صباح الخير يا عم إبراهيم،

أشكر لك طرحك للموضوع، وإن كان قصدك منه صعب الفهم، ويحتاج إلى مطالعة ردود الزملاء وردك...

لا أعرف الكثير عن كارل يونغ وأعماله، ولا أذكر إلا مقالات قرأتها هنا وهناك. كل ما أعرفه أنه أقر بالروح وبالدين، وربط بينهما وبين اللاوعي.
ولكنني أعرف أيضاً أن مدرسة فرويد هي التي انتصرت لعقلانيتها وعدم ارتباطها بتقاليد إنسانية موروثة من العصر الحجري، ولمحاولتها البناء بدءاً من العقل والمنطق.
لست اختصاصياً في هذا المجال حتى أتكلم فيه كثيراً.
لذلك أترك لمن اختص فيه أو قرأ عنه بإمعان الحديث...

أرى هنا ثغرة كبيرة في طرحك، ففي الوقت الذي تتحدث فيه عن خلط المفاهيم عند البعض، أراك تمدح بخلط فراس السواح لبعض المفاهيم...

أولاً، أعتقد أن نظرية النسبية هي التي أتت بمفهوم البعد الرابع، وذلك قبل ميكانيك الكم الذي وصل في بعض دراساته النظرية إلى بضعة عشر بعداً...

ثانياً، ما دخل البعد الرابع والفيزياء الحديثة بالعفاريت والجن واللامعقول ؟

ما ينتقد عند كل المؤمنين بهذه الخزعبلات، أنهم يبحثون لاهثين عن دليل لوجودها، وما هم يركضون إلا وراء السراب.

زرت متحف السحر هنا في فرنسا، ورأيت اختراعات هوديني Houdin المذهلة، والتي قال الكثير من الناس عنها إنها سحر وشعوذة، وإنه متحالف مع الشياطين... والذي تتلمذ في مدرسته ديفيد كوبرفيلد الشهير.
يبين المتحف أن كل خدعة سحرية لها سرها وتفسيرها، وتفسير الخدعة أذهلني أحياناً أكثر من الخدعة ذاتها...
عندي كتب عن السحر وقراءة الأذهان وغيره.... كلها خدع وذكاء، وليس فيها أي غيبيات.
كما تسليت بتطبيق بعضها مثل ألعاب الورق والحبال، فهي تزيد من المعرفة والاطلاع...

شاهدت برنامجاً وثائقياً عن تلك الروح التي تسكن أحد بيوت بريطانيا، وصوروا ذاك الشبح بكاميرات التلفزيون، ثم درسوا تكوين المنزل وفتحات الإضاءة فيه، وفسروا علمياً تلك الظاهرة.

الصراع بين الشرق القديم والغرب الحديث ما زال قائماً، وقد انتقل بعصر الهجرات والاتصالات إلى صراعات محلية في كل مكان.
الدين لم يأت إلا من الشرق العاطفي، وأفريقيا القبلية. والعلم الحديث أتى من الغرب والشمال حيث المنطق يحكم ويسود ولا مجال للعاطفة في الحكم على الأمور.

وفي النهاية، ليست الغيبيات هي المنتقدة بحد ذاتها ولا الإيمان بها، إنما المنتقد والمحذور هو أن يؤدي الإيمان بها إلى هرطقات وتصرفات لا عقلانية قد تودي بالإنسان وبمن حوله، أذكر منها أن يطلق المرء زوجته لأنه يظن أنها تسحره، أو أن يضرب الشيخ المريض النفسي ليخرج الجني منه، أو ضرب الشيش لإثبات وجود الخالق، وغيره من الأمثلة كثيرة في مجتمعاتنا، وهي للأسف تنتقل مع المهاجرين إلى لمجتمعات الغربية.
فمنذ فترة، توفيت فتاة في فرنسا شربت كمية ضخمة من الماء المملح، إثر حصولها عليه من شيخ يرقي ضد الجن والمس، على اساس أنه ماء قرئ عليه ويشفي من العلل....
والآلاف هنا يذهبون إلى منجمين أفارقة وغيبيين، عندما تم البحث في شؤونهم تبين أن معظمهم مهاجرون عاطلون عن العمل يريدون كسب المال بأي طريقة...

العلم موجود وهو حاكم كل شيئ الآن. وإن كان أحدهم مشى يوماً ما على الماء أو طار إلى السماء بفضل "الغيبيات"، فإن العلم جعل الجميع يمشون على الماء ويطيرون إلى السماء بلا تمييز، متى يشاؤون وبكل أمان.

(f)