[quote] بهجت كتب/كتبت
بل لا أرى الصراع الحضاري مع الغرب و العالم من خلفه أو الصراع العربي الإسرائيلي و الصراع الأصولي السني الشيعي سوى أعراض لمرض أعمق كثيرا منها جميعا و أكثر التواءا و أعصىعلى العلاج ، لا أنكر كل تلك الصراعات ولا أستهين بها بل و أراها مدمرة بالفعل ، و لكنها تبقى أعراضا و ليست المرض الأصلي الذي هو الإطار السلفي النصي الذي نفكر خلاله كما أعبر عنه أو المرجعية المعرفية الغيبية كما عبرت أنت عنها ،
الزميل الفاضل / بهجت

إذا إستعرنا تشبيه الزميل المحترم / نبيل حاجي نائف و الخاص بالبنى الفكرية لمجتمع ما و تمثيلها بالكائن الحي الذي يسعى للبقاء - فستمثل المشاكل الميتافيزيقية عديمة الحل شديدة التعقيد التي أشرتم لها - جنبا إلى جنب مع إثارة الإضطرابات و النزاعات سواءا الإقليمية أو العالمية بما تصاحبهما مما يلزم من إثارة و تهييج المشاعر الدينية أو القومية إلى إنكماش فكري بالمجتمع - سوف تمثل أهم الآليات التي تعتمدها تلك البنى الفكرية للبقاء.

فهذه الآليات تثير بالطبيعة مشاعر سلبية جماعية - أضف لذلك تطبيقا حرفيا لكبت كل صوت مخالف لأي مما هو سائد - حيث لن يتسع المجال لسماعه في ظروف المعارك و الشعارات و غيرها.

و سوف تلاحظ في كل معركة / مشكلة / نزاع .. إلخ سواء داخلي طائفي أو إقليمي أو عالمي - شدة تعقيده و إنعدام إمكانية الحلول الوسط فيه و إرتباطه المباشر أو غير المباشر بمرجعياتنا الدينية.

و سنغرق دائما في تفاصيل كل معركة أو صراع على حدة - مشروعيته الأخلاقية و القانونية - و درجة مناسبته للشريعة من عدمه - ثم بعدها سنغرق فيما بيننا نحن إنقساما بين سنة و شيعة و قوميين و ليبراليين - ثم تخوينا و تقتيلا إن لزم الأمر.

فكما تفضلتم بذكره يوجد إطاران جامعان و هما الحداثة و الأصولية - لكن توجد مشكلتان:

أولا: الإطار السلفي الأصولي لا يمثل أي درجة من درجات التجانس - فهو إطار متشظي لأقصى درجة و لن يحدث أن يتفق على أي قضية كانت.
فستجد أولا إختلاف على مستوى الأهداف الإستراتيجية النهائية التي يسعى لها كل فريق - ناتجا عن الإختلاف المذهبي الحاد بين السنة و الشيعة كمثال و الذي يسير بمسار الحرب المباشرة فيما بينهم إن عاجلا أم آجلا.
و ستجد ثانيا - و في كل فريق على حدة - إختلاف في التكتيكات التي تعتمدها جماعات في نفس الفريق - لتصل لنفس الهدف الإستراتيجي لهذا الفريق - تصل لدرجة التكفير و التخوين ثم القتل أيضا.
ثانيا: الإطار الحداثي في أغلبيته المؤثرة - إن صح التعبير - مازال يعالج الأمر من داخل نفس الدائرة اللامنتهية - متخذا المدخل الخاطئ للعلاج.

أما ما بينهما فحدث و لا حرج. فالظلام و التخبط و التبعية و الإنسياق بلا هدف.

و كما تفضلتم أيضا بذكره - فوضعنا الحالي غير مسبوق تاريخيا - فلم يحدث أن تفتت فكر مجتمع لهذه الدرجة القاسية - و يمكن لأي منا أن يعزل موقف ما في صراع ما أو معركة ما - لكي يدرس مدى إتفاقنا و نسبته كمجتمع - يعيش نفس الحدود الجغرافية.

شدة التعقيد و التناقض و اللايقين - هم سمات مجتمعنا بعصرنا هذا - لكن على المستويات المباشرة لكل قضية على حدة.

قد نتفق مؤقتا على موقف ما يشترك مرحليا في خدمة تكتيكات كل فريق على حدة - فرض جدلي نادر أو مستحيل على أرض الواقع - لكن لا يجب أن يخدعنا هذا الإتفاق في ظل تناقض و تناحر أهدافنا النهائية.
فإنقيادنا خلف هذا الإتفاق - سوف يوصل فريق منا و بالتأكيد - لعكس ما كان يهدف له نهائيا. بل و أكاد أجزم أنه لن يوجد فريق واحد سيصل لهدفه الإستراتيجي نهائيا.

و في ظل تلك الظروف فائقة التعقيد - حيث تعمل قوى عديدة غير موحدة المسار - بل و متناقضة أحيانا - على كائن واحد - يصبح من الحكمة محاولة دراسة محصلة كل هذه القوى و ليس كل قوة على حدة. و هذا لإستنتاج الهدف الإستراتيجي الحقيقي و المخادع غالبا لو كانت دراستنا من وجهة نظر قوة واحدة - الذي تسعى له محصلة تلك القوى و الذي يسير في إتجاهه هذا الكائن.

سوف نتفق مع جميع نداءات العزة و جميع الشعارات الدينية و القومية و الطائفية - و سوف نؤيد جميع المعارك و الصراعات.
لكن دعنا نسأل جميع الفرق:

ما هو هدفنا الإستراتيجي البعيد؟
ثم تباعا - هل تخدم تلك التكتيكات - و التي إتفقنا عليها مسبقا - هذا الهدف أو ذلك؟
و إذا كان الجواب بالنفي - فأين نتجه حقيقة؟
و هل نشهد مجتمعا و حضارة في طور الإنتحار و التلاشي المادي؟

لك دائما كل تقدير و إحترام ,,