[quote]
كمبيوترجي كتب/كتبت
أن
كثيرا من الناس بدأ يعي أن حرية التعبير ليست مطلقة, بل إنها تحتاج أن تخضع لإحساس بالمسؤولية الاجتماعية, إذ إن رفع أي حق فوق الحقوق الأخرى هو عين التشدد, ولذلك يكون من الحكمة أحيانا اختيار الإحجام عن استخدام حق ما.
الكمبيوترجي الفاضل،
أدناه مداخلة لي سلطان الكلمو وضرورة حماية حرية التعبير في شريط قديم بعنوان "قدّسوا الحرية لكي لا يحكمكم الطغاة" طرحته في آكثر من مكان وكان آخر نسخة منه في منتدى العاصفة (
انقر هنا). هذا لا يسقط مسؤولية الفرد طبعا في ما يتعلق بكلمته، لكنه ينظر الى "المتلقي لهذه الكلمة وضرورة فهمه لسلطان هذه الكلمة.
تحياتي
---
[u]
سلطان الكلمة
يقول جيمس ماديسون المعروف بأبو اللدستور الأمريكي أنه "لا يجب أبدا حرمان أو تقييد حرية أي فرد في التعبير، والكتابة أو النشر لمشاعرهم كاملة غير منقوصة. كما أن حريّة الصحافة يجب أن تكون ركنا من أركان الحرية لا تطاله الأيدي."
ولو نظرنا الى دساتير الدول الغربية الحرّة، بل وحتى الى الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، فلن نجد أيا منها يضمن حماية الفرد من "الإساءة" الناتجة عن تعبير الآخرين.
ولنكن واضحين في ما نعنيه، فإن التعبير الغير "مسيء" لا يحتاج الى حماية، فلن تجد ثمّة إنسان يحاول قمع حريّة الغير "مسيء". ما يحتاج الى حماية تحت راية حريّة التعبير هو الخطاب الذي قد يجد فيه البعض "إساءة". إن روح حريّة التعبير تعني بشكل إساسي ضمان حرية الإنسان لأن يقول ويعبّر عن ما تكنّه مشاعره بالشكل الذي يجعل منه فردا حرّا قائما بحدّ ذاته يختلف عن سواه بفرديّته.
الناس بحاجة الى أن تتغاضى عن التعابير التي لا تعجبها في خطاب الآخرين.
فالكلمات بحدّ ذاتها لا تملك من القوّة سوى ما نعطيها لها. والكلمات لا تمتلك القدرة على الإساءة بحد ذاتها. إن من يعطي الكلمات أية قدرة على الإطلاق هو الأنسان نفسه. والكلمات لا معني لها ولا هدف سوى المعاني والأهداف التي نمنحها لها. نعم، إن الإنسان هو من يمتلك القدرة على التحكّم بتأثير الكلمات عليه وعلى حسّه كإنسان. والإنسان، بطبيعة الحال، له القدرة على التحكّم بتفكيره ومشاعره وتصرّفاته .. وحتى قدره. وهذا يشمل تأثير الآخرين وخطابهم عليه.
ولنذكر كلمات فولتير الخالدة في تعبيره عن قدسية حريّة التعبير حيث يقول "قد أخالفك الرأي في كلّ شيء تقوله، لكنني مستعدّ أن أدافع حتى الموت عن حقّك بأن تقول ما تريد قوله". إن حريّة التعبير تعني مقدرة الأفراد على قول ما يشاؤون قوله، بالصيغة التي يشاؤون استخدامها، طالما أن كلماتهم لا تؤذي شخص إنسان آخر أو ممتلكاته. هناك طبعا حدود لحريّة التعبير، فليس من الحريّة أن ننادي كذبا "حريق" في صالة ممتلئة بالناس، وليس من حريّة التعبير أن نوعز الناس بإيذاء الناس والممتلكات. هذه الأنواع من "التعبير" ممنوعة لأنها تضرّ بسلامة الأشخاص وممتلكاتهم. ولكن نوع التعبير الذي قد "يسيء" الى شعور الآخرين لأسباب قد تختلف بإختلاف الأشخاص، لا تؤذي سلامة الأفراد ولا ممتلكاتهم.
هناك أنواع من الرسومات – ومنها الرسومات الكاريكاتورية – التي قد تكون مُسيئة الى بعض الأديان أو الشخصيات السياسية بنظري. ولكن كونها مسيئة بالنسبة لي لا يعني بأنني أمتلك الحقّ أن أمنع أصحابها من التعبير. وأنا، شخصيا، أجد التعابير الطائفية والعنصرية والتهجّم على معتقدات الآخرين الدينية مسيئة جدا! ولكنني لم ولن أطالب أبدا بمنعها. لا يمكن للإنسان أبدا محي العنصرية أو الطائفية أو الألفاظ التي يعتبرها مسيئة من الوجود .. فهذه موجودة بحضورنا أو غيابنا، علمنا بها أم لم نعلم. وسنجد دائما أشخاص تكره المعتقدات التي تخالف معتقداتهم، و حتى أشخاص شرائح كبيرة من الناس ممن يعرفون أو لا يعرفون بناء فقط على ولائهم السياسي أو انتمائهم الديني أو الطائفي او الحزبي .. أو ما كان. ولن يكون بمقدور الفرد أبدا أن يلغي هذه الكراهية أو يمحيها من الوجود بواسطة إخراس الأصوات التي لا تعجبه. وما محاولات تكميم الأفواه والعنف الفكري سوى محاولات تشبه حجب قرص الشمس خلف باهم اليد! ولن يكون بمقدور أي قوانين أو عقوبات في العالم أن تمنع الفرد من حريّة التعبير .. فالكلمة هي كالسائل لا بد وأن تجد لنفسها منفسا ومخرجا مهما حاولنا منعها وحبسها خلف سدود مصطنعة.
إن الخيار الحقيقي لما يمكننا إتباعه يكمن تماما مع حريّة الفرد. فالفرد، والفرد فقط، يستطيع أن يقرّر ما (أو من) سيحبّ وما (أو من) سيكره. فالوسيلة إذا هي ضمان حريّة التعبير والإنتباه الى تصرّفاتنا الشخصية وتأثير كلمات الآخرين على معتقداتنا وأفعالنا. وعدا ذلك، فإن الحجر على حرية التعبير لأجل "حماية" أي قيم قد نراها مهمّة سيكون ثمنها باهظا على الحريات الفردية التي هي حجر أساس في الفكر الإنساني الحديث، وحريّاتنا الشخصية بالذات.
وكما أن للإنسان حرية الكلمة و التعبير، كذلك للفرد حريّة الإستماع أو القراءة أو عدمها. فليس هناك من قوّة تفرض على من وجد "إساءة" في تعبير الآخرين أن يستمرّ في الإستماع أو قراءة هذه "الإساءة". وإن كان لهؤلاء الإشخاص الحق – كلّ الحق – أن يقرروا ما يليق لهم قراءته أو الإستماع له وما لا يليق، الا أنه لا يحقّ لهم مطلقا في أن يقرروا ما يحقّ للآخرين قراءته وما لا حقّ. حق الوصاية على مصالح الآخرين هو بحدّ ذاته عمل تعسّفي يحجر على الحريات الفردية ويقوّضها.
إن ما تحتاجه المجتمعات العربية بشكل رئيسي هو وجود الإشخاص المتهيئين لأن يدافعوا عن حريّات الأخرين ويستميتوا في الدفاع عنها .. ولو كانوا على نقيض متناقض مع مباديء هؤلاء. هذه هو مدخل المجتمعات العربية الى الحداثة والحرية والديمقراطية, وما عدا ذلك، فالمجتمع العربي سيبقى عرضة لطغيان حكّامه، أو طغيان "النخبة" التي نصبت نفسها وصية على مصالحه .. وسيبقى مجردا من الحريات والكرامة.