مقال جميل و قرأته باستمتاع شديد، أستاذي أخناتون. (f) شكرا جزيلا عليه.


الحقيقة هي أنه الكلام من واقع نظري شيء و الكلام من واقع عملي شيء آخر لأنه في الأخير نتكلم عن تفاعلنا مع التجربة الإسلامية و تلامسها مع حياتنا الشخصية. ولدت و تربيت و عشت مسلم على الأقل في العشرين ربيعا من عمري و لها بصمتها الواضحة على حياتي حتى الآن. أبواي مسلمان و تربينا على الإسلام و لا أحد يقدر أن ينكر عليهما الإسلام لأن المطلوب منهما و من أي مسلم آخر هو: "من قال لا إله إلا الله صادقا بها من قلبه دخل الجنة". و عندما بلغت الرابعة عشرة من عمري تعرفت بجماعة الإخوان المسلمين فشعرت أني لم أعرف الإسلام بعد و أني كنت أعيش في قشور الدين و الآن جاء دوري لأخذ الدين بقوة و أقبض عليه كمن يقبض على جمر من نار. في تلك المرحلة عرفت إسلام الكتاب والسنة و لم تكن لدينا شرعة سوى كتاب الله و سنة رسوله و ذلك نبراسا لقول النبي: تركت فيكم ما إن تمسكتم به ما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله و سنتي. و ما هي إلا شهور حتى أجده إسلام ينفر منه الكثيرون مع إنه في اعتقادي هو الإسلام الصحيح لأنه يأخذ بأصول الأمر من باب: "ما لكم كيف تحكمون، أم لكم كتاب فيه تدرسون" طبعا مررت بمرحلة الإسلام الصوفي و لكن بصراحة لم أشعر أبدا بأنها الإسلام الحقيقي بل شعرت أنها دروشة اخترعوها غلوا في حب الله و ما أنزل هو بها من سلطان. و بعد اغتيال السادات اضطررت لأن أختبيء عن الأنظار و تلاشت بالتدريج علاقتي بالإخوان المسلمين. كل هؤلاء مسلمون و كل واحد يقول لك إنه يملك الطريقة الصحيحة لتفسير الإسلام. لا يفوتهم جميعا تجميل الإسلام بالوجه اللائق كأنه دين التسامح و لكن إذا ما خلو لبعضهم بعضا يحضون أنفسهم على كراهية غير المسلم.. و كيف أنسى ثورة بعض الشباب في الإخوان لمجرد أني صداقات مع غير المسلمين و في الحال تسمع آيات نارية مثل: "لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء" ثم يدعمونها بحديث نبوي "شريف" يقول: يحشر المرء مع من يحب. كل هذا حفظته و رأيت ما لا يمكن أن يجعلني أستمر على ملة الإسلام. و بعد قيام أحداث 11 سبتمبر تراهم يريدون صنع إسلام على الموضة و يقسمون المسلمين إلى قسمين: المعتدل و هؤلاء الذي يأتمرون بأمر البيت الأبيض و "يسمعوا الكلام" و قسم آخر إسمه "الإسلاميين" و هو اصطلاح مضحك اخترعه الغرب لوصف الأصوليين الملتزمين بشرعة الدين الحقيقية كما جاء في القرآن و السنة. من لا يوافق مزاجهم يسمونه إسلامي أو متطرف أو إرهابي. و لكي لا تكون إرهابي كل ما عليك أن تعرض الإسلام كأنه نوع من أنواع التصوف البوذي التي تأسر الخيال و تبرق و تلمع و عندها يبدو الإسلام جذابا. فلو كان الإسلام جذابا فعلا؛ فلماذا تركناه؟! و لماذا يتركه فطاحل الفكر و الثقافة الذي يصدقون مع ضميرهم؟ إنهم يصطدمون بالإسلام الدموي-الإسلام الحقيقي الذي لا يقبل بالتعايش مع الآخر و الذي يسعى لأن "يشفي ما في صدور المؤمنين من غل" و يوهمهم بأنهم "الأعلون" مع أنهم متخلفون عن ركب الحضارة العالمية من جميع المناحي.

س: هل يمكن تعصير الإسلام؟

ج: لا أعتقد بذلك. الإسلام إما إسلام الكتاب و السنة أم لا بالمرة.

س: لماذا نجح تعصير المسيحية؟

ج: المسيحية أصلا ليست ديانة حتى يتم تعصيرها و المسيح لم يأت ليؤسس ديانة اسمها المسيحية؛ و بالتالي لم يتواجد ما يستدعي تعصيره. ما يتم تحديثه في المسيحية و خاصة بعد العصر الفاتيكاني الثاني هو تحديث التأويل الهرمونطيقي لنصوص العنصر البشري حاضر فيها بنسبة مائة بالمائة و من ثم فبشرية النص تستدعي "حركة النمو" حتى يتنفس و يتحدث بلغة السامع و يخاطب الإحتياجات المعاصرة. لا يوجد في المسيحية فقه أو شريعة أو .....و من ثم تبطل المقارنة فيما يختص بمسألة التجديد الديني.

أرجو أن لا أكون بدوت و كأني مغالي أو متطرف ضد فريق و لكن هذه خواطري الشخصية و تقبل المناقشة.

وأتابع بشغف خاصة ما تقوله أنت يا أخناتون.

(f)