خالد بن الوليد و معركة أحد ..
معركة أحد..
قبل الدخول في تفصيلات تلك المعركة من المفيد إلقاء نظره سريعة الى "استراتيجيات" المعارك في العصر الجاهلي و بدايات الإسلام , ليسهل علينا فهم ما جرى في أحد بأكبر دقة ممكنه ,كانت المعارك متفاوتة الحجم و الإتساع بعضها لا يتعدى "هوشة" صغيرة يتقاذف فيها أطراف "الصراع" بالحجارة و "المقاليع" , و قد يتراشقون بالنبال و الرماح , قد يحصل فيها ألتحام تسيل فيها بعض الدماء و قد يتم أخذ أسرى ,هذا النوع من المعارك يجري بين القبيلة الواحدة أو الفخذ الواحد , فلا تجمع الأطراف لبعضها الجموع فينحصر عدد المتقاتلون على بضع عشرات أو مئآت ,يغيب التخطيط العسكري غالبا عن مثل هذه المعارك و يترك المجال واسعا للإرتجال و الشجاعة الخاصة بكل مقاتل , في الغالب تنتهي مثل هذه المعارك بتعادل أو رجحان طفيف لطرف من الأطراف و تندرج تحت هذا العنوان معظم المعارك التي جرت بين تغلب و بكر فيما سمي حرب البسوس .
النوع الثاني و هو النوع المهم و الذي ينطبق على معركة أحد , هو ذلك الصراع ذو الطابع القبلي أو لنقل "الفكري" , و الذي تجند له القبائل كل أفرادها و قد تستعين بحلفاء لها ,و يسبقه تخطيط و تخزين أسلحة و عتاد ,و تأمين موارد لخدمة المعركة ,و قد يتم الإستعانة بالنساء و الجواري لتحميس المقاتلين و شد أزرهم ,و قد يشترك بمثل هذا الصراع بضع آلاف يقسمون الى فرق و كتائب , رجالة و خيالة و مدرعات و رماة ,و المقصود بالمدرعات الرجال ممن يرتدون الدروع , فلم يكن الدرع في متناول الجميع و قد تلجأ القبائل الى إستئجار الدروع لتقاتل بها ,و قد استأجر "النبي" دروعا من صفوان بن أميه عندما عزم على غزوة حنين ,و الخيالة هم راكبي الجياد , و الحصان عنصر مهم في المعركة لسرعة حركته و قوة الصدم التي يحققها عندما تتم الإغارة على صهوته , و كذلك الحصان لم يكن في متناول الجميع , و قد خاض محمد بدر و أحد بحصان واحد أو حصانين , و لنقف على أهمية الحصان في المعركة فقد فرض النبي في غزواته سهم للمقاتل و سهم للفرس من مجموع الغنائم .
في المعارك المتوسطة يتم إستغلال الجغرافيا و قد يفرض أحد الأطراف أرض المعركة و يوظفها لصالحة,كما فعل "النبي" في بدر عندما جعل البئر خلفة صفوف قواته ليمنع قريش من الماء, و قد تستخدم الحرب النفسية أو "الطابور الخامس" لبث الشائعات لخلخلة صفوف العدو , و قد لجأ النبي الى هذا السلاح في حرب الخندق عندما ضرب الحلف العسكري المعقود بين قريضة و قريش ,و تلعب الخبرة و الحنكة الشخصية لقواد المعارك في إستقراء نوايا العدو أو عدده أو عتاده , كذلك استخدم النبي هذه العامل في تقدير عدد مقاتلي قريش في بدر عندما قدرهم بألف بعد أن عرف أنهم يذبحون يوميا عشرة جمال , جمل لكل مائة .
للمعارك المتوسطة النظامية كيفية أو عرف تجري عليه ,فيقسم الجيش حسب الخطط الحربية , الى ميمنه و ميسرة و قلب ,أو الى كتيبة فرسان و كتبية مشاة و كتيبة رماة ,فيصطف الجيشان بشكل متقابل تفضل بينهم مسافة أكبر من المدى "المجدي" لرمية السهم ,و تبدأ المعركة بإنشاد الشعر أو إلقاء الخطب , أو حتى الشتائم ,بعد مرحلة تبادل الكلمات , قد يبرز فارس أو رجل مشاة واحد أو أكثر من أحد الفريقين و يطلب أحد فرسان أو مشاة الفريق الآخر و قد يطلبه بالأسم إمعانا في التحدي ,و قد تستمر المعركة على هذا النحو فارس لفارس أو راجل لراجل اياما ,و قد يرجع كل طرف من حيث أتى دون إلتحام , و قد يعقب المبارزة ألتحام جزئي أو كلي بحسب الخطط المرسومة ,قد تلجأ بعض الجيوش الى نظام الحملات ,و الحملة تعني أن تنطلق كوكبة من الفرسان أو المشاة ككتلة واحدة نحو الخصم بسرعة و أندفاع لتشق صفوفة و توقع فيه أكبر الخسائر بحملة واحدة ,في هذا النوع من القتال قد يجبن الفريق الذي يحمل عليه و يخاف نتائج الغارة قيولي الأدبار و خاصة إذا لمس التصمصم و العزم عند الفريق المهاجم و قد أنهزم جيش المسلمين في حنين عندما لم يصمد أمام حملة قوية و جرئية من قبائل هوازن و ثقيف.
أسلوب الحملات أوجد إجراءات دفاعية عديدة منها إستيعاب حملة الخصم بإفساح الطريق أمامة حتى يدخل تماما ضمن صفوف الجيش الذي يهاجمه فيطبق على مجموعة المهاجمين و يطوقهم من كل ناحية ,و لكن النظام الفعال للتقليل من قوة الحملة نظام الرماة الدفاعي , و ذلك بالإيعاز الى رماة السهام بتوجيه نبالهم بغزارة شديدة نحو الكتيبة المهاجمه لإيقاع أكبر الأذى فيها فلا تصل الى هدفها إلا بعد تثخنها النبال فيسهل القضاء عليها ,و لم يخل جيش من سرية رماة بالنبال ,ففي أحد كان في قريش سرية من مائة رام أميرهم عبد الله بن أبي ربيعة ,و في بدر تشدد النبي في امر رماة السهام و أمرمهم بألا يحملوا و قال لهم " إن أكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل", و في أحد أوصى "النبي" قائد رماته ابن جبير قائلا "انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك".
يتبع....
|