الاكراد في مهب الريح ..

لان التاريخ يكتبة الاقوياء ..ولا تكتبة الشعوب التي عاشت ذاك التاريخ..مع ذلك شمس الحقيقة لن تغرب ولم تغرب ابدا..للعاشق الحقيقة له همة النمل في البحث عن قوتة ومأمنة ..سوف تكتشف في هذة المقالة من هو صاحب الارض ..يا سيد ايبلا.. ومن هو صاحب الارض وتكشف ان الجزيرة (الجزيرة السورية) مع ان انك قلت لي ان الدولة السورية هي من اعطت هولاء الاكراد المهاجرين المأوى ..ولعمري هل كانت هناك دولة اسمها سوريا او لبنان او غيرها .. وتعرف عين اليقين ان هذة الدول من اختراع فرنسي انكليزي لا اساس تاريخي لها ..اذن يا زميل لماذا تنكر حقي في الوجود ..وانت اصلا لا دولة لك سابقة ..انتم مثلنا كنتم تحت حكم امارات محلية .. ولك هذا المقالة ممكن يفيدك .

"إنهـم يزورون التــاريخ
والتــاريخ لا يرحــم
بقلـم
توفيـق عبـد المجـيد
نشرت جريدة ؛ الاتجاه الآخر الجريئة في عددها رقم 174- تاريخ السبت 3/7/2004 مقالاً للسيد جورج شمعون بعنوان " الجزيرة السورية وحقيقة الوجود الكردي فيها " . ولما لم يكن المقال موضوعياً ومنسجماً مع الحقائق التاريخية المازالت موجودة على سطح الأرض من جهة ، والمستنبطة من باطنها من جهة أخرى ، وجدنا ، ومن باب الواجب ، والحرص على الحقيقة ، أن نرد على ذلك المقال ، مكنين كل الاحترام للجريدة ولصاحب المقال ، وآملين أن يجد المقال طريقه إلى النشر ، هذا المقال الذي نخشى أن يكون طويلاً ، والطويل إن لم يجد له مكاناً في جريدتكم ، فسيجد وبكل تأكيد مكاناً له في سعة صدركم واحترامكم للرأي الآخر .
تقول افتتاحية أحد الأبواب الثابتة في مجلة " العالم " السعودية ، وهو باب " في محاكم التاريخ " تقول ما يلي : ( هناك أنواع عديدة من المحاكم ، محاكم عسكرية ، محاكم شرعية محاكم دولية ، محاكم للقصّر ، محاكم لمجرمي الحرب ، محاكم اقتصادية إلخ … ومع تشابك الحركة البشرية وكثرة الادعاء والكذب في التاريخ ، وجب علينا أن نقترح إنشاء محاكم للتاريخ !! في هذه المحكمة نعيد صياغة ما حدث على ضوء الوثائق والحقائق المستجدة ، ولا يخفى على أحد أن التاريخ هو أكذوبة الأقوياء ، مما يعني أن معظم ما سجله التاريخ هو أنواع مختلفة من الأكاذيب ) وتمضي المجلة قائلة : ( وعلى هذا الأساس سنقيم على صفحات " العالم " – أي المجلة صاحبة الافتتاحية – محاكمة نأمل أن تكون عادلة ، لكل من ساهم في تضليل البشرية وزيّف التاريخ دوره ، فأصبح فاتحاً عبقرياً كنابليون بونابرت ، وهو في الحقيقة مجرم حرب أخرق ) والكلام للمجلة . ونحن نحب أن نضيف إلى هذه المحاكم : ( محاكم علماء الآثار ) ، لأن بعضهم قد أجرم بحق التاريخ ، وأجرم بحق بعض الأقوام ، وغيب الحقيقة التي كانت غائبة ومدفونة أصلاً في باطن الأرض .
ومما يدعو للمرارة والأسف أن علماء الآثار لم يكترثوا للقيمة الإنسانية والحقيقية لهذه الآثار وأصحابها بقدر اكتراثهم بهذه المستخرجات ، وقيمتها المادية ، متجاهلين عن عمد ، أو غير عمد ، عظمة أولئك الذين ساهموا في وضع لبنات البشرية الأولى ، وأسسوا لحضارتها التي طمرتها الأحقاب ، والأزمنة ، والأتربة .
يكتب الأستاذ الباحث إبراهيم محمود في كتابه " الكرد في مهب التاريخ " في بحث : الكرد – إشكالية تاريخ أم عدم اعتراف – صفحة 19 نقلاً عن : أ . بيتار في كتاب " الأجناس " ما يلي : ( إني لأشعر بالحنق الشديد كلما فكرت بعلماء الآثار الذين استخرجوا من تربة آسيا الشرقية كل هذه الآثار العمرانية الرائعة ، غير أنهم لم يأبهوا إطلاقاً للبقايا الإنسانية التي كانوا يعثرون عليها . إنها بربرية علمية اقترفها رجال يدعون أنهم " رجال علم " .
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، فإن أولئك الذين يتصدون لمهمة حساسة وخطيرة ، ويكتبون في موضوع كالذي يكتب فيه صديقنا جورج شمعون ، عليهم أن يلتزموا الموضوعية ، والصدق في مواضيعهم بعيداً عن التعنصر والتشنج ، بعيداً عن التحيز لفئة دون أخرى ، بعيداً عن ثقافة الطغيان ، ومصادرة الرأي الآخر ، بعيداً عن ثقافة التسلط وثقافة المغرضين ، بعيداً عن التصيد في الماء العكر ، بعيداً عن الطائفية البغيضة ، بعيداً عن تسليع هذه الأفكار وتسويقها إلى الغير ، مثل ألئك الكتاب والمؤرخين المنصفين الذين أعطوا كل ذي حق حقه ، أمثال عبد الله العروي ، وويل ديورانت ، وتوماس بوا ، وغيرهم وغيرهم الكثير ، ضاربين عرض الحائط بنزواتهم وأمنياتهم ورغباتهم المدفونة في أعماقهم ، وآرائهم المسيسة والمؤدلجة لأن ( المعرفة التاريخية لا تكون موضوعية إلا بنبذ الذات ) بحسب ما ذكره المؤرخ العربي الكبير عبد الله العروي .

كما أن الكاتب أعجز من أن يثبت لنا وحدة المكان ، والزمان ، لأي شعب من الشعوب ، بحسب ما يذكره الكاتب الباحث إبراهيم محمود ، لأن التاريخ نفسه يؤكد أن ( ليس هناك من يستطيع أن يثبت لنا أن شعباً ما قد ظهر إلى الوجود ، وبرز في التاريخ ، من مكان واحد ، وفي زمان واحد ) . إبراهيم محمود – الكرد في مهب التاريخ – ص 25 .

ومن الثابت تاريخياً أن الغموض هو السمة الغالبة على تاريخ معظم الشعوب ، التي سكنت المنطقة ، ولا نستثني الشعب الكردي من هذه الشعوب ، كما أن الكرد كغيرهم تفاعلوا مع مجمل التغييرات التي عصفت بالمنطقة ، فذاقوا الكثير من القساوة والمرارة ، في سبيل الدفاع عن وجودهم ، وتاريخهم الذي كان ساحة رحبة للكثير من الشوفينيين والحاقدين ، يسرحون ويمرحون دون وازع من ضمير أو رادع من خلق ، وفي كثير من الأحيان ، لم يعدموا وجود بعض المنصفين ، والموضوعيين ، من أولئك الذين ألقوا بصيصاً من الضوء ، على ذلك النفق المظلم ، الذي عبره الشعب الكردي .

فإذا رجعنا إلى الأصل التاريخي لكلمة الميديين ، تبين لنا أنها ( مذكورة في التوراة بالماديين ) ومنها كما يقول د.عامر الأخضر : الميتانيون وفي التالي قبيلة " متينان الكردية- بحسبه ؛ والتوراة كما لا يخفى على أحد أقدم من الأنجيل والقرآن أيضاً ، وما على صديقنا جورج سوى الرجوع إلى التوراة إن أراد التأكد من ذلك . إبراهيم محمود – الكرد في مهب التاريخ ص 29 – مصدر سابق .

وأغلب المؤرخين يرجعون بالكرد إلى الميديين ، ذلك الشعب العريق الذي سكن بلاده في ما بين النهرين ، ويجعلون الأكراد أحفاد الميديين . فها هو مينورسكي ( يرجع في فرضيته بالكرد إلى الميديين … ويدافع عن فرضيته هذه منطلقاً من تاريخ معاش يتمثل في الوجود والحضور الحيين للكرد ، ويختتمها بتساؤله الملفت للنظر لأنه لو لم يكن الأكراد أحفاد الميديين ، فماذا حل إذن بشعب عريق جبار ، ومن أين انبثقت هذه الشبكة الواسعة من القبائل الكردية ؟ إبراهيم محمود – الكرد في مهب التاريخ – ص 22 – مصدر سابق .

والوجود الكردي موغل في القدم ، فإذا تصفحنا التاريخ القديم وتغلغلنا في شرايينه لوجدنا أن تاريخ الكرد ( يرجع إلى أكثر من خمسة عشر قرناً قبل الميلاد . وأن الميتانيين هم كرد وكرد ميديون . إبراهيم محمود – الكرد في مهب التاريخ – ص 29 – مصدر سابق .

أما لفظة " الآريين " فهي تطلق على عدد من الشعوب مجتمعة ، وهي شعوب هندو - أوربية في مجملها ( أما اليوم ، فإن هذا اللفظ – أي الآريين – يطلق بنوع خاص على الميتانيين والحثيين والميديين والفرس والهنود ، أي على الشعبة الشرقية من الشعوب الهندو - أوربية التي عمرت شعبتها الغربية بلاد أوربا ) ول ديورانت – قصة الحضارة – الجزء الثاني من المجلد الأول . ص 301

وكذلك فالأب توماس بوا ( يعلمنا أن " باردا بالكا " وهي مغارة ( HEZAR MERD ) أي مغارة الألف بطل القريبة من السليمانية والتي ترجع إلى العصر الحجري القديم ، أو مغارة ( SHANIDAR ) القريبة من ) RAWEND/Z ) راوندوز في العراق حيث تم فيها اكتشاف أول هيكل عظمي للإنسان ، وهي أيضاً من العصر الحجري القديم ( 7000 – 3500 ) ق . م ) وإن ذلك يؤكد بأن هذا البلد كان مسكوناً منذ آلاف السنين أي ( كردستان ) ، وإن ( GARMO ) الواقعة في وادي جمجمال هي أقدم قرية في الشرق الأوسط ، ومن الممكن أنها كانت إحدى المراكز الزراعية التي زرع فيها الإنسان لأول مرة أنواعاً مختلفة من القمح خلال الألف الثالث قبل ميلاد المسيح ) . الأب توماس بوا – معرفة الأكراد – ترجمة بافي آرام – ص 15 .

كما يقول الأب توماس بوا في موضع آخر : ( إن الشيء الأكيد هو أن المنطقة التي سكنها الأكراد ، والتي نسميها اختصاراً كردستان ، مسكونة منذ أقدم العصور ، كما توضح لنا ذلك تلك الصفحات التي أعدها فريق من جامعة شيكاغو – منشورات 1960) . إبراهيم محمود – الكرد في مهب التاريخ – ص 23 – مصدر سابق .

أما ول ديورانت فيؤكد أن الميديين ( أقوام من الجنس الهندو - أوربي يرجح أنهم جاؤوا من شواطئ بحر الخزر ، إلى غربي آسيا قبل المسيح بنحو ألف عام " . ول ديورانت – قصة الحضارة – الجزء الثاني من المجلد الأول – ترجمة محمد بدران – ص399 .

ومن الثابت تاريخياً أن الوجود الكردي في محافظة الجزيرة ، يعود إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح بسنوات عديدة ، ومعظم علماء التاريخ والأجناس ، أثبتوا هذه الحقيقة ( ومن ضمنهم العلماء العرب الذين كتبوا في كتبهم وأبحاثهم عن الشعب الكردي وأصله وتاريخه الذي يمتد من خمسة آلاف سنة في هذه المنطقة بالذات وتحديداً بين بحيرة أورمية و وان ، كما كتبوا الكثير عن أسلافه من الميديين والميتانيين … ) نقلاً عن لمحة تاريخية عن أكراد الجزيرة – عبد الحميد درويش – ص 65 .

والذين ينكرون الوجود الكردي ، أو يستحدثونه ، هم كمن يحاول حجب الشمس بغربال ، لأننا في عصر ثورة المعلومات التي استباحت كل الحواجز ، وهزت كل السيادات ، وكشفت كل المستور ، والجزيرة السورية قبل ذلك التاريخ الذي يتشبث به السيد جورج شمعون كانت مسكونة بالأكراد وغيرهم ( أي قبل عام 1925 وكما يذكر العديد من المعمرين من أهالي المحافظة الذين مازالوا على قيد الحياة ، كانت برية خالية إلا ما ندر من القرى ، تجوبها قطعان الغزلان ، فيها القليل من الزراعة ، تؤمها وتنتقل في ربوعها عشائر عربية وكردية بقصد الرعي والانتجاع.) لمحة تاريخية عن أكراد الجزيرة – عبد الحميد درويش – ص 12 .

أما القامشلي فهي مدينة حديثة بالمقارنة مع بقية المدن السورية في المنطقة ، فقد بنيت في عام 1927 . يقول الصحفي عبد الرحمن في كتابه " كاليفورنيا الشرق – الجزيرة " ( كانت ماردين ونصيبين مركزي حكومة ( يقصد الحكومة العثمانية ) ولم يكن إذ ذاك ما بين ماردين ودير الزور إلا بضع قرى للأكراد في سهل ماردين الجنوبي في أطراف عامودا ونصيبين والدرباسية القديمة ، وقليلاً من الأعراب ( الشوايا ) مبعثرين على ضفاف الخابور جنوب الحسكة وضفاف الفرات – ص49 . نقلاً عن لمحة تاريخية عن أكراد الجزيرة – عبد الحميد درويش – ص 28-29 - مصدر سابق .

ولا يختلف اثنان على أن الإعمار الكردي في سوريا موغل في القدم . يقول بيير روندو : إن الإعمار الكردي في سوريا أقدم كثيراً مما يتصوره المرء ، إذ أن بعض الجماعات الكردية كانت منذ الأزمان الغابرة تحتل موقعها الحالي . مجلة الحوار – العددان ( 5-6 ) الصفحة 29 .

كما أن المهتمين بشؤون العشائر في الجزيرة السورية ، ومنهم محمد علي باشا فيذكر في مخطوطته ( بأن عشيرة شمر قامت بحملة واسعة عام 1904 ضد عشيرة الملية التي كانت تنافسها على النفوذ في منطقة الجزيرة ) . نقلاً عن لمحة تاريخية عن أكراد الجزيرة – عبد الحميد درويش – ص 33 – مصدر سابق .

وفي نفس المجال يذكر أنور عسكر الشمري في كتابه ( قبيلة طي ) ما يلي : ( اشتركت العشائر الكردية وستة عشر فرداً " جوالياً " ضمنهم بعض الثوار من الراشد فنالوا شرف الانقضاض على مقر قيادة الجنرال الافرنسي روكان . ص 434 . والجدير بالذكر أن هذه المعركة جرت في حزيران عام 1923 .

ويدلي السيد أحمد وصفي زكريا بدلوه في هذا المجال في كتابه ( عشائر الشام ) فيقول : ( السواد الأعظم من عشائر الأكراد يقطن في محافظة الجزيرة ، ويمتد من أقصى شمالها الشرقي في قضاء ديريك قرب دجلة ويتجه نحو الغرب إلى قضاء القامشلي ثم إلى ناحية رأس العين ) - ص 658 .

بعد هذه الاستطرادة السريعة في التاريخ القديم ، ثم الحديث لإثبات عراقة الشعب الكردي ووجوده التاريخي في بلاد ما بين النهرين من جهة ، وفي الجزيرة السورية من جهة أخرى ، أعود إلى مقال الكاتب السيد جورج شمعون لكي أرد على ما يحتاج إلى رد ، سواء كان الرد سلبياً أم إيجابياً .

يؤكد الكاتب - ودون أن يعلم - بأن الميتانيين والحوريين قد استوطنوا الجزيرة السورية منذ القرن السادس عشر قبل الميلاد وحتى القرن الرابع عشر منه ، وينعتهم بالغزاة ، كل ذلك لكي يجتث الأكراد من أصولهم ليسهل له الرد ثم الانقضاض عليهم ( … استوطنها الغزاة الحوريون والميتانيون – وهو يقصد الجزيرة السورية – منذ القرن السادس عشر وحتى القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، إلى أن قضى عليهم الآشوريون … ) ونحن نحيله إلى تساؤل المؤرخ مينورسكي ( لو لم يكن الأكراد أحفاد الميديين ، فماذا حل إذن بشعب عريق جبار ) ذلك التساؤل الذي استشهدنا به لإثبات كردية الميديين في القسم الأول من ردنا هذا

أما عن ظهور السريان في القرن الخامس عشر ، أي في نفس وقت استيطان الميديين الجزيرة السورية ، بل إن الميديين – أجداد الأكراد – هم الأقدم كما يقول الكاتب ( وفي القرن الخامس عشر قبل الميلاد برز على المسرح السياسي الآراميون – السريان وهم من الشعوب السريانية وتوزعوا في المنطقة التي تمتد من بلاد الشام إلى أعالي ما بين النهرين ومنها الجزيرة السورية ) . فكيف تواجد الشعبان بنفس الوقت أيها الكاتب العزيز ؟

ثم يقرن الكاتب – وهو في فورة هيجانه السرياني - الوجود السرياني بالعنفوان الحضاري ، دون أن يسبغ صفة الحضارة على أي شعب آخر ، ونحن نسأله لماذا ؟ ( وكان الوجود السرياني بعنفوانهم الحضاري واضحاً ) .

ويتابع الكاتب والشاعر تسلسله التاريخي للمراحل التي مرت بها محافظة الجزيرة فيقول : ( … إن القبائل العربية قدمت للجزيرة السورية قبل الفتح الإسلامي … وأطلق السريان – وكانوا الأغلبية في المدن والبلدات – على المنطقة الواقعة ما بين نصيبين ونهر دجلة تسمية ( بيت أربايا ) أو ( بيت عربايا ) بمعنى ( ديار العرب ) – وعقله الباطن يقول له : ديار السريان ، ولكنه لا يتجرأ - ، علماً أن هذه القبائل كانت تنصرت وانتمت للكنيسة السريانية ) . لن نناقش مع الكاتب هذا الكلام ، ولكننا نسأله عدة أسئلة ونرجو منه الإجابة : أين ذهب الأكراد أحفاد الميديين ؟ ألم يتنصروا هم أيضاً أسوة بغيرهم ؟ ألم يسمعوا بالدين المسيحي ؟ أم أنهم اختصروا المراحل ، فانتقلوا من اليهودية إلى المسيحية مباشرة ؟ ولماذا يتقن معظم السريان – وخاصة المعمرون منهم – اللغة الكردية الفصحى أكثر من أصحابها الأكراد ، ولا يتكلمون السريانية والعربية أيضاً ؟ أين ذهب ذلك الشعب الجبار كما قال المؤرخ مينورسكي ؟

ثم يمضي فيفرغ الجزيرة السورية من سكانها أثناء غزوات المغول والتتر في بداية القرن الخامس عشر الميلادي ، فيجد مكاناً يلجأ إليه السريان ، ويجد ملاذاً آخر يحتمي به العرب ، وينسى الأكراد مرة أخرى ، فهل أبيدوا ، أم طاروا إلى كوكب آخر ، أم رفعوا إلى السماء أيها الكاتب ، أم أنك تستكثر عليهم أنهم قاوموا الغزاة ، على عكس العرب والسريان لأنهم لم يجدوا مكاناً يحتمون به ، وكانت المقاومة خيارهم الوحيد ( أفرغت الجزيرة السورية – بحدودها المعروفة اليوم – من سكانها المحليين في أثناء غزوات المغول والتتر في بداية القرن الخامس عشر الميلادي ، فالتجأ سكانها السريان إلى الجبال الشمالية المجاورة ، ذات الأغلبية السريانية ، وانسحب العرب للاحتماء في بوادي الجزيرة الملتهبة من ظلم الغزاة القادمين ) .

أما القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي ، فللكاتب منه رأي آخر ، فهو ليس عربياً ولا كردياً ، ولا حتى سريانياً ، بل هو مجرد قائد ، لأن الكاتب لا يستطيع أن يسبغ على صلاح الدين الجنسية الكردية ، ومن لا يطاوعه لسانه على النطق بالحقيقة لسبب طائفي أو عنصري ، فليس جديراً بكتابة مقالات تاريخية ، كالمقالة التي صال وجال فيها دون رقيب أو حسيب ، مظهراً فنوناً من الكراهية على أبناء الشعب الكردي ، واقعاً في مصيدة الطائفية البغيضة ( وهناك بقايا أكراد القائد صلاح الدين الأيوبي ، فقد ذاب الكثير منهم في البوتقة العربية ، ومن تبقى منهم مقيم حالياً في دمشق ، بحي ركن الدين ، وحي الأكراد ونسي معظمهم لغتهم الكردية ، أو بالكاد يعرف بعض الكلمات ) . يقول الأكاديمي والسياسي الفلسطيني الدكتور مازن مصطفى ما معناه في برنامج بعنوان " العلاقات العربية الأمريكية " الذي بث من فضائية المستقلة مساء 28/7/2004 : ( ليس من حقنا أن نعرّب الأكراد والأمازيغ وغيرهم كما كان الأتراك يحاولون تتريكنا ) - والقول ليس بحرفيته للأمانة العلمية - ، فيبدو أن الكاتب لم يذكر أحداً من الأكراد سوى المقيمين في حي الأكراد بدمشق ناسياً أو متناسياً أماكن تواجد الأكراد الحقيقية ، كما أنه لم يخجل من التصريح بعبارتي " الذوبان " مرة و" النسيان " مرة أخرى ، وهو الآخر في رأينا مصاب بمرض النسيان لأنه في القرن الحادي والعشرين ، وإذا تمعن في الخرائط التي رسمها بعض الكتاب الأوربيين في القرنين التاسع عشر والعشرين ، فلن يجد تسميتي" اليعربية " و " السويدية " ، بل سيجد عوضاً عنهما اسمين آخرين قد لا يروقان له وهما " تل كوجر " و " قره جوخ " ونحن متأكدون أنه لا يجهل معنى هذين الاسمين بالكردية أو العربية ، وقد ينسب الاسمين إلى اللغة السريانية دون أن يجد حرجاً في ذلك ، ولن نكرر له بقية أسماء المدن ، فهو يعرف الحقيقة كما نعرفها نحن . أما بالنسبة إلى القامشلي وإعمارها فهو مصر على أن السريان هم الذين بنوها ضارباً عرض الحائط كل الشهادات الواقعية والتصريحات الشفهية التي أدلى بها كبار المعمرين .

يستشهد الأخ الأستاذ ( كوني ره ش ) في كتابه : القامشلي ( مدينة المحبة والتعاون والإخاء ) على نشوء القامشلي ، وأوائل من بنوها بهذه الشهادات الواقعية :

( حول مركز المدينة – ويقصد القامشلي - وبدايات نشوئها الأولي أخبرني الأستاذ عزيز داود نقلاً على لسان صديقه الشاعر جكرخوين ، الذي كان شاهداً على نشوئها أثناء بناء الثكنة الفرنسية كان " سيد حسن وأحمد حسو وسيد طه " وجماعتهما من أهالي ماردين يجوبون القرى الكردية ومضارب البدو العربية في المنطقة مظهرين للناس مقدرتهم على الشفاء من الأمراض وما شابه ذلك ، حينها عرضت عليهم الحامية الفرنسية قطعة أرض في وسط المدينة حالياً ، مكان مطعم الخيمة ، ومقهى الأمراء ، على الطريق القادم من عامودة نحو عين ديوار ، والتي كانت خالية من السكان آنذاك ، وبنت لهم مسجداً في الجنوب منها في موقع " محلات صائغ للأقمشة " حالياً ، وهكذا تم وضع النواة السكنية الأولى في بناء مدينة القامشلي … ) لاحقاً نقل المسجد إلى طريق نصيبين ( شارع الجامع الكبير فيما بعد ) ومازال مكان تلك المحلات يعد من عقارات الأوقاف للمسلمين . مقابلة شخصية مع الأستاذ عزيز داود يوم 17/2/2002 في مدينة القامشلي – ص 84 .

ويقول السيد أحمد شريف مارديني في كتابه ( محافظة الحسكة ) :

( … بعد التخطيط الأولي الذي وضعته الحامية الفرنسية للقامشلي سكنها رجل يدعى ( سيد حسن ) الذي نصب خيمة في وسطها ، قرب ( العرصة ) ثم بنى مسكناً في مكان مطعم الخيمة الحالي ، جاء بعده زكي جلبي وبنى مسكناً خلف مسكن سيد حسن ، ثم جاء عبد الرزاق حمو وشقيقه سليمان حمو فبنوا مسكناً بالقرب منهم . وقدم أثناء ذلك عبد الرزاق كوزي الذي جاور مسكنه الأسر السابقة … ) أحمد شريف مارديني : محافظة الحسكة ، ص112 .

و حول نفس الموضوع يقول الجنرال الفرنسي " بيير روندو " ، أحد القواد الفرنسيين للانتداب على سوريا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي :

( لقد تم الدخول إلى الجزيرة العليا في أيار 1926 ، بفعل العمل البارع والحازم للملازم أول ( ب . ترييه ) في 20 آب 1926 أقيم بالقرب من مزرعة صغيرة منعزلة مركز ( القامشلي ) والتي من المنتظر أن تصبح مدينة حقيقية تغلب مدينة ( نصيبين ) التركية المجاورة والتي أصبحت محج الأنظار بالنسبة لأكراد المنطقة . بيير روندو – أكراد سوريا 1939 – مجلة الحوار – العدد المزدوج ( 5-6 ) 1994 – ص 34 – 35 .

وبخصوص الإيزديين يقول الكاتب : ( … إنهم يتكلمون الكردية ، ولكن مؤخراً صرح بعض قادتهم ، ومنهم الأمير معاوية ، بأن جذورهم آشورية سريانية ) أما جذورهم السريانية مرة والآشورية مرة أخرى ، فأعتقد أنهم لا ينكرون أصولهم الكردية ، وهم أحرار في الإنكار إذا أرادوا ذلك ، ولكن كان بإمكان الكاتب أن يسألهم قي ذلك لأن أغلبهم يعيش في أوربا كما يعيش الكاتب ، ويبدو أن معركة الكاتب ليست مع الأكراد وحدهم ، بل مع كل من يريد الرجوع بأصله إلى أصول كردية . ثم لم هذا التجاهل المتعمد لدور القائدين الكرديين إبراهيم هنانو ويوسف العظمة ، علماً أنهما قاما بواجبهما الوطني قبل أن يلجأ الأكراد إلى سوريا من تركيا كما يدعي الكاتب ، أم أنهما قاوما الاستعمار الفرنسي من تركيا وليس من سوريا بحسب وجهة نظر الكاتب .

وفي موضوع عدد السكان يبدو تخبط الكاتب الواضح ، ولسنا على استعداد لتصحيح العمليات الحسابية له ، ونسامحه في رقم الصفر الذي وضع على يسار العددين : (4 – 6 ) ونعتبر ذلك خطأ مطبعياً ، ولكن بودنا أن نركز على بقية السكان من غير الأكراد فهم ( من العرب والسريان والآشوريين والكلدان والشاشان والأرمن ) ، لنقول للكاتب : أليس السريان عرباً ، بل أليس العرب سرياناً ، ولماذا هذا التمايز والفصل بين العرب والسريان ؟ كما أن حاصل جمع العددين 44+60= 104 ، وعليك أن تبادر إلى تصحيح أرقامك مرة أخرى ، لكي نرد عليك مرة أخرى بإحصائيات قريبة إلى الدقة ، كما أننا نطلب منك ألا تكون ملكياً أكثر من الملك ، ولا تزاود على الأكراد في كرديتهم ولاتقولهم ما لم يقولوه ( وكأن الجزيرة السورية هي حكر لا بل أرض مشاعة للأكراد ، وتم تعريبها ) ونقول لك إن الجزيرة ليست حكراً على الأكراد ، ولا أرضاً مشاعة ، ولكن الأكراد يملكون الأرض بموجب سندات تمليك رسمية ، ونتمنى عليك في هذا المجال أن تعود إلى كتاب " دراسة حول محافظة الجزيرة من النواحي السياسية والاجتماعية والقومية " لرئيس الشعبة السياسية بالحسكة عام 1962 الذي يتحدث عن التعريب بصراحة في الفقرة (11) من الكتاب المذكور وفي الصفحات (46-47-48) : ( عدم السماح لمن لا يتكلم العربية بأن يمارس حق الانتخاب والترشيح في المناطق المذكورة ) ، ما رأيك في هذا الكلام على ضوء المستجدات العالمية الحديثة ، خصوصاً وأنك تعيش في السويد ، ولا تجهل الأسماء الحقيقية القديمة لأغلب المدن والبلدات في المحافظة ؟ وما نريده منك مرة أخرى أن لا تزاود على الأكراد في هذا المجال ، وليس من حقك التشكيك في وطنيتهم ، ونتحداك ، وأنت السرياني مرة والعربي مرة أخرى أن تثبت لنا أن الأكراد يحاولون اغتصاب الجزيرة .

وبخصوص كلامك ( إن الدولة استولت على قسم من أراضي كبار الملاكين وبعض الفلاحين سرياناً كانوا أم أكرادا ، وحدث الشيء ذاته في مصر ) حسناً لماذا تأخذ الدولة أرضهم ثم تعوضهم بأراض أخرى لم لم تأخذها هي بدلاً من الأكراد ، وهي صاحبة الإمكانات فتصلحها وترويها ، وكم كنت تتمنى لو أن الدولة نفذت لك أمنيتك المتمثلة في تهجير الأكراد خارج الجزيرة ، ثم تقول بأن الدولة ( أسكنتهم – أي عرب الغمر – في المنطقة الحدودية المحاذية لخط المطر ، أو خط العشرة ، المجاور لتركيا وأعطي للأكراد أراض لم تكن بجودة أراضيهم التي تم الاستيلاء عليها ) ونحن نقول لك : لماذا لم تسكنهم الدولة في الأراضي التي أعطتها للأكراد عوضاً عن أراضيهم التي أخذتها منهم وتختصر العملية ، وتتخلص من عبء إيجاد أراض بديلة للأكراد ؟ ثم تستطرد وتقول : ( ومن المهم أن نؤكد هنا أن سكان الأرياف من العرب والأكراد والسريان – من حملة الجنسية السورية – قد استفادوا جميعاً من قانون الإصلاح الزراعي – السيء الصيت - ) عجباً !! كيف ؟ ولماذا تنعت هذا القانون بالسيء الصيت ؟ ولماذا تتهم الأكراد بأنهم هم الذين نعتوا عرب الغمر بالمستوطنين ، فالأكراد أبرياء من هذه التهمة براءة اليهود من دم المسيح ، وصاحبها هو بامتياز مرة أخرى رئيس الشعبة السياسية في محافظة الحسكة السيد محمد طلب هلال في كتابه – السيء الصيت الذي أشرنا إليه ، دراسات حول الجزيرة ، حيث يقول مرة أخرى في الفقرة (10) : ( إنشاء مزارع جماعية للعرب الذين تسكنهم الدولة في الشريط الشمالي ، على أن تكون هذه المزارع مدربة ومسلحة عسكرياً كالمستعمرات اليهودية على الحدود تماماً ) ولم نقل في يوم من الأيام بأنهم – أي عرب الغمر كما تسميهم – ليسوا مواطنين ولا عرباً سوريين .

ودون أن ينتبه الكاتب إلى ما يقول يذكر أن الزعيم السرياني " ملكي حوبو " ومعه " حاجو آغا " - يرحمهما الله - فرا من تركيا ومعهما ( الكثير من السريان واليزيديين والأكراد واستقر الجميع في مدينة قبور البيض ) ثم كيف أن الزعيم السرياني ، أنكر زعامته ، وأسندها لحاجو آغا الكردي ، فلماذا فر السريان من تركيا ؟ وما سبب هذا الاحترام الذي يكنه الزعيم السرياني لحاجو آغا ؟ ولماذا أنكر آغويته وزعامته بحضور المستشار الفرنسي ؟ ونحن بدورنا نسأله ، إذا كان حاجو آغا لا يملك سندات تمليك تثبت أنه قد اشترى هذه الأرض ، فابرزها أنت أو ليبرزها أحفاد المرحوم ملكي حوبو ، مع كل احترامنا لهم .

وفي ختام مقالتنا ، نشكره على تأييده حق المواطنة الكاملة ، والحياة الحرة الكريمة ، للأكراد أسوة بجميع المواطنين السوريين ، ولكن سرعان ما تدغدغه الطائفية من جديد فيعود إلى أسرها ، بل يعود إلى جعبته التي مازال في قاعها بقية من سهام الحقد والكراهية ، ويتهم الأكراد بالانفصاليين مرة أخرى مستشهداً بتصريحات قيلت في فورة الغضب – والإنسان لا يحاسب عادة في مثل هذه الهيجانات - إثر أحداث ملعب القامشلي المأساوية الدامية ، فيختتم مقالته بأن ( الجزيرة جزء لا يتجزأ من الوطن السوري ) دون ذكر الوطن " العربي " السوري ، لأنه كاتب وشاعر " سرياني " مقيم في السويد ، هذا البلد الأوربي الديمقراطي الذي لم يحاكم قاتل وزيرة خارجيته ، بل أحاله إلى طبيب نفساني ، كما أن البلد الأوربي الثاني " نيوزيلندا " قد أباح مؤخراً السماح للمتظاهرين بتمزيق علم البلاد في نطاق التعبير عن الرأي .

وختاماً نؤكد للكاتب والشاعر السرياني الصديق جورج شمعون ، إذا كان هدفه هو الاصطياد في الماء العكر ، فليوفر وقته وجهده ، لأنه لن يستطيع ذلك ، فالأكراد السوريون على درجة من الوعي السياسي تحول بينهم وبين الانجرار إلى نوايا المغرضين والمسيئين في داخل البلاد وخارجها ، ولن يستطيع أحد أن يراهن على الورقة الكردية للإساءة إلى الوطن ، ولسنا على استعداد لأن نمد أيدينا إلى هذا الكاتب أ و إلى غيره ، ليمن علينا بقليل من الوطنية ، أو يرسلها لنا " معلبة " من السويد ، ولم نطالب في يوم من الأيام بتغيير هوية الأرض التي نحن عليها ، أو الانفصال عن الوطن ، فقد تختلف آراؤنا وقناعاتنا ، ولكنها لن تصل إلى حد التصادم والتطاحن بالتأكيد ، وإقصاء الآخر أو إلغائه ، لأننا في عصر موسوم بحوار الحضارات ، وليس بصدامها ، وأنا واثق من أنه غير راض عن الأستاذ جوزيف أسمر ملكي ، صاحب كتاب " من نصيبين إلى زالين ( القامشلي ) الذي ضرب الرقم القياسي في تجاهل العنصر الكردي في القامشلي ، فلم يذكر ولو لمرة واحدة كلمة " كردي " ، كما نرجوه أن لا يغتاظ مما نقول ، فهو وغيره يدركون تمام الإدراك أن العلاقات بين جميع أبناء المحافظة - ولا نستثني منهم إخوتنا السريان - جيدة جداً ولا داعي لإثارة الفتن لأن ( الفتنة نائمة ، لعن الله من أيقظها ) ولا داعي لخلق الحساسيات والإشكالات القومية بين بعض أطياف المجتمع الجزراوي ، ونحن أحوج ما نكون في هذا الوقت إلى أصحاب الأقلام الخيرة من النخب الثقافية بجميع أطيافهم وتلاوينهم ، ليساهموا في مداواة الجراح وتجسير الفجوات والثغرات التي يخشى أن يتسلل منا الحاقدون على الوحدة الوطنية في بلادنا العزيرة ، سوريا الحبيبة ، ولم يحدث قطعاً أن الأكراد هم من أجبروا السريان على الهجرة لأن السريان – ولا يخفى على أحد – كان وضعهم دائماً أفضل من وضع الأكراد من جميع النواحي"....... " .

"

وتجد ايضا روح الشراكة والتعايش المشترك في هذة المقالة ..وليس روح الاقصاء .

(f)