(عندما أصبح القيصر مسيحيا أصبحت المسيحية قيصرية)

اقتباس:  ابن العرب   كتب/كتبت  
عزيزي بهجت،

أنت محق تماما، فلا شك أن إعلان الإمبراطور قسطنطين للديانة المسيحية ديانة الإمبراطورية السرمية، أدى الى اعتناق الكثير من الرومانيين هذه الديانة دون إقناع مباشر.

وهذا الأمر لا شك أنه حصل في البلاد العربية.  فما أن يقتنع رئيس القبيلة (الغساسنة مثلا أو دومة الجندل) بالمسيحية، حتى تصبح المسيحية ديانة القبيلة كلها.

أريد أن أبين هنا أننا لا نتحدث عن عنف بل عن اعتناق يتوافق وواقع الحال في تلك الفترة.

ثم إن الرسل او التلاميذ، بعد أن تعتنق عائلة، أو مجموعة الديانة المسيحية، كانوا إما يمكثون هناك مدة من الزمن يعلمون المسيحيين الجدد العقائد أو يتركون هناك أحد التلاميذ ليقوم بهذه المهمة.

رسائل القديس بولس من القرن الأول هي خير دليل على ذلك.

إذن عزيزي بهجت، أنت محق فيما ذهبت إليه من نقص وجود الاقتناع الشخصي الفردي، لكننا لم نثبت قيام المسيحية بالعنف حتى الآن.

تحياتي القلبية

عزيزي .:wr:
أتمنى ألا تكون هذه المساهمة متأخرة و لكني أشعر ان الزميل العزيز ابن العرب يستحق أن أوضح له ما عرضته سابقا موجزا بسبب مشاكل أعانيها في الكتابة .
نحن متفقان أن طرح القضية يكون على أساس تاريخي موضوعي و ليس ديني عقائدي ، خلال رؤيتي للتاريخ لا أرى أنه يسير وفقا لخطة فوقية مسبقة ، ولا أدين برؤية أخلاقية للتاريخ و بالتالي لا أرى أفضلية لدين على آخر على أساس مسالمته أو عنفه بل على أساس قدرته أن يتعايش مع العصر و ألا يكون مجرد عصي في دولاب الحضارة يعوقها و يتكسر داخلها ، هذا النموذج الليبرالي للدين هو الإنجاز العبقري للمسيحية الأوروبية و ما فشل المسلمون و المسيحيون الشرقيون في تحقيقه،هذا التطور يعيد تأسيس دور الدين في العالم الليبرالي المعاصر كشريك في الحضارة وهذا ما تعرضت له بإفاضة في شريط "مستقبل الدين في عالم ليبرالي " الذي أشرت اليه ،
هنـــــــــــــــــــــــــــا
في هذا الشريط أريد أن أدقق بعضا من النقاط دون الدخول في تفاصيل تاريخية كثيرة .
أولا ناقشت في المداخلات السابقة الموضوع على أساس فكرة السلطة في مواجهة الإقتناع الفردي ، السلطة بكل تحولاتها .. العنف و الإقتصاد و المعلوماتية و ليس العنف المادي المباشر فقط، ففي مجال حرية العقيدة يتساوى حجبها بالسيف أو فرض الجزية أو الحرمان من المعرفة الحيوية .
يجب أن نفرق بين قناعات و سلوك الآباء المؤسسين للمسيحية و تاريخها كمؤسسة و كسلطة ، لا يمكن انكارمسالمة الكنيسة الأولى و نعزي ذلك إلى ضعفها وروح الفضيلة فيها على السواء ، و عندما أثار المسيحيون غضب دقلديانوس أو التمسوا عطف قسطنطين كان يمكنهم أن يعلنوا و بالصدق كله أن سلوكهم خلال ثلاث قرون كان منسجما مع مبادئهم السلمية و أنهم دائما يلتزمون بالطاعة تجاه القيصر ولو أنها طاعة سلبية ،و لكن عندما أصبح القيصر مسيحيا أصبحت المسيحية قيصرية ، هذه هي قواعد اللعية لا يمكنك أن تكون أغلبية و نقيا في نفس الوقت ، يشهد التاريخ أنه في بداية القرن الرابع كانت نسبة المسيحيين ضئيلة ، و لكن عندما تم إقرار المسيحية بمقتضى القانون الإمبراطوري انتشرت المسيحية في كل أجزاء العالم الروماني ، ففي العام الأول من اقرار المسيحية عمد في روما وحدها 12000 رجل و عددا مماثلا من النساء و الصبية ، و حصل كل رجل على رداء أبيض و 20 قطعة ذهبية ، لم يكن انتشار المسيحة بالقطع الذهبية دائما ، فهناك أيضا اضطهاد الوثنيين و تحطيم المعابد و تكفيرالفلاسفة ، رغم هذا سأفهم إبن العرب عندما يريد تأكيد أن تلك الأحداث العنيفة لم تكن دائما سياسة رسمية للكنيسة أو الدولة و أنها في كل الحالات لا تقارن بالعنف البالغ للغزوات الإسلامية و سأقره على ذلك و لكن بعد المرور على الفقرة التالية .
هناك عمليتان تاريخينان تتداخلان كثيرا رغم اختلافهما ، الغزو العربي و إنتشار الدين الإسلامي ، لن يمكننا أن نفسر إنتشار الإسلام دون ربطه بالغزو العربي للحضارات المجاورة ، و لكن الغزو العربي عملية تاريخية مستقلة يمكن فهمها بمقارنتها بالغزوات المشابهة التي تقوم بها الشعوب الفتية المتبربرة على الحضارات المجاورة عندما تشيخ و يضربها الفساد ، إن التاريخ هو بشكل ما تكرار لهذا النموذج .. حضارات كبيرة تتجمع في الأطراف منها قبائل بدائية متناحرة ، بمضي الوقت تبدأ الحضارات الكبرى في الإضمحلال بينما تبدأ تلك القبائل بالشعور بذاتها ككيان مستقل و تتوحد تحت قيادات تاريخية تقودها للتوسع على حساب الحضارات القائمة لتحل محلها و تصبح هي في المركز الحضاري كي تتجمع على أطرافها شعوب أخرى و تكرر نفس القصة ، كل الحضارات القديمة بدأت و انتهت بنفس الطريقة ، هاجم البرابرة الليبيون و النوبيون و الهكسوس مصر الفرعونية ،وهاجم العبرانيون البرابرة بقيادة موسى و خلفاؤه الحضارة الكنعانية و هاجم العرب بقيادة محمد و خلفاؤه الحضارات المجاورة و استولوا عليها و استوطنوها ، تكررنفس النموذج عندما استولى البرابرة بقيادة قبائل الهون و أتللا على الإمبراطورية الرومانية الغربية ،و عندما استولى المغول بقيادة جنكيزخان و أبنائه على إمبراطورية خوارزم و معظم الإمبراطورية الإسلامية و شمال الهند و غرب الصين و معظم روسيا و شرق ووسط أوروبا ،و أيضا عندما اجتاح الأتراك العثمانيون البلاد الإسلامية و استولوا على الإمبراطورية الرومانية الشرقية ، كان الإسلام هو الرابطة التي جمعت القبائل العربية المتناحرة تحت قيادة النبي و خلفاؤه بعد ذلك و لكن المجاعات و الفقر و ليس الإسلام هو الذي قاد العرب للغزو ، و لهذا لم يهتم الغزاة العرب بنشر الإسلام قدر اهتمامهم بالغنائم و السلب و الحصول على الجواري و العبيد ، و عندما يعاتب الخليفة الثالث عامله عمرو بن العاص بعد عزله عن ولاية مصر ، فهو لا بؤنبه على قلة الداخلين في الإسلام بل على قلة الخراج لا غير ، لهذا لا نعجب أن يشكو عامل عمر بن العزيز على مصر من دخول البعض في الإسلام و يرفض إسقاط الجزية عنهم لولا تدخل الخليفة الورع ، استغرقت الشعوب التي غزاها العرب سنوات طويلة ليدخلوا الإسلام و ليس قبل إستقرار السلطة في يد العرب الغزاة و تحولهم ليكونوا أصحاب الدولة ، إن مرحلة الغزو هي التي اتصفت بالعنف و الدموية ، أما الإسلام فقد انتشر بعد ذلك بفضل السلطة كشيء طبيعي و تحصيل حاصل كما انتشرت المسيحية كدين السلطة الرسمي من قبل ، لا أريد أن يعتقد أحد أني أبرأ الإسلام من العنف ، فلولا الغزوالعربي ما انتشر الإسلام ، فقط أدقق أحداثا تاريخية في إطار الثقافات السائدة في ذلك الزمان ومفعومهم للدين كشأن سيادي عام و ليس خيار الضمير الفردي ، أحاول أن أكتشف أين ينتهي الغزو العربي و أين يبدأ الإسلام .
للجميع تقديري .