نعم كان هناك أمارة عربية في الأحواز، ولكنها كانت أمارة قبلية في طور ما قبل الدولة الحديثة!

كيف؟

كانت كل قبيلة في الصحراء العربية لها أمارتها التي يرأسها شيخ القبيلة، وهو تقليد اجتماعي عربي لا يعني في عالم السياسة أكثر من تمثيل بسيط تستفيد منه السلطة السياسية بشكل أو آخر...

دعونا نطرح الأمر بشكل أوضح:

مبارك الصباح وخزعل الخزاعي كانوا أميرين على قبيلتين في الصحراء العربية المتاخمة للبصرة، وكانا يتلقيان المساعدات المالية والدعم العسكري من سلطنتهم المركزية العثمانية وذلك بمقدار 150 كارة تمر لكل منهما، يسلمهم إياها والي البصرة المعين من قبل الأتراك!

وقد أسهما لتفرة بتخليص الدولة العثمانية من قبيلة عربية متمردة هم بنو كعب!

بعد الاستعمار الإنجليزي تحول شيخي القبيلة من الولاء العثماني للإنجليز...

وكان الشيخ خزعل أكثر إعجابا وافتتانا بالإنجليز،

وقد شهدت إمارته طغيان النفوذ الإنكليزي، ومرابطة قواته البحرية على سواحلها. واشترك الشيخ خزعل في قمع حركات القبائل الثائرة في منطقته كما أسلفت. وامتازت علاقات الحرب وما بعدها بما كانت تمليه عليه بريطانيا من وجهات النظر. ولم يكن بوسعه تعدي الحدود التي رسمت له كشيخ قبيلة أقرب للبدائية -لا أكثر-!


في أمارة الشيخ سالم للكويت نجح الإنجليز في عمل شرخ بين قبيلتي خزاعة والصباح، لأن الإنجليز في عام 1913 وبينما كان يشتد قرع طبول الحرب في أوروبا وقعوا مع الأتراك اتفاقية تمنح الكويت الحكم الذاتي. وفي خضم الحرب التي قاتل فيها الأتراك إلى جانب الألمان اعترفت لندن بامارة الكويت وبحدودها واستقلالها عن الامبراطورية العثمانيلكن شيئا من هذا لم يحصل مع الأحواز لأنها كانت أدنى شأنا من الكويت آنئذ -ربما لأن أحدا لم يحسب حساب مخزونها النفطي الذي لم يكتشف إلا على يد شاه إيران رضا خان لاحقا....

الشيخ سالم خذل الشيخ خزعل فلم يلب له طلباً للسلاح، واعتذر متذرعاً بوجوب مراجعة الإنكليز في الأمر.

وهذا هو شأن القبائل البدوية على مر التاريخ، وهي على ضفاف دولة الفرس تحديدا بهذا الشأن منذ المناذرة، تعيش على الهامش، وتتنفس في الفضاء المتاح لها منهم فحسب ولا تتجاوزه!!


خلاصته:

لم تكن (عربستان) دولة بالمفهوم الحديث يوما...

وإيران ضمتها في عهد الشاه بناء على تفاهمات دولية...

ونحن لا نملك -واقعيا- أن نرفض كل ما كان مع أننا كنا نتمنى أن يكون أقل سوءا!!

يعني لو كنا نملك من الأمر شيئا لرفضنا حدود سايكس بيكو التي تأسست بموجبها دولنا الحديثة بما فيها العراق الذي كانت منه ولاية البصرة التي يتبعها الأحواز إداريا!

ولوكنا نملك من الأمر شيئا لشكلنا الخريطة السياسية العالمية بالطريقة التي تخالف ما يرديده سايكس بيكو قديما، وباول ورايس حديثا!!

غير أننا شئنا أم أبينا نعيش في هكذا واقع، وأعتقد أنه من العبث أن ينادي الأحوازيون بدولة مستقلة عن إيران، إلا إذا بررنا بنفس المنطق أن ينفصل الأكراد عن شمال العراق وسورية وإيران...

وبررنا بنفس المنطق أن ينفصل الأشراف في الحجاز عن شرق الجزيرة ووسطها!!!!

دعوا التاريخ يمضي في سياقه، وتحدثوا عن الحاضر بمعادلاته الجديدة، لأنكم لا تقوون على إعادة عجلة التاريخ...

بالمنطق التاريخي المثالي فإن دولة فلسطين أكذوبة، وسورية أكذوبة، والأردن أكذوبة ولبنان أكذوبة والعراق أكذوبة والكويت أكذوبة وكذا كل دولة عربية، لأن هذه الولايات وأرباع الولايات كانت جزءا من تقسيمات إدارية في السلطنة العثمانية والإمبراطوريات التي سبقتها...

العالم يتحرك، والأحداث تتوالد، وليس من المهم أن يرجع ما هو الآن إلى ما كان...

ولأجل هذا كله، فلا مرحبا بدولة عربستان!!

لا مرحبا بها إلا أن يكون الواقع القبلي الذي كان سائدا في القرن التاسع عشر هو الواقع المثالي الشرعي القياسي!!!


مع ترحيبي الأكيد بحق الأحوازيين والأكراد وسواهم بأن يتمتعوا بهوياتهم القومية في دولهم المتعددة الثقافة، وألا يجور أحد على الأقليات بما يسمى (ثقافة الأغلبية)!

ولنتذكر أننا ظلمنا الأقليات القومية كعرب أكثر مما ظلمتنا القوميات الأخرى كأقلية عربية!!

ما فعلناه في سورية البعث مثلا أننا جردنا مئات الآلاف منهم من جنسياتهم!

ما فعلناه في سورية والعراق أننا أجبرناهم ردحا من الزمن أن يسموا أنفسهم بالعرب الأكراد!!!!!


حرمناهم حتى في تركيا من تلفزة تبث لغتهم اقومية وثقافتهم وفولكلورهم حتى وقت قريب!!!


ثم بعد هذا نريد من القوميات الأخرى أن تحترم خصوصيتنا العربية في بعض الدول التي لا نتمتع فيها بأغلبية!!!!


قليل من العدل والموضوعية والواقعية لا يضر!

واسلموا لود واحترام(f)