أستضيف هنا هذه المقالة التي أراها موضوعية جدا و منصفة .
أيضا هي معزوفة أخرى من نفس اللحن العقلاني الذي حاولت قيادة هذا الشريط إليه و به .
هل يحقق «حزب الله» ما فشل الخميني في تحقيقه..؟
هدى الحسيني – الشرق الأوسط .
............................
صار في حكم المؤكد أن إيران هي القائد الفعلي للتحالف الثلاثي ما بين إيران وسوريا و«حزب الله»، وهي تعرف أن هويتها غير العربية تقف حجر عثرة أمام طموحاتها للسيطرة الكاملة إقليميا، لهذا تحاول أن تلعب، والى أقصى حد، الورقة الإسلامية ـ تصريح مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي: «إنه نصر للمسلمين»، ومعرض الكاريكاتير الأخير ـ في نظر إيران، أن الورقة الإسلامية تلغي من طريقها دولاً عربية مهمة مثل مصر والأردن والعراق كذلك، لكن طهران تواجه تحدياً كبيراً من المملكة العربية السعودية التي تعتبر بسبب هويتها الإسلامية والعربية، وأيضا قوتها الاقتصادية، زعيمة العالم الإسلامي. ومن المستبعد أن تقبل السعودية، حكومة وشعباً، بأن تشارك إيران في هذه الزعامة. ويعرف الإيرانيون صعوبة مواجهة السعودية على قيادة العالم الإسلامي، لهذا سيركّزون على استثمار ثورتهم، ومحاولة تصوير الرياض وكأنها تريد المحافظة على الأمر الواقع، لمعرفتهم الحدود التي يستطيعون المناورة عبرها بهدف دفع السعوديين عن هذه الزعامة. وتحاول طهران الوصول الى توافق ما مع الرياض، من هنا زيارات المسؤولين الإيرانيين المتتالية الى المملكة، وإبلاغها بما يتمنون تحقيقه دولياً بمساعدتها، وبما يتخوفون منه، وبجزء مما يتطلعون اليه إقليميا. نتيجة لهذا الواقع على الجانب السعودي سيصل الطرفان الى نوع من الحرب الباردة غير المعلنة بينهما، والتي ستستمر طويلاً ما دامت إيران على أهدافها.

منذ نجاح الجمهورية الإسلامية في إيران، وقادتها لا يترددون في إظهار كل أنواع البراغماتية في مختلف الظروف، من أجل تحقيق الهدف الأبعد. كما أنهم الأسرع في استغلال الظروف، المأساوية منها بنوع خاص، والتقرب من «الشيطان الأكبر»، إذا كان الأمر يعّجل في إحراج المناوئين في المنطقة، ويقرّب تحقيق الهدف. وكنا لاحظنا أنه بعد إحداث11 سبتمبر، أن الإيرانيين كانوا أول من أضاء الشموع على أرواح ضحايا زعيم «القاعدة» إسامة بن لادن، وخرجت يومها الصحف الإيرانية بعناوين: كلنا أميركيون، في وقت ارتبكت فيه السعودية من وقع تلك العملية الإرهابية التي شارك فيها 15 سعودياً من أصل19 منفذاً.

الآن، بعد الحرب التي سببها «حزب الله» في لبنان وأدت الى مواجهة مع الجيش الإسرائيلي، عادت الورقة الشيعية الى الواجهة، مضافاً إليها تنامي العلاقات ما بين إيران وشيعة العراق، وانتشار التأثير الشيعي في الخليج وصولاً الى باكستان وأفغانستان.

إن ما يحدث في لبنان والدور الذي يقوم به «حزب الله» هناك، خصوصاً إمداده من قبل إيران بالمبالغ الطائلة، والسلاح أيضا، للمحافظة على قاعدته الشعبية، قد يؤديان الى ما كان العرب حاولوا تناسيه أو اعتقدوا أنهم تجاوزوه. ويبدو أن «حزب الله» يمكن أن ينجح في ما فشل في تحقيقه الخميني نفسه بالنسبة الى العلاقة بالقضية الفلسطينية، التي يحاول الحزب جعلها قضية شيعية.

وبينما كانت القومية العربية نجحت في عدم الانجذاب الى ثورة الخميني الشيعية، يهدد الدور الذي يقوم به «حزب الله» الآن في نقل هذه الثورة الشيعية الى داخل الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الدعم الذي لقيه في الشارع السنّي العربي، وهذا ما تحاول إيران استغلاله سياسياً لتحقيق ما عجز الخميني عن تحقيقه في حياته، وهو تصدير الثورة وأن تكون إيران قوة كبرى في المنطقة.

وكي لا ننسى، فإن فكرة الثورة الخمينية لم تولد في مدينة قم الإيرانية، بل ولدت في حوزات مدينة النجف في العراق. ثم إن الشيعة العرب والإيرانيين يشتركون في زعيم واحد هو محمد باقر الصدر، واضع ولاية الفقيه، هذه الفكرة تكونت واكتملت في النجف، وتجسمت في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ومما لا شك فيه، أن السياسة الأميركية جعلت من العراق أول دولة عربية تحت سيطرة شيعية، وهذا أطلق أحلام 150 مليون شيعي في العالم. وحسب ما كتبه الخبير في الشؤون الإيرانية والشيعية، البروفسور والي نصر، في العدد الأخير من «الفورين أفيرز»، فإن نسبة الشيعة في العالم هي كالتالي:

إيران 90%، أذربيجان 75%، البحرين 75%، العراق 65%، لبنان 45%، الكويت 30%، باكستان 20%، أفغانستان 19%، قطر 16%، السعودية 10%، دولة الإمارات العربية المتحدة 6%، وسوريا 1%.

وكما يقول، هناك مجموعات أخرى من الشيعة مثل العلويين في تركيا وسوريا، والإسماعيليين الذين يعتبرون الآغا خان زعيمهم وموجودون في سوريا، ونسبة اكبر في أفغانستان وباكستان. وكان النجاح الوحيد الذي حققه الخميني في تصدير ثورته قد تم في لبنان، بعد وفاته وعبر إنشاء «حزب الله».

في السنوات الأخيرة حاول الحزب أن يظهر في لبنان بشكل حزب سياسي، وجزء من السياسة اللبنانية، إنما مع إبقائه على كل أسلحته التي ظهرت قوتها وعدم دقتها في الحرب الأخيرة، ومع أن له أعضاء في البرلمان اللبناني ووزيرين في الحكومة، إلا أنه لم يتخل عن شخصيته الأممية. هو يردد مثلاً: انه المقاومة الإسلامية في لبنان. وليس كما يحاول بعض الإعلام العربي التخفيف بالقول: المقاومة الإسلامية اللبنانية، وأحيانا، تسقط كلمة الإسلامية عن المقاومة.

من المؤكد أن كل الحركات في الإسلام السياسي تعتبر أنه لا بد من التغلب على الدولة كي تحل محلها الأمة. وأثناء الحرب الأخيرة في لبنان كانت كل خطب السيد حسن نصر الله تتضمن كلمة الأمة: أهدي النصر الى الأمة، إنها حرب من اجل الأمة «شاء اللبنانيون أم أبوا». وربما أخطأ الرئيس المصري حسني مبارك عندما قال يوم الأحد الماضي: «إن «حزب الله» جزء من النسيح اللبناني». أخطأ بمعنى أن «حزب الله» يريد تذويب النسيج اللبناني بالأمة. والأمة التي طرحها الخميني ويتطلع اليها الشيعة تقوم على إلغاء الحدود، وإقامتها أولاً من إيران حتى لبنان، مروراً بالعراق والبحرين. ولاحقاً قد تنضم اليها أجزاء من دول أخرى أو دول بكاملها. أما الأمة بالنسبة الى السنّة فتكون بإعادة الخلافة.

في المرحلة الآنية، وبعد تصوير تدمير لبنان بأنه ثمن بسيط مقابل صمود «حزب الله»، استعاد النشاط الثوري الشيعي، كما في بداية الثمانينات، إعجاب بعض السنّة. وما علينا إلا مراقبة تحركات وتصريحات الإخوان المسلمين في مصر والأردن. إذ، بالنسبة الى بعض المنظرين السنّة في صفوفهم، يمكن أن توفر الثورية الشيعية النموذج لدولة إسلامية، وهذا حلم عجز الإخوان المسلمون عن تحويله الى حقيقة، ويرونه اليوم قد أصبح أقرب من قبل.

إن الانتصار الذي حققته إيران عبر ما حدث في لبنان ـ حرب تدميرية وتوفير المبالغ لاحقاً في صندوق «حزب الله» كي يبقى عائماً على سطح الأحداث ـ وما سيحدث لاحقاً، يحمل خطر تشجيع الإرهاب السنّي على استعادة نشاطه، وكانت برزت المنافسة «التلفزيونية» بين السيد حسن نصر الله من جهة وأيمن الظواهري من جهة أخرى، الذي أتحف المشاهدين أولاً بدعوة المقاتلين الإسلاميين الى الانضمام الى صفوف مقاتلي «حزب الله» لقتال إسرائيل على الجبهة اللبنانية، ثم كانت رسالته التلفزيونية الثانية بعد الخطاب الثاني لأمين عام «حزب الله». لكن، لم ينس الشيعة شريط الفيديو الذي بثه أبو مصعب الزرقاوي قبل مقتله، وفيه يتهمهم بأبشع الصفات، ثم إن «القاعدة» ومن يقف معها من العراقيين يعتبرون أن صعود الشيعة الى قمة السلطة السياسية في العراق، حدث غير شرعي ويجب القضاء عليه.

إن استعادة إيران لحيويتها في إعادة تصدير ثورتها سيؤدي لا محالة الى مواجهة سنّية ـ شيعية. العارفون في الشرق الأوسط متخوفون من هذا الاحتمال، ثم إن محاولة «حزب الله» عبر خالد مشعل في دمشق، السيطرة على القضية الفلسطينية، سيشد كل «حماس» الى هذا الفلك. تنظيمياً، إن «حماس» هي نسخة طبق الأصل عن «حزب الله»، وما أقدم عليه «حزب الله» من خطف للجنديين الإسرائيليين وقتل ثمانية لتخفيف الضغوط اللبنانية عنه من أجل نزع سلاحه، كان نسخة طبق الأصل عما أقدم عليه مشعل. إذ كانت لسلطة الفلسطينية ورئيس الحكومة عباس هنية (من حماس) توصلا الى اتفاق لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل من أجل التوصل الى تحقيق معادلة الدولتين المستقلتين، وإطلاق سراح السجناء، وهؤلاء كانوا أصدروا «وثيقة الأسرى»، تم التوقيع على الاتفاق بين محمود عباس الرئيس الفلسطيني وهنية، عند منتصف ليل 22 يونيو الماضي، وتم إبلاغ مشعل به، وكان رده انه أمر الجناح العسكري التابع له بنسف الاتفاق عبر عملية ضخمة، وفي الساعة الرابعة من فجر 25 يونيو جرت عملية عسكرية قتل خلالها جنديان إسرائيليان وخطف واحد. ولا تزال غزة تدفع ثمن تلك العملية. وصباح 12 يوليو قام «حزب الله» تقريباً بعملية مماثلة أدت الى تدمير لبنان.

في السابق كانت القومية العربية وقود المقاومة الفلسطينية، واليوم يحاول الراديكاليون الشيعة الإمساك بزمام القضية وتحويلها الى ورقة أخرى من أوراق الصراع الإقليمي. وهنا يبرز إما التخطيط السوري، أو سوء الحسابات، كما يبرز رفض مشعل وقوف أي شيء أمام طموحه. و«حزب الله» و«حماس» يرفضان وجود إسرائيل. أما سوريا فإنها ترفض أن تغلق الباب في وجه مفاوضات سلام بينها وبين إسرائيل.

من جهتها، تشعر «القاعدة»، رغم كل الإرهاب الذي نشرته في العالم، بأنها أسقطت الورقة الفلسطينية، وهي بسبب كراهيتها للشيعة قد تجد في لبنان المنفذ الذي تريده للوصول الى جبهة مواجهة مع الشيعية القوية المتمثلة في «حزب الله»، والى جبهة مواجهة مع إسرائيل، على أساس أن لا أحد سينتقدها، أو من سيتهمها بأنها منظمة إرهابية، إذا كانت تقاتل إسرائيل، فهي رأت الاحتفالات التي عمت الشارع السنّي بانتصار «حزب الله»، ثم إن أحد كبار رجال الدين السنّة، الشيخ يوسف القرضاوي، دعا من القاهرة الى ضرورة وجود «حزب الله» في مصر والأردن ودول أخرى.

في الأشهر المقبلة، قد تزداد حدة معارضة «القاعدة» لأهداف «حزب الله»، وقد يكون لبنان ساحة لهذا الصراع الذي قد يتمدد الى العراق حيث لا تختلف ميليشيا مقتدى الصدر كثيراً عن «حزب الله».

الأهم في كل هذا، أنه عبر العراق سيقوى وضع إيران وتصبح «اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط»، فهي، رغم قراراتها التكتيكية باللعب من وراء الستار في العراق، اشتمت رائحة الدم في لبنان وشنت هجوماً عن طريق «المال»، بعد تأكدها من أن أحداً لا يجرؤ على المطالبة بنزع سلاح «حزب الله».

إن لبنان لا يزال مهدداً، فإذا لم تقم فيه حكومة قوية جداً ويهرع العالم الى مساعدته مالياً وتقوية جيشه، والى تطبيق قرارات مجلس الأمن، وإذا لم يواجه بقية أبنائه سياسة «حزب الله»، وتتم المحافظة على نسيجه المتنوع المنفتح الذي يرفض السواد وتفكير «الغيتو»، تكون إيران قد نجحت أخيرا، في تصدير ثورتها مع ما سيتركه هذا من انعكاس على الوضع في الأردن، ومصر، وفلسطين، وسوريا، ودول الخليج. لكن في النهاية نكون قد خسرنا لبنان.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	العمل المسلح .. الأهداف والجدوي .. منتصر الزيات	skeptic	1	786	02-25-2007, 11:43 AM آخر رد: skeptic