{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الجحيم
Albert Camus غير متصل
مجرد إنسان
*****

المشاركات: 1,544
الانضمام: Jun 2004
مشاركة: #5
الجحيم
أراد صابر أن يهرب من الرائحة المسكيّة كما كان دأبه في المساجد من قبل، ولكن المرض والضعف حالا بينه وبين ذلك ومعهما الرائحة.
وخفف عنه تلك المعاناة ما رآه في الملائكة من حسن وجمال، ولم يلبث كثيراً حتى سمع أحدهم يحدثه، وقد كان ملك الموت بنفسه، عرف صابر ذلك بسبب ضخامة حجمه وتعدد أجنحته على خلاف رفاقه الصغار من حملة الأكفان.
ابتسم الملك بنعومة وقال بصوت رخيم لم يسمع صابر أجمل منه :
- السلام عليك يا صابر ورحمة الله وبركاته.
ارتعشت شفتا صابر ولم يستطع النطق من شدة الوهن والمرض والاختناق. إلا أن الملك اكتفى بابتسامته الشاحبة ولم ينتظر رداً، لأنّه عرف من خبرته الطويلة مع قبض أرواح البشر ، أنّهم لا يستطيعون عادة الرد في تلك الحالات، إذا استثنينا النبي موسى عليه السلام والذي فقأ عينه ، قال ملك الموت لصابر:

- لقد كنت عبداً صالحا في الدينا ، صابراً عند البلاء، ملتزماً بالصلاة والصيام والزكاة والحج، قانعاً بدين الله الحق، مرتدياً زي السنة، مربياً لحيتك، كانت لك هفوات نعم، كانت لك ذنوب وقذارات وحماقات نعم، ولكن لا تغتم لذلك يا أخي في الله، كل هذا سنصفيه سوياً مع صاحبينا المكرمين منكر ونكير في قبرك بإذن الله تعالى، أمّا الآن فقد جئت أبشرك بأنّ الله سبحانه وتعالى قد شاء أن يختم لك بخاتمة حسنة وأن يرحمك ويدخلك الجنة مع عباده الصالحين الأتقياء، فهنيئاً لك.

مرت لحظة صمت نظر فيها صابر إلى الملك نظرة لا مبالية، لأنّه كان يعرف كل ذلك الكلام الذي قاله ويعلم ما فعله طوال حياته، وعلى الرغم من نظرته اللامبالية ، إلا أن قلبه رقص فرحاً لأنّه نجا من النّار وسلم من عذاب الله. وأخيراً انتهى عمره الذي استمر سبعين عاماً بنجاح ورضي الله وملائكته عنه.

عاد وجه الملك يتلألأ بابتسامة عذبة ندية وهو يقول بصوته العذب :

- والذي نفسي بيده يا صابر...إنّ الله ليعلم كم يشقى علي وكم أتعذب إذا ما مددت يدي لأقبض بها روح مؤمن، وقد سألت الله تعالى أن يعفيني من قبض أرواح المؤمنين إلاّ أنّه سبحانه وتعالى أبى علي ذلك، وأبى إلاّ أن يتم مشيئته سبحانه. ولذا يا صابر أنا مضطر إلى قبض روحك فسامحني يا عبد الله واذكرني عند ربك بالخير إذا ما صرت إليه.

اتسعت عينا صابر بفزع ودهشة وسط صرخات أهله وأقاربه من حوله ، تلك الصرخات التي لم يسمعها هو، وأراد أن يصرخ في الملك : ( ماذا تفعل يا مجنون؟ أتقتلني وتدعي أنّ الله أمرك بذلك؟). ولكنّه لم يستطع أن يبوح بحرف أو ينبس ببنت شفة.

في الوقت عينه تحرك ثلاثة من الملائكة الجالسين عن يمينه وثلاثة آخرون عن يساره، ليمسكوا بذراعيه ، تحركوا بشكل روتيني عقيم وكآلات روبوت اعتادت أن تقوم بتلك المهمة آلاف المرات كل يوم منذ آلاف السنين ولم يصبها عطب أو يحل بها خلل، إلاّ أن الإثارة التي ربّما شعروا بها في بداية تسلمهم وظائفهم تلك قد أخذت تضمحل حتى انتهت وحل مكانها الملل.

أمسكوه كما تمسك الممرضة طفلاً يكاد الطبيب يخيط له جرحاً او يخلع له ضرساً، ويخشى من تفلته.

شبّك ملك الموت يديه وطرقع أصابعه في حركة روتينيّة ومد يديه باحتراف خبير إلى أصبعي قدمي صابر ، وتمدد معه شيء شفاف ولين كزلال البيض. خرج ذاك الشيء الشفاف اللزج من أصبعي صابر أمام عينيه المندهشتين ، عرف صابر أنّها الروح التي قرأ عنها كثيراً ، وتجادل حولها مع الكفار والملحدين أكثر، لكن دهشته لرؤيتها تخرج من جسده الآن، وتلك النظرة في عينيه، نظرة عدم التصديق ، أثبتت له في لحظاته الأخيرة تلك أنّه لم يكن طيلة حياته بأقل كفراً وإنكاراً من الملحدين والكفار الذين أتعب نفسه وأنهكها في نقاشهم. لم يكن صابر يعلم أنّ الروح موجودة حقاً فيه بهذه الطريقة التي تخرج بها من جسده الآن.

أخذ ملك الموت يسحب المادة الشفافة اللزجة من أصابع قدميه، ثم من قدميه ثم كاحليه ثم ساقيه، واستمر يصعد نحو نصفه الأسفل، وكان صابر يشعر بدغدغة مضحكة ومزعجة بآن. ذكره ذلك الشعور بتلك الأوقات التي كانت زوجته "جحود" توقظه فيها كل صباح باكر بدغدغة بطن قدميه بأظافرها الطويلة حتى يستيقظ. يتذكر ذلك الشعور بالخربشة جيداً، ويتذكر أن جسده كان يقشعر ليستيقظ فزعاً...متألماً من تجريح أظافرها الطويلة..ضاحكاً في نفس الوقت من دغدغتها لباطن قدميه.

تمنى في كثير من الأوقات لو أنّه سبها ولعنها لتلك الفعلة، مثلما يشعر الآن نحو ملك الموت، ولكنّه كما عجز عن ذلك من قبل مع زوجته "جحود"..عجز الآن أيضاً مع ملك الموت. كان يخشى مسبة "جحود" ، لأنّه يعلم جيداً بأن لسانها أطول من شعرها. وهو الآن عاجز مع ملك الموت لأنّ يديه أقوى من أجنحته العديدة، بينا صابر لم يعد سوى إنسان ميت مثلما كان دائماً من قبل مع زوجته.

أخذت يدا ملك الموت تمتدان نحو بطن صابر، والتقت عيناهما عندما وصلت عملية انتزاع الروح إلى فرج صابر، حتى شعر بما يشبه النشوة الجنسية تماماً عندما انزاحت المادة اللزجة خارجة من خصيتيه وذكره ونظر بكراهية وتقزز إلى المخلوق المجنّح الذي يجلس أمامه، ود حينها لو أنّه بصق في وجهه، لو أنّه أخبره كم هو شاذ وكريه وفاسق.

وعندها ضحك ملك الموت بلزوجة شبيهة بروح صابر، وقال له:
- والله غصب عني يا صابر.

خبيث ذلك الكلب المجنّح. إنّه يلتذ بأجساد عباد الله ويتمتع بفروجهم. يتخذ من وظيفته حجة للتحرش بالجسد أمام الله، لعينٌ يلتذ بالعورة، أدرك صابر في تلك اللحظة السبب الذي دفع بموسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم إلى فقء عين ذلك الخبيث.

تكشفت أسنان ملك الموت الملائكية الوقحة عن بسمة أشد لزوجة من سابقتها.
شعر صابر حينها بل تمنّى لو أنّه استطاع الحركة ليتناول حذاءه ويوسع الملك الفاسق ضرباً على رأسه. نفس الشعور الذي تمنّاه من قبل نحو رفاق السجادة الذين ازكموه برائحة المسك في المسجد.

مسك؟

بدأت رائحته الكريهة اللاذعة تصل إلى أنف وخياشيم صابر مرة أخرى مع اقتراب روحه اللزجة من نصفه الأعلى، تلك الروح التي تمسك بها يدا الملك اللتان تطفح منهما رائحة المسك ، والتحرش...

ثيران ، غزلان نافرة ، بدو ، صحراء ، موت ، تحرش جنسي ، ومسك..

بدأت يدا الملك تتجهان إلى القلب ثم أعلى الصدر ثم النحر، وغرغر صابر.
لم يعرف حقاً سبب غرغرته تلك، أهو وصول الروح إلى عنقه ، أم تقززه ورغبته الشديدة في التقيء بسبب رائحة المسك التي تغلغلت فيه بحدة.

لو سألنا صابر في تلك اللحظة الأخيرة من حياته عمّا كان يتمنّاه قبل رحيله من الدنيا، لأخبرنا أنّه يود لو بدأ الملك بأخذ روحه من أنفه أولاً كيلا يضطر إلى تقيئها في كل لحظة تمر عليه وهو يشم رائحة يد الملك المقززة بالمسك.

لم تواتنا الفرصة على أية حال لسؤال صابر عن أمانيه وقد بات الوقت متأخراً الآن.

مات صابر أخيراً.

تتابعت في الغرفة صرخات كزخات المطر. لم يسمعها صابر، وكان محظوظاً في ذلك، لو سمعها لتساءل علام يصرخ أهله، لماذا تولول زوجته "جحود" ؟ ألأنّه مات أم لأنّ جند الله انتهكوا شرف زوجها واستباحوا عفته باسم الله المميت ؟

عبأت رائحة المسك الغرفة الكئيبة. ولم تعرف "جحود" ولا أهل صابر ما يعنيه ذلك، ولا من أين اتت رائحة المسك.

ولذا فسروا تلك الظاهرة العجيبة بأنّ الله رضي عن صابر وختم له بخاتمة الخير..

خاتمة من مسك..
10-08-2006, 12:46 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-07-2006, 02:27 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-07-2006, 09:08 AM,
الجحيم - بواسطة خوليــــو - 10-07-2006, 03:28 PM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-07-2006, 09:24 PM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-08-2006, 12:46 AM
الجحيم - بواسطة Guru - 10-08-2006, 05:02 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-08-2006, 10:30 PM,
الجحيم - بواسطة salim - 10-09-2006, 02:57 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-09-2006, 04:12 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-09-2006, 04:28 AM,
الجحيم - بواسطة morgen - 10-09-2006, 11:31 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-09-2006, 12:52 PM,
الجحيم - بواسطة نزار عثمان - 10-09-2006, 09:27 PM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-10-2006, 12:01 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-10-2006, 09:31 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-11-2006, 04:27 AM,
الجحيم - بواسطة Albert Camus - 10-12-2006, 02:36 AM,
الجحيم - بواسطة Guru - 10-15-2006, 11:14 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  سيجارتى الحبيبة .. اذهبى إلى الجحيم adoring_him 17 2,832 01-27-2005, 06:51 AM
آخر رد: المراقب

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS