عزيزي وضاح
تحية و تقدير .(f)
أعددت هذه المداخلة قبل ردك الأخير و آمل ألا يكون هناك تكرار لما جاء بها لأني لم أقرأها بعد .
كي نقيم دور عبد الناصر علينا أن نفهم نسق الثقافة في المجتمعات الشمولية القومية ( غير السلفية الدينية ) ، إنجازات مادية و فنية حقيقية و طفرة تشبه المعجزة ، في الجانب الآخر عداء لحرية الفكر و التعبير وهما ركيزة أي نهضة ثقافية حقيقية ، انجازات عبد الناصر في كلا المجالين كبيرة و بارزة ولا يناظره عربيا سوى صدام حسين ، بالقطع لن أبخس قدر عبد الناصر ولا أهمية إنجازاته ، و لكن الإنجازات الثقافية لا تعني أن يكون الحاكم مثقفا بل أن يكون مؤمنا بدور الثقافة الحيوي في مشروعه السياسي ولا نطالبه بأكثر من ذلك .
على الجانب الآخر كان عهد عبد الناصر الأسوأ في مجال حرية الفكر و التعبير ليس لكراهية عبد الناصر للمثقفين و لكن نتيجة لرؤيته الثقافية . منذ انقلاب 1952 وضع عبد الناصر له هدفا هو السيطرة على عقول المصريين و تعبئتهم من أجل انجاز مشروعه التنموي و كان مشروعا وطنيا رائدا ، اعتقد ناصر أنه لا يستطيع تحقيق مشروعه سوى بترويض المثقفين و على رأسهم الصحفيين ، من أجل تحقيق هذا الهدف استخدم في معركته كل أجهزة الدولة الأمنية مثل المباحث و المخابرات و أيضا السجون و المعتقلات كما وظف تنظيمات الثورة السياسية كالتنظيم الطليعي ( السري ) ، و كان تأميم الصحافة في مايو 1960 و انتقال ملكيتها إلى التنظيم السياسي الوحيد وقتها ( الاتحاد القومي ) ذروة اجراءات عبد الناصر للسيطرة على الصحافة و الرأي العام ، كانت النتيجة أن خيم القهر و الخوف على المثقفين للإشتباه في عدم ولائهم للنظام و بالتالي للدولة التي أصبحت امتدادا للنظام و جزءا منه .
تصادم الحكام و المثقفين ظاهرة طبيعية فالمثقف دائما ينتقد الأوضاع القائمة التي يفرزها و يدافع عنها النظام ، هنا يقف القانون حائلا دون عصف الحاكم بالمثقف ، و عندما يغيب القانون فالسجون أو القبور أو الصمت القهري الذي يعني ما هو أكثر من الموت سيكون مصير المثقف و هذا ما كان ، من الصعب أن نحصر المثقفين الذين استضافتهم السجون و المعتقلات الناصرية أو فقدوا أعمالهم و أرزاقهم و تشردوا على يد النظام الذي ساندوه باخلاص ، القائمة طويلة تكاد تشمل كل قلم بارز في مصر و الأسباب واهية تكاد تصل لحد الكوميديا السوداء ، انتهت المعركة بين عبد الناصر و المثقفين بهزيمة الثقافة و عبد الناصر و الوطن كله عام 1967 .
على مستوى الثقافة الشخصية فجميع ضباط انقلاب 1952 أشبه بالأميين يفتقدون الحد الأدنى من الثقافة الضرورية للإنسان المتحضر ناهيك أن يكون حاكما ، هل يمكن مقارنة ثقافة جمال عبد الناصر بسعد زغلول او كمال الدين حسين بطه حسين أو عبد اللطيف البغدادي بلطفي السيد ، هذا الفقر الثقافي شيء طبيعي و منطقي فالثقافة نقيصة في المقاتل المحترف و ليست ميزة و هذه ظاهرة في جميع الجيوش تقريبا ، الثقافة تتلازم غالبا مع الإستقلال الفكري و الميل للموادعة و التردد ،و تلك صفات مدمرة للعسكرية ، نحن لا نتوقع أن تجد الثقافة ملاذها الآمن في ثكنات العباسية بل في مجمع اللغة العربية.
هذه بعض العناوين التي تتحدث ولو في جانب منها على علاقة الناصرية بالمثقفين و قد اخترت فقط المراجع المتعاطفة مع التجربة الناصرية ، فعبد العظيم انيس لاقى الأمرين في السحون الناصرية و لكنه يقيم عاليا انجازات و توجهات عبد الناصر ،وهذه متلازمة ماركسية ربما تحتاج لدراسة عميقة ، جميع الماركسيين تقريبا قضوا سنوات طويلة من عمرهم في السجون الناصرية و لكنهم يتعاطفون مع ذات التجربة التي اهانتهم و حطمت كثيرا منهم !.
1- معركة بين الدولة و المثقفين = فنحي غانم – كتاب اليوم – سبتمبر 1995 .
2- مثقفون و عسكر – صلاح عيسى- مهرجان القراءة للجميع – 2002 .
3- الصحافة و الثورة – رشاد كامل – مهرجان الثقافة للجميع -2002 .
4- مذكراتي في السياسة و الثقافة ( جزئين ) - ثروت عكاشة-دار الشروق .
5- مذكرات خالد محي الدين – دار الشروق .
6- أقنعة الناصرية السبع – لويس عوض –
7- مذكرات عبد العظيم انيس – دار الهلال .
8- مذكرات مصطفى السعيد ( جزئين ) - مهرجان الثقافة للجميع -2002 .
9- مذكرات لطيفة الزيات – مهرجان الثقافة للجميع – 2004 .