سؤال تطرحه قواعد تيار المستقبل على قيادتها: هل نبقى حلفاء من يساوي بين مقاومة ضد ‏اسرائيل باقتتال داخلي عبثي طائفي بين اللبنانيين؟!‏

الحريري الاب لم يخطر بباله وصول تياره الى يوم يكون اقرب الى محاربي الزواريب من محاربي ‏العدوان!‏

بدا واضحاً لأول مرة، ان تيار المستقبل قد حسم خياراته واعلنها بشكل صارخ من خلال ‏محاولاته لحشد جمهور من مناطق الشمال وخاصة من عكار وغيرها من الاماكن التي يعتبر ان جمهورها ‏من محازبيه، لحضور احتفال القوات اللبنانية بذكرى شهدائها. وكان ممكناً اعتبار من يمثل ‏تيار المستقبل لهذا الاحتفال نوعاً من المجاملة للتواصل مع تنظيم ينتمي الى عائلة روحية ‏كريمة، لولا نزول الاعلام «المستقبلي» بقضه وقضيضه سواء كان مطبوعا او مرئياً او مسموعا، ‏وكل من يلوز بتيار المستقبل سياسيا واعلامياً في تبني طروحات رئيس الهيئة التنفيذية ‏للقوات اللبنانية، سواء ما قاله بالنسبة للمقاومة او خطاب السيد نصرالله.. لكن عندما ‏تم «التهليل الكيدي» لما قاله الدكتور جعجع والذي لقي الاستهجان حتى من قبل اوساط ‏مسيحية لا يرقى الشك الى اخلاصها لعائلتها الروحية، بل والدهشة والتعجب ان لم يكن ‏الاستغراب، من هذه المقارنة غير الموفقة بين المقاومة التي تحارب العدو الاسرائيلي والمقاومة ‏التي تحارب فريقاً من اللبنانيين في الداخل، فان من حق «القواعد الشعبية» - اذا جاز ‏التعبير - لتيار المستقبل، ان تسأل رئيس التيار نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الشيخ ‏سعدوالذي يعتبر كواحد من ابناء المملكة ان لم نقل من ابناء الاسرة السعودية، المعروفة ‏بتحفظها في اتخاذ المواقف المنحازة الى فريق لبناني دون سواه، وهي التي سبق لها ان ‏‏«اختلفت» مع السيد وليد جنبلاط والشيخ سعد، وبالتالي جماعة 14 شباط، حول افراطهم في ‏توتير الاجواء وعدائهم لسوريا، ومحاربتهم للمبادرة العربية التي كانت قد اطلقتها ‏السعودية للخروج بلبنان من حالة الاحتقان والتصعيد، ولدرجة حملت رئيس تيار المستقبل ‏على الاعتذار بشكل مكرر. ولكن يبدو ان جهود تيار المستقبل واللقاء الديموقراطي وسائر ‏اطياف 14 آذار، وذهاب «الشيخ جاك شيراك» الى السعودية، قد افلحت في اقناع عاهل ‏السعودية بوجوب اظهار «العصا الغليظة» للمقاومة والفريق الذي يؤيدها وكذلك لسوريا، ‏وخاصة بعد ان انحى رئيسها باللائمة على الانظمة العربية القاعدة، التي اتخذت مواقف ضد ‏المقاومة، ولم تبد اي موقف ايجابي من انتصار المقاومة في المواجهة الميدانية وانزالها ضربات ‏‏«بالجيش الذي زعم بأنه لا يقهر» وبآلته العسكرية الضخمة، وهو امر لم يكن يحلم به العرب ‏خلال ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، وقد بدا واضحا ان الهواجس التي ايقظها دعاة ‏الوقيعة بين السعودية والمقاومة في لبنان، وضد عائلة روحية معينة، من منطلقات طائفية، ‏قد وجدت من يصدّقها ويأخذها بعين الاعتبار في الرياض. ورغم ان ازدياد القوة الدفاعية ‏عند اي بلد عربي او اسلامي يتخذ موقفا حازماً ضد العدوان الاسرائيلي وضد اصل وجود ‏الكيان الصهيوني، يفترض ان يبعث الارتياح من جانب اي دولة عربية حتى ولو كانت مضطرة الى ‏مماشاة السياسة الاميركية في المنطقة وحتى لو كانت دولة في اميركا اللاتينية، سواء كان ‏نظامها يسارياً او يأخذ باقتصاد السوق، فان مجرد وقوف هذه الدولة موقفاً معارضاً او ‏معترضاً او معادياً لطبيعة الكيان العنصري الغاصب في فلسطين يفترض ان يبعث الارتياح عند اي ‏قائد عربي ولو بينه وبين نفسه، اذا كان لا يريد ان «يغامر» ولو بكلمة اعتراض حازمة على ‏السياسات الاميركية المنحازة بشكل مطلق للكيان الصهيوني. ولكن كل هذه الاعتبارات، ضربت ‏السعودية بها عرض الحائط، نظراً لتصديقها الهواجس التي يجري ضخها من جانب جهات داخلية في ‏عدد من البلدان العربية بما فيها اطياف من الداخل اللبناني وعلى وجه التحديد بعض ‏اطياف من «ثالوث القيادة الاذاري»: - الحريري جعجع جنبلاط - وربما من «الانصاف» ان نذكّر ‏جنبلاط قبل الجميع، لأن مسألة «التحريض» بين السنة والشيعة داخلياً وعلى الصعيد العربي ‏العالمي ـ وعلى امتداد العالم الاسلامي اذا امكن ـ هو امنية من امنياته الغالية وان كان ‏هدفها النهائي يصب في «الهدف المركزي» لهذا «الحلف المقدس» هو ضرب المقاومة «الناجحة» في ‏لبنان ضد اسرائيل، التي ترى فيها «لعبة الامم» خطر انتقال «عدواها» على امتداد المنطقة ‏العربية والعالم الاسلامي والعالم الثالث، بحيث تحذو قوى الممانعة ضد النفوذ الاجنبي حذو ‏المقاومة في لبنان، علماًان المقاومة في لبنان لا يهمها سوى مجابهة الاعتداءات الاسرائيلية ‏واسترداد الارض وايجاد توازن الرعب في وجه كيان واحد هو الكيان العنصري الاسرائيلي، ولا ‏تريد اي صدام مع اي نظام عربي، في حدود حفاظ هذا النظام على الحد الأدنى المعقول من ‏الثوابت العربية، ورفض الانسياق مع المشاريع التي تستهدف «حماية العدوان» وتطويع ‏السياسة الرسمية العربية نهائيا لتكون في خدمة استراتيجية حفظ امن اسرائيل، وابقاء ‏الكيان الصهيوني «الدولة الوحيدة القوية والقادرة» في المنطقة، وهي قدرة ليست «مخصصة» ‏لمناوأة او ضرب القوى الداخلية في اسرائيل، علماً ان القوى الاستيطانية الشرسة المتطرقة ‏التي تتصرف باستقلالية تامة - ولو ظاهرياً - عن الاداء الرسمي الاسرائيلي، بل ان قدرات ‏اسرائيل الدفاعية (وهي هجومية وتوسعية اكثر مما هي دفاعية) موقوفة لمحاربة العرب، وليس ‏لمحاربة «القوى المتطرفة» التي تقتل الفلسطينيين وتستبيح دماءهم. على عكس ما تريده قوى ‏‏14 شباط في مواصفاتها «للدولة القوية القادرة» التي «تطمح» في المستقبل للقضاء على اية ‏قوة حية في الداخل تطمح الى مجابهة العدو الاسرائيلي. ولا تختلف الحكومات العربية الاخرى عن ‏حكومة لبنان، وان كانت الانظمة العربية تحاول الاحتفاط بحد الادنى من «ورقة التوت» التي ‏تغطي بها تخاذلها واستسلامها، بما في ذلك الدول التي «اجبرتها ظروف احتلال ارضها» مكرهة على ‏ان تعقد معاهدات سلام مع اسرائيل او تقيم علاقات ديبلوماسية كاملها او محدودة معها، ‏فهذه الانظمة حتى عندما كانت ارضها محتلة من العدو (مصر، الاردن، السلطة الفلسطينية ‏منظمة التحرير سابقا) لا ترضى تحت اي ظرف من الظروف مرابطة الاساطيل في مياهها او مجيء ‏قوات اطلسية للمرابطة في ارضها بحجة حمايتها من خطر خارجي، او بحجة استخدام مياه هذه ‏البلاد العربية او اراضيها تحت عنوان «هدف مذلّ معلن او مضمر» بان هذه القوات الاجنبية ‏جاءت لحماية اسرائيل من داخل مياه واراضي اية دولة عربية.‏

وبالمناسبة فاننا لا ندري ما الذي جعل قيادة المقاومة في لبنان التي سبق لها ان اعلنت ان ‏وجود قوات اطلسية برية او بحرية سوف تقاتله المقاومة كما قاتلت اسرائيل ولا نقول ذلك ‏لتحريضها على مقاتلة القوات الدولية، فقد لا تكون امكاناتها او ظروفها مهيأة لذلك ‏ولكن الموقف الادبي المعنوي حول رفضها الحازم الذي اعلنته في البداية لمجيء هذه القوات، ‏لماذا تحوّل الى سكوت، بعد ن وصلت هذه القوات؟!، نحن نعتقد ان هنالك محاولات تخديرية ‏وتطمينية قد بذلت من جانب جهات «مسموعة الكلمة» عند حزب الله اقنعتها بمدى «خطورة» مجيء ‏هذه القوات. وقد ينبري البعض الى القول: لقد كان رفض المقاومة و«حلفائها» في البداية ‏لمجيء هذه القوات تحت علم وقيادة دول الاطلسي، اما الآن فهي تحت علم الامم المتحدة. ونحن ‏نعتقد ان ذلك هو مجرد لعب على الالفاظ: فالقوات التي جاءت ليست اطلسية فقط، وليس لها ‏‏«اجندتها» الخاصة فحسب، بل ان بعضها (القوات الالمانية على سبيل المثال) اعلنت ليس ‏استعدادها ان تمارس ما كان يمكن ان تمارسه القوات الاطلسية، بل قدمت لمجيئها بالاعلان ‏الصريح انها جاءت الى لبنان لكي يكون لها «شرف المشاركة»، ليس في قوات دولية اتت لمراقبة ‏وقف القتال ومساعدة الجيش اللبناني على القيام بتأمين الهدوء للسكان اللبنانيين في الجنوب ‏او مساعدة الجيش اللبناني على مراقبة السواحل اللبنانية من تهريب السلاح، بل قالت ‏‏«ميركل» بالفم الملآن انها جاءت لكي يكون لها «شرف حماية اسرائيل من لبنان». وكيف يمكن ‏حماية اسرائيل من المياه اللبنانية او حتى من المطار او على الحدود السورية اللبنانية او ‏في الجنوب اللبناني وعلى الحدود عبر الخبراء او المخابرات الالمانية او اجهزتها الامنية، تكون ‏الحماية الالمانية لاسرائيل بمحاولة التضييق على المقاومة، والتجسس عليها ومنعها من ‏التحرك بحرية وطبعا اذا اقتضى الامر الاشتباك معها، اذا كانت في متناول الاسطول الالماني ‏الذي يضم بوارج والوف جنود المارينز الالمان الذين صادق البوندستاغ (البرلمان الالماني) ‏على ارسالهم الى لبنان كأول قوات ترسلها المانيا خارج حدودها بطبيعة قتالية، منذ ‏هزيمتها في الحرب العالمية الثانية!، ولكن هذه القوات بدلاً من ان تكون ضد قوات الحلفاء ‏خلال الحرب العالمية الثانية، فانها اصبحت جزءا من قوات التحالف الاطلسي، وضد «عدو آخر» ‏هو المقاومة ولمصلحة دولة اسمها اسرائيل!‏
ولكي لا يعتقد جماعة 14 شباط وتيار المستقبل ان تركيزنا على تبيان مخاطر وجود القوات ‏الاطلسية وطبيعة المهمات المعلنة الموكلة اليها، قد صرفنا عن طلب الاجابة من «تيار ‏المستقبل» على الاقل، هل انه حسم خياره للسير في «توجّهه الوطني» على النهج والخيار ‏السياسيين اللذين تتبعهما «القوات اللبنانية».‏
وهو النهج الذي يساوي بين مقاومة العدو الاسرائيلي والمقاومة لفريق من اللبنانيين على ‏خطوط التماس الداخلية في العاصمة وغيرها من المناطق التي خاضت فيها القوات اللبنانية ‏مقاومتها، دون ان تحسب حساب الوجود الاسرائيلي ولو بكلمة نقد واحدة.‏

وما كان «يسوّقه» تيار المستقبل ويعلقى القبول «وشهادة التزكية» من «سيد المقاومة» بعد ‏استشهاد مؤسس تيار المستقبل - المغفور له باذن الله - الرئيس رفيق الحريري (وتعبير المغفور ‏له باذن الله تعبير متبع في السعودية والخليج، وهو تعبير مستحب ومستحسن لكي يترك المترّحم على ‏الفقيد (او الشهيد) مسألة الغفران لله سبحانه، ولأن العبد لا يستطيع ان يمنح صكوك ‏الغفران دون اذن من الله تعالى»، بأنه كان يسعى لحماية المقاومة ويؤيد اداءها، وان من ‏ثوابته رفض النفوذ الاجنبي او الوصول بالعلاقة الودية مع دول كبرى ظالمة ومعادية للقضايا ‏العربية العادلة ومنحازة للعدو، درجة التنسيق مع هذه الدول في ققضايا داخلية ‏لبنانية.‏

وعلى هذا فاذا كان تيار المستقبل قد حسم بالفعل خياره بالنسبة للثوابت القومية ‏والوطنية على «الطريقة القواتية»، فان هذا سوف يكون ليس خروجا على نهج الرئيس الشهيد ‏فقط، ولا يمكن ان يدّعي من يفعل ذلك بأنه يفعله وفاء للشهيد وحتى لو افترضنا ان «تيار ‏المستقبل» وكل الذين يرون رأيه بالنسبة للجهة التي كان لها ضلع او دور رئيس مباشر في ‏اغتيال الرئيس الشهيد، وهو امر لم يثبت، وان كان هنالك ترويج حثيث ومحموم بأن تقرير ‏براميرتس سوف «يدين» هذه الجهة التي «يرتاب» تيار المستقبل وحلفاؤه بأنها كانت وراء ‏الاغتيال والاغتيالات او محاولات الاغتيال الاخرى، علماً ان الاغتيالات لا يمكن ان تدّعي اية جهة ‏سياسية سواءحملت السلاح او لم تحمله خلال الفتنة الكبرى او بعدما، انها كانت «منزهة» هي ‏بدورها عن القيام بالاغتيالات. وحتى الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي وقعت منذ ما قبل ‏اغتيال الرئيس الحريري وبعده، من المؤكد ان بعضا منها (على سبيل المثال اغتيال الاخوين ‏مجذوب في صيدا) كان من صنع المخابرات الاسرائيلية وكذلك اغتيال ايلي حبيقة، وجهاد جبريل، ‏والعديد من الاغتيالات الاخرى، ليست من صنع الجهة التي يشير «تيار المستقبل» وعموم قوى 14 ‏آذار بأنها كانت وراء اغتيال الرئيس الحريري وما اعقبه وسبقه.‏

وحتى لو افترضنا جدلاً بأن جهة واحدة كانت بشكل او بآخر وراء كل هذه الوقائع الجرمية ‏والاحداث الامنية، فان القاعدة الشعبية للرئيس الشهيد رفيق الحريري وتيار المستقبل من ‏بعده، لا يمكن ان تقبل من قيادتها الحالية ان تساوي بين «مقاومة ضد اسرائيل ومقاومة عين ‏الرمانة» ولا تكون مرتاحة ابدا - اذا ثبت فعلا ان قيادة تيار المستقبل كانت تسعى لحشد ‏انصارها لدعم احتفال قوات يكون هدفها المعلن وهو ليس جديدا ان تساوي بين «المقاومتين» ‏فتطلق العنان لاعلامها، لتبني اقوال جعجع بلهجة التأييد والتحبيذ والدعم!‏

وصحيح ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري - وبعد عقد اتفاقات اوسلو - وقع تباعد بينه وبين ‏تيار المقاومة (احداث جسر المطار) وكان يبدي تذمره او على الاقل اعتراضه الضمني، اذا لجأت ‏المقاومة للرد على خروقات العدو باطلاق الكاتيوشا على بعض المستوطنات (وخاصة كريات ‏شمونة)، وكان يؤدي ذلك الى امتعاض من جانب الاوساط الشعبية الداعمة لحق لبنان في المقاومة ‏ضد الاعتداءات، ولكن الامور تحسنت فيما بعد، عندما ادرك الرئيس الحريري، ان المقاومة يمكن ‏ان تكون اداة ضغط على العدو وعلى الاوساط الدولية المؤيدة للعدو، لحمل اسرائيل على ‏الانسحاب من الشريط، ثم استقامت العلاقة بينه وبين قيادة المقاومة بناء لمساع حثيثة من ‏جانب عناصر محبذة لهذا التقارب سواء كان ذلك من جانب محيط الرئيس الحريري نفسه او من ‏جانب عناصر قريبة من حزب الله فلم يسمح الرئيس الحريري لنفسه في يوم من الايام ان يبدو في ‏الصورة وكأنه «حليف» ملتزم لا للقوات او لسواها من القوى الأخرى. وهذا ماجعل حتى الذين ‏لديهم مآخذ على اداء الحكومات التي الفها رحمه الله، فانهم لم يكونوا يلمسون منه «التحالف» ‏السياسي مع فريق آخر، وخاصة اذا كان هذا الفريق له توجهات مختلفة عن التوجهات التي ‏يؤمن بها الشارع الذي اصطلح على تسميته «بالشارع الوطني» دون ان نسقط من الحساب جذور ‏الرئيس الحريري السياسية بأنه كان منتمياً وعضواً في «حركة القوميين العرب» قبل أن تأخذه ‏المقاولات والمشاريع ويصبح مضطراً ـ بحكم كونه رجل اعمال صاعد وطموح ـ للتعامل مع اوساط ‏ليست معنية بقضايا النضال، ثم انه بحكم كونه قريباً من الاوساط الحاكمة في بلد عربي كان ‏يمقت «الحركات النضالية والثورية» من حيث قبول هذه الحركات المتعاطفة مع التوجهات ‏اليسارية، بحيث اصبح متبنياً لما يناقض هذه الاتجاهات. ولم يجد من بين الحركات الاشتراكية ‏‏(والتي لا ترفع شعارات اقتصاد السوق) من يمكن أن يتلاقى معه حتى في فترة ما قبل تأليفه اول ‏حكومة لبنانية، غير رئيس الحزب الاشتراكي التقدمي الاستاذ وليد جنبلاط، الذي اوجد لنفسه ‏‏«فتوى» او «اجتهاد في الفقه الاشتراكي» يجيز ان يكون متبنيا لطروحات رجل اعمال كبير طامح ‏للعمل السياسي، فكان اول من رشحه لرئاسة الحكومة، ولم يجد «ابو تيمور» ضيراً من أن ‏تتكامل المؤسسة السياسية الاشتراكية (التي يمكن القول بأنها يسارية ـ وان كان البعض يصفها ‏بأنها يسارية سابقة ـ (والتي هي بحاجة الى تمويل ودعم ماديين) مع اطروحة او «مشروع» ‏الحريري، وعندما كان جنبلاط يتحدث عن الحيرة اللبنانية بين خيار هونغ كونغ او خيار ‏هانوي، كان يعكس صورة حيرته الشخصية، فهو يحب ككل انسان ان يعيش في بحبوحة، وان كانت ‏افكاره اشتراكية!‏

ويروي احد رفاق نضاله، ولا نريد ان نقول «رفاق السلاح» انه قبل ان يتولى الرئيس الحريري ‏رئاسة الحكومة بسنوات، وقد التقيا في «حضرة» مسؤول سابق في بلد عربي فسأل رفيق نضال ‏الاستاد وليد امام المسؤول العربي، كم حصلت من الدعم حتى الآن من الشيخ رفيق؟ فامتنع ‏الاستاذ وليد عن الجواب، فألح عليه المسؤول العربي ان يفصح فقال حوالى 35 مليون دولار ‏‏(وكان هذا قبل سنوات من تولي الرئيس الحريري) ولم يجد المسؤول العربي السابق (المناضل في ‏ذلك الوقت) في هذا الامر اي عيب، ولكنه «استهول المبلغ» لأنه لم يكن يتصور ان الاستاذ ‏وليد قد «استهدى» على الرئيس الحريري في ذلك الوقت المبكر وان يكون الرئيس الحريري في ‏بدايات عمله السياسي كريما الى هذا الحد.. علماً ان ذلك كان أول الغيث.. ولعل من ‏‏«حسنات» الاستاذ وليد انه لا يخفي الحقيقة في هذا الموضوع. وقد حدث انه خلال مقابلة ‏تلفزيونية سأله مقدم البرنامج عما يردد البعض من انه «فرض ضريبة» على احدى المؤسسات ‏التابعة لاحد رجال الاعمال (من اصل جنوبي) وكان مقدم البرنامج يتعمد احراجه بهذا ‏السؤال، ففوجىء المشاهدون بأنه أجابه بكل بساطة بأن ذلك «الخبر» صحيح!‏

طبعاً قد يقول البعض إن ذلك كان من آثار «الحرب الفتنة» وفي عهد غياب الدولة، وهذا ‏صحيح. ولكن ما بعد قيام الدولة تكون حاجات ومتطلبات المسؤولية والالتزامات تجاه ‏المهجرين الناتجة عن حروب تلك الايام مع الذين اصبحوا «حلفاء» اليوم، تقتضي المزيد من ‏الدعم من المال الشرعي الحلال. وخاصة ان مصائب مهجري قوم الجنوب والضاحية عند قوم ‏فوائد!.. والامر يتوقف على «لجنة الاغاثة العليا» الخاضعة لرئيس الوزراء «المدعوم عالمياً» ‏والمفوض من زعيم تيار المستقبل بحق التصرف بأموال الدعم والاغاثة : ومع ذلك فان الامر ‏يظل ضمن «السيطرة» دون ان نتذكر بأن الثورات والحروب الشعبية الداخلية او ضد العدو ‏القومي بأنه يطبق عليها المثل البريطاني القائل: «ان الحروب والثورات يخطط لها ‏الاستراتيجيون وينفذها الشجعان او المجانين ويقطف ثمراتها الشُطّار!» وكلمة «الشُطّار» ليست ‏واردة في النص، بل استخدمناها نحن بدلاً من كلمة «الانتهازيون» التي لم نرها لائقة واذا اصر ‏البعض ان يعرفها، فاننا سنقولها بيننا وبينه!‏

محمد باقر شري