{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #39
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود

[CENTER]الحج ( 3 )

إنها لجاجة العقل .. و هي سلسلة من الخرائب المنطقية لابد أن نمر بها في معراجنا للوصول إلى الحقيقة .. و هذا عيب العصر الذي يدعي فيه العقل كل شيء .

و عصرنا للأسف عصر العلوم الوضعية و المنطق الوضعي .. هو عصر الألكترونيات و الكهرباء و الكيمياء و الطبيعة .

[SIZE=4]و الواحد منا في بداية تلقيه لهذه العلوم الوضعية ، و لفرط انبهاره بها و بمنجزاتها يتصور أنها علوم كلية يمكن أن يناقش بها الأمور الكلية مثل الوجود الإلهي فيقع في خطأ من يحاول أن يقيس السماء بالشبر و يزن الحب بالدرهم .

و تمضي عليه سنوات من التمزق و المعاناة قبل أن يكتشف أن الطبيعة و الكيمياء علوم جزئية تبحث في المقادير و العلاقات و اختصاصها هو القضايا الجزئية ، و هي لا تصلح بطبيعة معاييرها للحكم على الدين لأنه قضية كلية .الدين هو العلم الكلي الذي يحتوي على كل تلك العلوم .. في حين لا يحتوي عليه أي منها .

و عندنا نور آخر نستدل به على الحقيقة الدينية ، نور القلب و هدى البصيرة و استدلال الفطرة و البداهة .
هنا نور نستشف به الحقيقة بدون حيثيات .
هنا منطقة في الإدراك هيأها الله للإدراك المباشر .
و هي مرتبة أعلى من مراتب الشعور العادي .
و كما أن العقل أعلى في الرتبة من حاسة مثل الشم و اللمس ، كذك البصيرة أعلى في الرتبة من العقل و من الإدراك بالمنطق العقلي الجدلي .

و البصيرة هبة متاحة لكل منا ، و لكن صدأ العرف و التقليد و الادعاء العقلي ، و الأحكام الجاهزة الشائعة ، هذا عدا الغرور و ظلمة الشهوات و الرغبات و سعار الأحقاد و المطامع .. كل هذه الغواشي ترين على مرآة البصيرة فتحجب أنوارها الكاشفة .

و يمضي العمر و الإنسان يصارع هذه الرغبات و يتمزق ، و يعاني و يسأل و يتساءل و يحفر في داخل نفسه حتى تنتهك الأستار ، و تنجلي الغواشي ، و يبدأ يدرك الحقيقة بهذه الرؤية الكلية التي هي هبة بصيرته .

و هنا يبدأ يعرف ما هو الدين .

و قد يرى بالبصيرة من لا يحمل الشهادات .
و قد تعمى بصيرة المتعلم المؤهل في الجامعات .
و جلاء القلب فضل إلهي قد يوهب و قد يكتسب ، و لا توجد شروط في المعارف الإلهية ، و هذا الهندي المسلم الفقير الحافي العاري الغارق في دموعه قد يعرف عن الله أكثر مما نعرف نحن
الذين نكتب في الدين و الله .

و ربما لو سألته عن شعوره لما استطاع أن يشرحه في عبارات مثل العبارات المنمقة التي نكتبها .. و هو أمر لا يهم .. فالمعارف العالية قد تعلو على العبارة و قد تعجز عنها الإشارة .. فلا يبقى إلا الصمت و الدموع .
و لهذا هم يبكون على عرفات في لحظة لقاء مع النفس و الله .. تبدو فيها الكلمات مبتذلة .. و اللسان عاطلا ، و العبارات خرساء ، فلا تبقى إلا الدموع ، و هي دموع فرح و حزن و ندم و توبة و تطهر و ميلاد .

و هي فجر روحي يعرفه من جربه .

و قد توحي اللحظة الواحدة و الظرف الواحد بشيئين مختلفين تماما و ربما متناقضين ، فحينما كنا نطوف بالكعبة في زحام من ألوف مؤلفة ، كان صديقي يلهث مختنقا و كل ما يخطر له بالمناسبة هو تخيله لو كانت هذه الكعبة في أوروبا في برلين مثلا ، إذن لاختلف الأمر و لطاف حولها الأوروبيون في طوابير منظمة لا يزحم فيها الواحد الآخر .. بينما كنت أنا أنظر إلى الألوف المؤلفة التي تدور كالذرات البيضاء و أرى فيهم الملايين بلا هوية ممن حجوا و طافوا و عاشوا و ماتوا .. أرى فيهم أبي و أمي .. كانوا هنا يطوفون منذ سنوات في هذا الزحام نفسه .. و من قبلهم جدي الذي جاء إلى هنا على ظهور الإبل .. ثم الأجداد .. و أجداد الأجداد من قبل إلى أيام النبي الذي خرج من مكة مهاجرا و عاد إليها فاتحا .. كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي و في خناق الزحام نسيت نفسي تماما ، و فقدت هويتي ، و لم أعد أعرف من أنا .. هأنذا قد مت أنا الآخر .. و هذا ابني يطوف و يذكرني و هو يطوف ، ثم يموت ذات يوم و يصبح هو الآخر ذكرى .. كانت لحظة روحية شديدة التوهج فقدت فيها إحساسي بذاتي تماما ، و غبت عن نفسي و امتلأت إدراكا بأنه لا أحد موجود حقا سوى الله .. و تذكرت السطر الأول من قصة الخلق .

في البدء كان الله و لا شيء معه ..
( حديث نبوي شريف بدون زيادة : في البدء - داعية السلام )

و في الختام يكون و لا شيء بعده ..

هو الأول و الآخر ..

هو ..

نعم هو و لا سواه .

كانت لحظة من المحو الكامل لكل شيء بما في ذلك نفسي ذاتها ، في مقابل ملء مطلق لموجود واحد مطلق هو الله .

( أقول : بالله العظيم أن من ذاق طعم تلك اللحظة لابد وأن تنفجر عيناه أنهارا من الدموع المصحوبة بلذة روحية عارمة وراحة وسكينة نفسية عجيبة لانحصل عليها إلا نادرا لحظة الحضور مع الله فقط - ودعك ساعتها من الذين يقولون أن فكرة الله وهم منشؤه الخوف الانساني القديم وتلك السخافات والمقولات الطفولية المضحكة التي لاتثبت أمام تيار الجلال والعظمة الذي يسري في كل ذرة في جسدك وقلبك ساعتها , إنها لحظة دهشة ..وفغر للأفواه والعيون .. وأيضا لحظةرقة وذرف للدموع وسكووون ! سكون نفسي وشعور بالامان لايوصف وسوف يعبر د. مصطفى عما أريد أن أقوله بما سوف أظلله لاحقا بالأحمر- داعية السلام . آسف على الاطالة )

و بالرغم من الإحساس بالغياب فإنه كان إحساسا في الوقت ذاته بالحضور .. الحضور الشامل المهيمن المالئ لكل ذرة من الشعور .. حضور ماذا .. ؟

و أحار في وصف تلك اللحظة و لا أجد الألفاظ و لا العبارات و أكتفي بأنها أعمق ما عشت من لحظات .

إنها أشبه بعدة ستائر تفتح متتالية بعضها من وراء البعض .. تفتح ستارة لتكشف عن مسرح صغير هو الواقع الفردي بتفاصيله ، ثم تفتح ستارة في العمق لتكشف عن واقع آخر خلفي كبير ، هو الواقع التاريخي يبتلع الواقع الأول بما فيه ، ثم تفتح ستارة ثالثة في العمق البعيد تكشف عن حقيقة الحقائق التي يبهت أمامها كل شيء .

هو إحساس ديني يصعب تصويره في كلمات .
هو أشبه بموقف مقاتل على الجبهة .

إنه في تلك اللحظة ينسى همومه الصغيرة .

هموم وطنه تبتلع همومه .
و جراح وطنه تبتلع جراحه فينسى مشكلات بيته الصغير و يذوب في مشكلات مجتمعه الكبير .
هناك حضور أكبر ابتلع الحضور الأصغر .
و بالمثل لحظة الوقوف في حضرة الله .
هنا الحضرة العظمى .. حضرة الحق .
و هي حضرة هائلة تذوب أمامها الحواس تماما .

يفنى الواقع الصغير .. واقع النفس و مشكلاتها اليومية .. ثم الواقع الزمني المحيط بتفاصيله .. ثم الواقع التاريخي كله .
ثم يكون فناء النفس ذاتها في لحظة احتواء كامل من ذات عظمى مهيمنة .

هي لحظة حب صوفية نعرفها في الحب .. و يرويها لنا المحبون .
و الحب البشري لا شيء بالنسبة للحب الإلهي .
و جمال امرأة لا شيء بالنسبة للجمال المطلق الكلي ..

أين كان صديقي من هذا كله ..

:redrose:





09-13-2006, 10:21 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
من أروع ماكتب الدكتور مصطفى محمود - بواسطة داعية السلام مع الله - 09-13-2006, 10:21 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  من سلبيات الخطاب الإسلامي المعاصر/ الدكتور عصام البشير فارس اللواء 0 1,197 01-03-2012, 09:16 PM
آخر رد: فارس اللواء
  انتفاضة البحرين وآفاق الحوار/ بقلم محمود إسماعيل فارس اللواء 0 1,130 09-13-2011, 12:27 PM
آخر رد: فارس اللواء
  رد الدكتور سليم العوا علي الشيخ حازم شومان بشأن أفكاره عن الليبرالية فارس اللواء 5 3,055 08-03-2011, 09:05 PM
آخر رد: فارس اللواء
  مؤمن مصلح يسأل هل سمعتم عن الدكتور داهش؟ مؤمن مصلح 20 6,987 06-24-2011, 07:42 AM
آخر رد: Rfik_kamel
  الدكتور مهاتير محمد نجاح بلا حدود السيد الحسيسى 0 1,454 01-14-2011, 01:25 AM
آخر رد: السيد الحسيسى

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS