الزملاء الكرام تحية طيبة لكم جميعاً .

اسمح لي أخي خالد بهذه المشاركة المتواضعة جداً والتي أرجو أن تعتبرها خاطرة عابرة تمر والسلام .

باختصار ، أعتقد أننا يجب أن ندرك في البداية أن ( الروح ) المكنونة في الإنسان والحيوان ، هي مادة ( ميتافيزيقية ) خارجة عن حدود الطبيعة مطلقاً ، وهذا يتضح جلياً في حالة إذا ما أجرينا دراسة طبية دقيقة على كل جزء وجزيئة في الإنسان في حالة موته ، الذي هو فقدان الروح ، إذ أن هذا الجسم لا يفتقد مادة معينة بعد الوفاة إطلاقاً ، فأنت ترى أن كل مجموعة الأعضاء التي كانت في الجسم حتى خلاياه وذراته وكل جزء كبير وصغير ما زال موجوداً فيه حتى بعد وفاته ، دون أن يفقد هذا الجسم شيئاً من جزيئاته الصغيرة ، وبالتالي فإن الذي يمكن تحديده هنا قد فارق الجسد هي ( الروح ) التي هي طاقة هذا الجسم ومصدر حركته الدائمة ، لذا فإن ( الروح ) ليست إحدى أجهزة وظائف الإنسان الفسيولوجية يمكن التحكم بها وتوجيهها أو العبث بها وإجراء التجارب حولها .

وهذا يعني بتقديري الخاص أن المادة الوحيدة الميتافيزيقية التي يمكن أن ندرك وجودها بطريقة علمية هي ( الروح ) فقط ، أما بقية الموجودات كالله والملائكة مثلاً وما شابه ، فهو لا يتم إلا عن طريق استنتاجات فلسفية ودراسات نظرية فقط ، ولا يمكن إثباتها بدراسات تطبيقية كما هو حال الإنسان ، فاكتشافنا للروح كان بواسطة ما نشاهده ونلمسه في كافة البشر إذ أن هناك شيئاً ما يذهب بعيداً ويترك جسداً ممدداً كاملاً متكاملاً لا ينقصه شيء سوى مصدر الحركة .

ولكي نتعرف على الروح يجب في البداية أن تحاول عزلها كلياً عن باقي الأعضاء الجسمية والجسدية ، وهذا لا يتم إلا عن طريق واحد يتطلب منك : أن تستعرض شريط حياتك بأكملها ، منذ إدراكك ووعيك لما حولك ، حتى الآن وقراءتك لهذه الكلمات . فإذا تدبرت ملياً وركزت في التفكير جيداً ، فستدرك حينها أن هناك أموراً كثيرة قد تبدلت وتغيرت في حياتك ـ تماماً ـ منذ الصغر إلى الآن ، وأولها ـ طبعا ـ جزيئات الجسم وأعضاؤه التي تشاهد اختلافها واضحاً وجلياً ، فالأعضاء الآن هي غير تلك الأعضاء التي كنت تمتلكها صغيراً ، ليس هذا فحسب ، بل هناك الكثير والمهم ، فالتفكير لديك اختلف عبر مرور الزمن ، ففهمك للأمور وإدراكك للأشياء وتفسيرك لما حولك هو الآن مختلف جداً عما كنت عليه سابقاً ، إذاً الأعضاء الجسدية والإدراك ( وهو العقل ) قد تغير تماماً وتبدل ، كذلك وإن تتبعنا بقية المشاعر والعواطف الإنسانية فالحب والبغض والرحمة والحقد والحزن والفرح ... إلخ ، كلها أشياء لا تبقى مستقرة على مستوى معين عبر مرور السنوات ، بل هي متقلبة ومتغيرة خاضعة لتصاريف كثيرة ومؤثرات خارجية مختلفة يبقى الفكر دائماً هو من يقوم بتوجيهها .

أما حينما تعيد شريط حياتك مرة أخرى بتأمل شديد ، فإنك لا محالة ستدرك وقتها أن هناك شيئاً ما يسير معك دائماً ـ ودعني أسميه ( شيء ) ـ هذا الذي تراه لا ينفك عنك إطلاقاً ولم تره يتبدل أو يتغير أو يصيبه تحول طفيف ، هذا ( الشيء ) الذي يلازمك وتشعر أنه لم يفارقك لحظة ، مازلت تتأمله الآن وقبل سنة وسابقاً هو هو ، في وعيك ولا وعيك ، تشعر أنه معك الآن وتشعر أنه معك في الأمس وغداً ودائماً حتى في منامك ، لا يكاد ينفك عنك ، فهو لن ينفك عنك حتى مستقبلاً ولن يصيبه طفيف تغيير ، سيظل معنا يلازمنا ويرافقنا دون أن يكون له وقع تأثير خارجي أو داخلي .
هذا الشيء الملازم لنا بامتداد حياتنا ، هو ما يمكن أن نسميه بالروح الباقية ، والتي يمكننا أن نستشعرها من خلال التأمل فقط لا غير .

أما الحديث عن ( النفس ) وكيف يحاول البعض تجزئة الإنسان إلى : جسد ونفس وروح ، فهذا بالنسبة لي شيء غريب ، حيث إن فصّلنا الكلام في الجسد ، والروح ، كل على حده ، فلن يبقى شيء يمكننا أن ننسبه للنفس ، فأغلب ما نقرأه من أحاديث عن النفس البشرية ، لا تعدو أن تكون مجرد تسمية لا نعرف ما يقصد المتحدث من وراءها ، إذ أن الكثير يطلقها ويريد بها حقيقة الجسد مثل : احفظ نفسك من الغي . وهنا تكون النفس بمعنى الجسد ، لأن الجسد يشمل الحواس والعقل والإدراك .

وتحياتي للجميع .