الحل المتوازن: بقاء لحود وحكومة السنيورة أو تغييرهما في آن واحد
هل يسحب "حزب الله" وزراءه بعد رمضان ؟

بعدما دعا الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في "مهرجان الانتصار" الى اقامة الدولة القوية العادلة فان السؤال المطروح في الاوساط الرسمية والسياسية والشعبية هو: كيف تقام هذه الدولة ومن هم أركانها، ومن أين تبدأ اقامتها؟
السيد نصرالله يرى البدء باقامة هذه الدولة بتشكيل حكومة وحدة وطنية لانها تستطيع الاضطلاع بالمهمات الصعبة واتخاذ القرارات المهمة التي لا تستطيع الحكومة الحالية اتخاذها فيما ترى قوى 14 آذار ان اقامة الدولة القوية العادلة تبدأ من رأس الهرم أي من رئاسة الجمهورية. الامر الذي يجعل الخلاف يبدأ من هنا، ويخشى اذا ما استمر ان تبقى البلاد من دون دولة ومن دون حكومة خصوصا اذا قرر السيد نصرالله سحب وزيريه وتضامن معه الرئيس لحود في سحب وزرائه لتصبح الحكومة مستقيلة حكما.
وفي اعتقاد بعض المراقبين ان شهر رمضان سيكون شهر اتصالات وتأمل في مرحلة ما بعد هذا الشهر، أي تشرين الثاني، فاذا تبين انه يتعذر تشكيل حكومة وحدة وطنية، فان الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قد يتخذ من ذلك ذريعة لسحب وزيريه الامر الذي يدخل البلاد في أزمة حكم، وقد يكون هو المطلوب، لأن الكثيرين يعلمون انه يصعب تشكيل حكومة جديدة، خصوصا في أجواء سياسية مشحونة وحملات كلامية متبادلة واتهامات توجه الى بعض أركان قوى 14 آذار، مما يزيد عملية التشكيل تعقيدا وتعجيزا. ولأن المطلوب احداث أزمة حكم بذريعة عدم تشكيل حكومة وحدة وطنية وعندما تقع هذه الازمة، فالغاية من احداثها ليس تعطيل تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي فحسب بل تعطيل تنفيذ القرار 1701 لعدم وجود حكومة تطلب من القوة الدولية مساعدتها على ممارسة سلطتها على كل الاراضي والسماح لهذه القوة باتخاذ كل الاجراءات اللازمة في كل القطاعات التي تنتشر فيها ومقاومة المحاولات التي تهدف الى منعها بالقوة من القيام بواجباتها في اطار التفويض الذي منحه اياها مجلس الامن الدولي، وتقديم المساعدة الى الحكومة اللبنانية بطلب منها، أي من الحكومة لضمان أمن حدودها ونقاط الدخول بما يمنع دخول أسلحة او معدات من دون موافقة الحكومة.
ولأن تنفيذ بعض بنود القرار 1701 لا يتم الا بناء على طلب الحكومة اللبنانية فان شل عمل الحكومة الحالية باستقالة وزراء او بتشكيل حكومة جديدة تكون الاكثرية فيها من خط سياسي آخر، او تعذر تشكيلها وحدثت أزمة حكم فهذا من شأنه ان يعطل تنفيذ هذه البنود لعدم وجود حكومة تطلب من القوة الدولية مساعدتها على تنفيذها.
وتتساءل اوساط قوى 14 آذار لماذا يريد السيد حسن نصرالله ان يبدأ قيام الدولة القوية العادلة بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وليس بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، باعتبار ان الدولة تبنى من فوق خصوصا ان غالبية القوى المسيحية تشكو من فراغ معنوي في الرئاسة الاولى، وهو فراغ لا يملأ تمثيل هذه القوى في الحكومة بل برئيس للجمهورية يمثل هذه القوى تمثيلا صحيحا وينهي الكلام على التهميش. فالحكم يقوم على ثلاث ركائز برئاسة الجمهورية وهي شبه معطلة ورئاسة المجلس ورئاسة الحكومة، فلا يجوز ان يبقى الخلل قائما، بحكم يقوم على ركيزتين فقط.
وتتساءل الاوساط نفسها، أليس أسهل على كل القوى السياسية الاساسية في البلاد ان تتوصل الى اتفاق على رئيس جديد للجمهورية، من الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية يتطلب تشكيلها الاتفاق على كل وزير فيها وعلى كل حقيبة وعلى برنامج هذه الحكومة. ولماذا مطلوب تغيير الحكومة وغير مطلوب تغيير رئيس الجمهورية، فاذا كانت الحكومة محسوبة على قوى الاكثرية، فان رئيس الجمهورية محسوب على القوى الاخرى، وينبغي تحقيقا للتوازن التوصل الى حل يقضي بتغيير رئيس الجمهورية وتغيير الحكومة، او ببقاء رئيس الجمهورية وبقاء الحكومة وهي المعادلة المقبولة والمتوازنة.
ويقول وزير الاتصالات مروان حماده في حديث له: "لو كانت الغاية من تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحقيق الوحدة الوطنية الحقة على أساس اتفاق الطائف وعلى قاعدة سلطة الدولة على كل الاراضي وعلى كل السلاح وعلى القرارات، لكنا أول من رحب بهذه الحكومة، أما ان تكون الدعوة فقط للتخلص من حكومة قائمة تتمتع بالاكثرية البرلمانية ديموقراطيا وتحظى باحترام العالمين العربي والدولي وساهمت في تحقيق انتصار عسكري يحصن ويكرس الصمود الرائع للمقاومة وللبنانيين جميعهم، فالفكرة مرفوضة لان اللعبة البرلمانية والقواعد الديموقراطية تفرض ان تسقط الحكومة امام اعتبارات محددة في الدستور. فالحكومة إذاً باقية دستوريا حتى انتهاء عهد الرئيس لحود، فاذا قبل ان يعتزل الحكم ويوفر على البلاد مزيدا من الانتظار القاتل، يذهب الرئيس لحود فتستقيل الحكومة وتؤلف حكومة جديدة وفق القواعد الدستورية عند تغيير رئيس الجمهورية، ولا أحد يستطيع ان يقلب اوضاعا ديموقراطية في لبنان ولا إحداث تغيير بواسطة الشارع لان الشارع في لبنان شوارع".
ويرى الوزير حماده ان البلاد محكومة الآن وحتى اشعار آخر بمعادلة بقاء لحود وبقاء السنيورة، وبقاء حزب الله في الحكومة وبقاء العماد عون في المعارضة.
الواقع انه لا يمكن تغيير هذه المعادلة من طرف واحد أي تغيير الحكومة بدون تغيير رئيس الجمهورية، فاما يصير اتفاق على تغيير كليهما، واما تواجه البلاد انشقاقا كبيرا ومخيفا بين قوى 14 آذار و"حزب الله" وحلفائه، وأن يؤدي التصعيد لا سيما في الخطب والتصريحات الى أزمة حكم، وهو ما تريده سوريا لشل عمل السلطة في لبنان وتأجيل الاستحقاقات المنتظرة، وما تتمناه اسرائيل ايضا هو رؤية انقسام اللبنانيين، عله يؤدي بهم الى التقسيم او الى فتنة، فترتاح من وحدتهم وتضامنهم في مواجهتها.
وهكذا يدخل هذا الانقسام لبنان في حرب سياسية مفتوحة بين اللبنانيين بعدما دخل في حرب عسكرية مفتوحة مع اسرائيل وكان من جرائها ما كان...

اميل خوري
النهار