اقتباس:عزيزي العلماني
تحياتي لك
بالفعل كلامك صحيح... لكن لاحظ أن خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لم يقوموا باختلاق دين جديد ليضلوا به الناس بعد وفاة الرسول (ص).. لم نسمع أن أحداً منهم قال إن صدق ومجد محمد أو إله محمد يزداد بالكذب... لقد قاتلوا بشرف حين كانوا وثنيين وقاتلوا بشرف حين أعزهم الله بالإسلام وأعز الإسلام بهم...

وهل اختلق "بولس"ديناً جديداً ؟

لا أعتقد، ولكنه - كما أظن - شرح ما كان يؤمن به وذهب به كل مذهب حسب رأيه واجتهاده. فضلاً عن أن "بولس" لم يأت في عصر متأخر جداً عن المسيح، فهو قد عاصر تلاميذ المسيح الكبار، وعلى رأسهم بطرس، ولم نسمع بخلاف بينه وبينهم إلا ما حدث بينه وبين "برنابا". و"برنابا" - كما تعلم - ليس من تلاميذ المسيح.

أمر آخر، ما يقوله "بولس الرسول" متناسق تمام التناسق مع "الأناجيل الأربعة" المعتمدة، وهذه الأخيرة وصلتنا منسوبة لتلميذين من تلاميذ المسيح (متى ويوحنا) وآخرين من "التابعين" (مرقس ولوقا).
"بولس" إذاً لم يكن وحده، وكرازته تكاملت مع كرازة الرسل الآخرين الكبار. فهل نستطيع أن نقول بأن "بولس" ابتدع ديناً جديداً؟

لا شك بأن بولس الرسول أخرج المسيحية من "شرنقتها اليهودية" وكان أول من دعا "غير اليهود" إلى الديانة الجديدة، ولكن هل جعل منها "بولس" شيئاً آخر؟

المسيحيون لا يقولون هذا طبعاً، فمن يزعمه هم المسلمون. ولكن المسلمين لا يزعمونه بهدف الانتصار للحقيقة والتاريخ، ولكن لأمر آخر يرتبط بنشأة الإسلام ورسالة الرسول الكريم والدفاع عما يعتبرونه هم "دين الله" الذي ينص في "ذكره الحكيم" بأن "اليهود والمسيحيين" قد حرّفوا الكلم عن موضعه.

يعني هذا الهجوم الإسلامي على "بولس الرسول" لم يأت من خلال بحث منهجي يرصد الظواهر ويستقريء الأحداث ويحللها ويربط بينها ويخرج بنتيجة قد تقارب الحقيقة التاريخية أو تحاول مقاربتها، ولكنه زعم ينطوي على "تصديق أولي" موجود في "كتاب إلههم" بأن المسيحية ديانة محرّفة. هنا، يهرب التاريخ والتحليل والاستقراء من الشباك، وتولي "الحقيقة التاريخية" الأدبار، ولا يبقى إلا بعض "الحقائق الإيمانية" التي لا تستطيع أن تقنع أحداً إلا معتنقها نفسه (ولكن معتنقها ليس بحاجة لها لأنه مؤمن قبل أن يبصرها).

نفس النمط من البحث هو ما نراه عند المسيحيين الذين يعتبرون رسول الإسلام دجالاً. فهم يخرجون من منطلق إيماني بحت يخصهم ويروحون كي يبحثوا عن شواهد وعن إثباتات في النصوص الإسلامية، لا هدف منها إلا إثبات بطلان نبوءة محمد.

****

أريد، أخيراً، أن أشير إلى فرق كبير بين "خالد وعمر" من ناحية "وبولس" من ناحية أخرى.
فـ"ـخالد بن الوليد" فارس شجاع ورجل حرب وقتال، و"عمر بن الخطاب" مقاتل عنيد وحاكم كبير ورجل له سحر وجاذبية و"كاريزماتية" كبيرة. ولكن "بولس الرسول" رجل من طينة أخرى لا شأن لها بهذا. فهو "عالم دين ومنظر يهودي كبير" قبل أن يعتنق المسيحية. وهو رجل استعمل "ذهنه وقلمه وقدرته الخطابية والقيادية" في "التنظير والشرح والتفسير" للدين الذي آمن به.

"خالد وعمر" أصحاب سيف ودولة، "بولس" صاحب "كلمة ورأي".

واسلم لي
العلماني