(3)
في البحث عن الحب
استيقظ منذ لحظات، انتبه لموبايله الذي يشير لوصول sms جديد، قرأه بانشراح مستمتعاً بعذوبة الكلمات التي به عدة مرات، أزاحه واضعاً إياه بجانبه، وعاد ليتمطط والوسن ما زال يداعب عينيه، ضم المخدة وأحلامه ثم أغلق عينيه على أمل جديد.
رنّ المنبه للمرة العاشرة، لم يكن لديه الرغبة بالاستيقاظ ومواجهة هموم الحياة اليومية.
التقى بأصدقائه البارحة، واستغرب حين اكتشف بأنه لم يعشق فعلاً يوماً، لم تتركه فتاة، لم يحس بمشاعر الشغف، تكررت كلمات هاربة وأحرف تتساقط في داخله، وراء بعضها هاربة "ه ر و ب"، أنت تتهرب من الحب كأنك تخشاه.
في الفلسفة قرأ يوماً بأن الجنس هو أمر لا نخشاه في خضم الحضارات الحديثة لأنه يعبر عما هو طبيعي، إنه يعبر عن القوة بامتياز، بينما الحب هو إعلان ضعف، هو مخاطرة فعلية، "ويحي!" قال لنفسه، "أكتب عن الحب منذ أبد الدهر ولم أعرفه يوماً"، تفاجأ بهذا الاكتشاف الخطير الكئيب.
الحب ضعف! هذا صحيح، لكننا نتوق له كلنا، نريده أن يدق قلبنا، وحين يتبدى لنا في الحقيقة لا بالحلم، نخشاه، نخاف مما سيفعله بنا، فنهرب أحياناً جبناً. "ذلك الحب الحقيقي هل عرفته حقاً؟" قال لنفسه مجدداً.
عاد من حلمه ومخدته وآماله التي كان يضمها، واستيقظ مقرراً هذه المرة أن يغادر السرير، وضع "نعليه" في قدميه، وقف وشعره منكوش وأكتافه مترهلة وفمه متثائب، أخذ دوشاً دافئاً، حلق ذقنه مع الإبقاء على "السكسوكة" بانتباه، فرشى أسنانه، قص الشعيرات من حول أعضائه الجنسية بحذر شديد، جفف شعره بعناية ووضع بعض الكريمات على شعره ووجهه وحول عينيه، نظر لنفسه بالمرآة مكتشفاً العمر الذي اجتاحه مع سنين المعاناة، فهذه شعرة بيضاء هنا، وهذه تجوفات بالعين من هناك، ثم ركض نحو مرآة الحائط ليراقب حجم كرشه، يبدو أن الـ "ريجيم" الذي يتبعه مع الركض اليومي أتى بنتيجة، فلقد اختفى تقريباً ذاك "الكرش" الذي نبت له منذ أيام.
انتبه أن الانقلابات الحضارية مازجت بين الأدوار النسوية والرجولية، لم يعد هناك فرق في الاهتمامات، وبالذات في هذا البلد الغربي، كلها حركات وفنون حياة نشتغل عليها اليوم، كما اشتغلت عليه النساء دهوراً، فنعاني معاناتهن إذاً.
لكن كل ذلك ينتمي لعالم الجنس، لعالم الطبيعي المتحضر، وليس لعالم التجريد والحب والمعاني السامية.
"أعرف أعرف، ربما ليس لذاك وجود، ولكننا خلقناه كما خلقنا الشوكة والسكينة" عاد يهذي مع نفسه هكذا!
قرأ في الأيام الأخيرة عشرات التعريفات للحب، مئات القصص عنه، وكلٌّ يصور الحب على طريقته ومن خلال تجاربه الخاصة، فتساءل : "وماذا عن تجاربي أنا؟"، ما يقوله الآخرون ينتقل من نقيض لنقيض، كلنا يتفق على وجود شيء اسمه "حب"، بينما لا أحد يتفق على تعريفه، "ربما لأن ليس له تعريفاً" كرر هكذا هذيانه للمرة الألف.
كان قد أكمل - تقريباً- تحضيره ولبسه حين رنّ هاتفه، ركض نحوه بلهفةٍ مرتطماً بكرسي مرمي في وسط الصالون، وبعض "الكريمات" ما زالت ملتصقة بيده، مسحها بسرعة بقميصه، وانتبه وهو يرفع السماعة أن قدمه اليسرى ما زالت حافية، استجمع قواه كلها، وتعمّد بالوقار، تنحنح وقال "آلو".
جاءه الصوت الرقيق الدافئ من بعيد ليذيب كل أفكاره السابقة وتشنجاته الحضارية وتساؤلاته الفلسفية وأجاب برقة وحنان وقلب نابض : "أحبك".
الأغنية المرافقة:
إنتــي
إنتي فرحي اللي عاش يا عنيَّا
وانتي بكره اللي غيَّر فيَّا
وانتي ده انتي اللي خايفه عليَّا
ياه .. للحنان باشتاق
في عيونك كلام ينده لي
في عيونك طريق أحلام
ده الحلم الجميل موصوف لي
إخطفني أوام
في شفايفك ده لون مرسوم لي
والبسمه اللي حاضنه هواه
دنا عاشق كلامك كلِّي
إخطفني أوام
تاني .. حنعيش الفرح تاني
وحروَّرق لك زماني
ونعيش نفس الحنان
ليله .. وحنحلم كل ليله
ولا ألف وألف ليله
ونغيَّر في الزمان