الأصنام ...

حطم "النبي" الأصنام على يد خالد بن الوليد في الحلقة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة , و لم يحدث ذلك إلا بعد "فتح مكة" و تمكنه من الحرم ,كان النبي صاحب نظرة بعيدة جدا عندما كان القرار الأول الذي أتخذه بعد أن استقر به المقام في مكة هو تحطيم الأصنام , فقد يكون من السهل على الإنسان الرجوع الى مفاهيم قديمة راسخة إذا ما وجدت المفاهيم الجديدة بعض العقبات أو الصعوبات ,و كان الإختبار الأول لمدى رسوخ مفاهيم "النبي" الجديدة , هو وفاته,غياب الأصنام بعد إثبات فشلها الروحاني بتحطيمها,كان من العوامل الأساسية في ثبات قسم كبير من العرب على الإسلام , بعد إرتداد قسم آخر , و توحي خطبة أبو بكر عقيب وفاة "النبي", بوجود "روح عليا" ذات طبيعة حيه غير جامدة و غير قابلة للتحطيم تتجاوز صلادة الحجر و محدودية البشر عندما قال "من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".

لم يكن محمدا حاسما كل الحسم في موقفه من الأصنام , و تميزت نظرته أليها و آرائه فيها بالتطور و الإرتقاء خلال سني حياته و فترة دعوته , بدأ "النبي" مؤمنا بالأصنام فقد نقل عنه قولة "لقد أهديت للعزى شاة عفراء ة أنا على دين قومي", و العزى "مجموعة أشجار" كانت تعظمها قريش و تقدم لها القرابين , و هذا موقف مبكر من غير المعروف الى متى أستمر في إعتناقه , و لكن هذا الموقف من الأصنام تبدل الى ما يشبه لوم من يتخدها دون الإساءة إليها إساءة مباشرة و كان يقول عنها "لا تضر و لا تنفع", و هذه مقولة حذرة لا تتضمن أكثر من عتب . و لكنها تشير الى جمود هذه الأصنام و خلوها من "الروح", ثم جاء موقف القرآن نفسه مؤكدا على فحوى عبارة "لا تضر و لا تنفع" بتوجيه لوم صريح الى متخذي الأصنام دون التعرض لها شخصيا ,فجاء على ذكرها في سورة النجم "المكية" على الشكل التالي:

أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى 19 وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى 20 أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى 21 تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى 22 إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى 23 أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى 24.

موقف "النبي" من الأصنام لم يتبلور بشكل كامل حتى بعد أن استقر به المقام الآمن في يثرب ,و بعد أن آمن بدعوته عدد كبير من أهالي المدينة , فهو لم يوعز لهم بتحطيم صنمهم المفضل "مناة", و آثر الإبقاء عليه الى ما بعد فتح مكة,دفعة واحدة تقريبا تفجر غضب النبي على الصنم , جاء هذا الغضب المفاجىء بعد أن تم الإستيلاء على مكة إستلاءا كاملا , فأمر قادتة بإزالة الأصنام و أعتقال أو قتل سدنتها , و نهب كل الأوقاف التي كانت لها,ما أعتقده أن النبي لم يكن مستاءا من الأصنام حتى تلك الدرجة , لأنها لم تكن تمثل بديلا "لله" في نظر قريش و بقية القبائل العربية , فهي كانت مجرد "وسيط" بين الإنسان و الله , فقد كان يقال عنها "أنها تقربنا من الله زلفى" أي نقترب بواسطتها من الله درجة , و في هذا المعنى يقول أوس بن حجر :
و باللات و العزى و من دان دينها ************* و بالله إن الله منهن أكبر .
و قد بالغ البعض بتعظيمها ووصل الى درجة إحلالها مكان الله , و هذا "فيما أعتقد" ما حاول النبي أن يصرف الناس عنه بتحطيمها ,ليبقى التقديس موجه نحو إله واحد لا شريك له ,و لكن أثر الأصنام لم يمح تماما من نفسية "النبي" لأنه أبقى من الإرث الوثني الكبير على تذكار مازال حيا و مقدسا حتى هذه اللحظة و هو الحجر الأسود.

لم يرتكب النبي "جريمة ثقافية" بتحطيمة الأصنام لأنها "في رأيي" لم تكن تمثل ثقافة اصلية ناشئة عن أرث المنطقة , فثقافة عبادة الأصنام عادة دخيلة أستقدمها تجار الجزيرة العربية فيما أستقدموا من تجارة , و يقوي هذا الرأي الهيئة التي كانت الأصنام عليها , فهي لم تتجاوز أن تكون حجرا ضخما ذو شكل غريب , أو شجرة هائلة الحجم و في أفضل الأحوال تمثالا ذو قيمة فنية منخفضة , بالإضافة الى الأسماء الإعتباطية التي أعطيت لهذه الأصنام, فغاب عنها التخصص الذي كان معروفا عن آلهة القوميات المجاورة التي أتخذت فيها عبادة الأصنام شكلا أكثر تنظيما و أكثر دقه , يضاف الى ذلك التعامل القاسي الذي كان يعامل به العربي إلهه أحيانا ,فقد كان يصنع إلها من تمر و عندما يجوع يأكلة , أو كان يحمل معه حجرا ذو شكل جميل أو غريب في تسفارة و لا يتواني أن يجعله مستدا لقدر طعامه حين تعز الحجارة, و هذا التعامل الجلف لا يليق بمؤمن ,و قد يبرر رأيي الكثرة المفرطة في عدد الأصنام و أتخاذ كل قبيلة صنم أو حتى كل اسرة صنم , بل كاد أن يكون لكل شخص صنم خاص يتقرب به من الله فيأكلة بعد أن يفرغ من دعائه , و تحفظ بعض الكتب الكثير من أسماء الأصنام دون أن نعرف عنها الكثير و بعضها لا يعرف عنها إلا هذا الأسم , دليل كثرتها و تفرقها و عدم الجدية الكبيرة في إتخاذها , و منها مناف و قيس , و سواع , و ود و نسر , و ياليل , و يغوث , و يعوق و سعد و المطلب و الرحمن .و ما يجعلني أظن أن عبادة الأصنام عادة دخيلة و جود طائفة الأحناف , و هم مجموعة غير منظمة لم تكن تعترف بعبادة الوثن , و هؤلاء بقايا فكر ديني كان سائدا في الجزيرة العربية لم يكن للاصنام فيها مكانا.
لذلك لا اميل الى فكرة التي تقول بأن اصنام الجزيرة شكل آخر لآلهة قوميات مجاورة أو مجرد إستنساخ لها , لأنها في أحسن الأحوال نسخ مقلدة بشكل سىء, لعدم إحتواء الصنم على كل المفاهيم الروحية و الإجتماعية و الثقافية لمقابله نهاهيك عن شكلها الخارجي المختلف, و ملائمتها لتأيدة أغراض محلية بحته ,أصنام الجزيرة "في رأيي" , مجرد توق الى رؤية "الله" متجسدا في هذه الأصنام لعدم القدرة على رؤيته عيانيا.

مودتي