحاول جاهدا مراعاة شعور من أحاورهم ولكن مشاعري أحيانا تتدفق من خلال الكلمات. هي ليست مشاعر حادة تجاه الزميل الذي لم أقابله قط في حياتي، هي مشاعر تجاه الموضوع.

مسألة علاقة حزب الله بإيران مسألة قيل فيها الكثير وسيقال فيها الكثير ذلك لأنها تقع في قاعدة حملة البروباغاندا التي تمارسها أسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تجاهه. المصدر الأساسي لهذه الإتهامات نعرفها جيدا وهي الصراع من أجل تحرير جنوب لبنان عندما أرادت إسرائيل أن تبرر عمالة جيش لبنان الجنوبي فقالت أن حزب الله هو حزب إيراني ويمثل الإحتلال السوري والإيراني للبنان. وحتى الآن، ما يزال الفرقاء مختلفون في التهمة التي يرمون بها حزب الله، فساعة هو حزب إيراني وساعة هو عميل لإيران وساعة هو عميل لسوريا وساعة هو، وفقا لصاحب هذا الشريط، عميل لإسرائيل :).

لا يمكن لأحد أن ينفي علاقة حزب الله بإيران، ولا حتى حزب الله ذاته ينفيها. لكن ما هو مرفوض هو الحجج التي تطرحها إسرائيل وأمريكا لتبرر بواسطتها تدمير لبنان. هذه الحجج التي يرددها بعض اللبنانيين، كأمين الجميل، خدمة لأهداف مشبوهة. وبعضهم الناس يرددها كالببغاء. وهذا أيضا هو حال الليبراليين العرب. في كلتا الحالتين لا يتطابق الواقع مع الإدعاء فإيران لم تتحرك لتستفيد من احداث لبنان وسوريا لم تتحرك وحزب الله لم يطالب بأي شيء خارج السياق اللبناني. إذا من حيث أقف ما أراه هو المزيد من الكذب والكذب والكذب الذي تطمرنا به المجموعات الصهيوأمريكية العدوانية .. ذات المجموعات التي أقامت حربها على العراق بناء على الكذب ولا شيء سوى الكذب. إذا حججكم الكاذبة هذه مردودة عليكم حتى تأتون بأدلة .. ودون ذلك كل ما نراه في هذا الشأن هو ترديد مغرض أو ساذج للبروباغاندا الصهيوأمريكية.

ولقد لاحظت أنك تقول "حزب الله" وتتبعها بـ "وأعوذ بالله" مما يقترح لي أنك ترفض التسمية من منطلق ديني. شخصيا أنا أنسان "لا أدري" ولذلك لا يهمني حقيقة إذا كان الإسم "حزب الله" أو "حزب الشيطان" . تأييدي لحزب الله في هذه الأحداث لا ينبع عن أسباب عقائدية بل عن أسباب وطنية. ونحن ولو أختلفنا مع حزب الله فلن نفضل عليه إسرائيل كما فعل وما يزال يفعل البعض في لبنان. وهنا أجيب أن الرد على السؤال بالسؤال ليس فقط مشروعا بل أنه أساس مدرسة التحليل المنطقي التي أسسها سقراط. ولو عدت الى كتاب الجمهورية لأفلاطون لوجدت أن سقراط في الحوار كلّه ركّب الأسئلة على الأسئلة لأن السؤال يحرّك عقل الآخر ولا يملي عليه.

وقبل أن أنسى أود أن أشير أن مقارنتك إيران بإسرائيل هي مقارنة غير موفقة بتاتا. إيران هي دولة صديقة وهي عضو أصيل في النسج الطبيعي والتاريخي لشعوب المنطقة. إسرائيل بالمقابل هي كيان غريب وعدو إستيطاني مفروض علينا بالقوة. ذكرتني ملاحظتك "أنني أؤيد جهرا عملاء لإيران" بتبادل كان لي يوما مع أحد اليهود الصهاينة من مكتب لبراني الذي كان يدعي أنه أحد مسيحيي لبنان. وحين اكتشفته من خلال عنوانه الـ IP وواجهته أنه صهيوني يدّعي أنه لبناني أجاب: وماذا في ذلك، أنت عربي تدعي أنك لبناني. هذه هي درجة صفاقتهم. دائما يحاولون خلط الأوراق وإظهار كيانهم العدواني المزروع ككيان طبيعي في المنطقة ويحاولون أظهار انفسهم كصديق وإبراز العداوات بيننا وبين جيراننا الطبيعيين .. هذا ببساطة لن يمرّ لأن ما يجمع مجتمعات المنطقة، وإن تناحرت، هو تناسق في اللغة والدين والتاريخ والقومية والثقافة ولو لدرجات. أما الدولة اليهودية المزروعة فلا يجمعنا معها سوى أساطير وخرافات كتبهم المقدسة الكاذبة. فلا اليهود خرجوا من مصر، ولا كان ملوكهم الأشرار -بما فيهم داود وسليمان- عظام ولا كانوا حتى أنبياء. ولا كانت لهم دولة موحدة بل دولتين هما عبارة عن تحالف قرى ودويلات.

أما بالنسبة لموقف حزب الله المتفرد فقد أصبح واضح جدا أن ما يعانيه لبنان من قصف وحشي يستهدف مرافقه لا علاقة له البتة بعملية حزب الله. ومن يقول بذلك لا يستحق حتى الرد حقيقة لأنه إما ساذج أو مغرض وفي كلتا الحالتين لا يفيد الجدل. هذا الهجوم المجرم على لبنان هدفه فرض القرار 1559 بالقوة. وهنا لدي بعض التساؤلات:

- إذا كان هذه القرار - الذي يقال أن مهندسه هو الشهيد رفيق الحريري رحمه الله - قد أقرته الأمم المتحدة لخدمة لبنان، فكيف يعقلن أي إنسان متجرّد تدمير لبنان بحجته؟؟؟ والله أن الحريري يدور في قبره غضبا لنتيجة لتوظيف أعداءه وأعداء لبنان لهذا القرار.

- وإذا كان هذا القرار قد صدر عن الأمم المتحدة لكي يقوم لبنان بتنفيذه، فمن من الذي شرّع للولايات المتحدة عن طريق اسرائيل تنفيذه؟

إذا ما يمكننا استنتاجه هنا هو أن ما هو تقصده الولايات المتحدة واسرائيل بالقرار 1559 هو ليس الحفاظ على سيادة وأمن لبنان اللتين تنتهكهما أسرائيل يوميا، المطلوب هو تمرير حلقة في أجندة خارجية تخدم المشروع الأمريكي-الصهيوني في المنطقة. والدليل على ذلك هو أن من يتحجج بالقرار 1559 الهادف الى حماية أمن وسلامة لبنان على حد زعمهم هو من يقوم بتدمير لبنان. وهم ذاتهم من سحبوا القرار من على طاولة الحوار الداخلي اللبناني وصادروه لينفذونه بالقوة.

إذا كنا سنفعل أي شيئ في لبنان فيجب أن يكون هذا الشيء خدمة للبنان واللبنانيين لا خدمة لمخططات يتزعمها أعداء لبنان. ومن الجنون والحماقة أن يزجّ اللبنانيون ببلدهم في حرب أهلية كرما لعيون جورج بوش وزمرته الصهيومسيحية. ومن غير المعقول – كما قال وزير الدفاع ميشال المرّ ووافقه على ذلك سعد الحريري ووليد جنبلاط – مطالبة المقاومة نزع سلاحها دون إجراءات دفاعية تضمن سيادة لبنان وسلامة أراضيه وابناءه.

إذا هذا ما كانوا يريدونه لنا: أما خرابا على إيدينا، أو خرابا على إيديهم. لا أشك لديّ أنه يوجد في لبنان من يفضّل اسرائيل على حزب الله وأنهم سيغفرون لإسرائيل تدميرها البنية التحتية اللبنانية ولن يغفروا لحزب الله عمليته. وأعتقد أن ذلك مبني على الرأي –لدى البعض- أن حليفتهم إسرائيل تخدمهم في ما تفعله.

دمت بخير