يا وضاح رؤى،

الإسلام وأنا لسنا في محكمة تريد أن تنتزع منا اعترافا، ولست قاضيا.

ابتداء فالإسلام غائب عن الواقع العام منذ مدة طويلة، تقدر عند المتفائلين من المسلمين منذ 88 سنة، أي منذ 1918. هذا عند المتفائلين.
لكن الإسلام أيضا ليس مجهولا، فمن نسب نفسه إليه زورا وبهتانا كان علينا واجب كشفه تزويره، فالإسلام يقبل ويرد من نفس الإسلام وليس بالتزوير والبهتان.

ثم إني لا أدعوك إلى الإسلام الآن، ولا أدعو غيرك، وإن كنت أفخر بذلك لو صنعته، أدعوك أن لا تتحامل على الإسلام لكراهية شخصية أو لقلة معلومات عنه. ولو شئت أن أجلس في مجلس الدفاع الذي تريدني فيه لنقضت كل حججك، لكني أربؤ بنفسي عن هذا المجلس.

يا وضاح رؤى، نحن نعيش في أزمة انحطاط حضاري، ليس الإسلام بطرف فيها ولا بمسؤول عنها، إذ نشأت هذه الأزمة بعد مدة طويلة من غياب الإسلام من الواقع العام.
من الأوجب علينا أن نتلمس طريق النهضة قبل أن نهدم الانحطاط، ونبين معالم الطريق قبل سلوكه. ونضع لأنفسنا هدفا واضحا ومقنعا للغير يخصنا ولا يخص غيرنا ثم نسلكه.

أنت قد تفترض مثلا أن العالمانية الديمقراطية هي سبيل النهضة ومنتهاها في هذا العصر، فلم إذن لا تجد لنا الوسائل والأساليب الكفيلة بوصولنا إليها دون اتخاذ مشاجب لتعليق أسباب الفشل عليها، ودون تقليد أعمى للغير، والأهم من ذلك كله دون استبداد؟

أما المملكة التي عنيت، فهي من أبعد الممالك عن الإسلام وإن كان فيها الحج. إلا أنه من السطحية بمكان اعتبار أن السعودية هي موئل الإسلام وملجؤه لمجرد وجود الحرمين والقبر الشريف.
كما أن سامراء ليست معقلا للشيعة رغم وجود مرقدي الإمامين العسكريين وسرداب الغائب. وإيران ليست معقلا للسنة مع وجود قبري البخاري ومسلم فيها.
كما أن القدس ليست العاصمة الروحية للنصارى رغم وجود الجلجثة والقيامة وطريق الآلام وتذكارات السيد المسيح وأمه وحوارييه.

أنا لا يعنيني محاكمة الإسلام، فهو غائب على أية حال، وقل أن يقتنع شاهد بغائب، يعنيني تبرئة المملكة المذكورة من حكم الإسلام، والنأي بالإسلام عن الاختلاط بمظالمها.


سأعرج قليلا على قصة الاختلاف،

لا أعرف إن درست شيئا في القانون، لكنني سأفترض ذلك.
ابتداءا فلا يمكن تصور حياة بشرية منظمة دون قوانين.
ألم تر كيف اختلف البشر ابتداء في الأصول القانونية، سواء تلك المتعلقة بالمعاملات أو بالعقوبات؟
ثم نشأ عندك مذاهب ثلاثة في القانون الوضعي لاتيني وجرماني وانجلوسكسوني،
ثم نشأ في كل قانون فقهاء فيه اختلفوا ولا يزالون مختلفين وسيبقون كذلك.
ولولا أن هناك سلطة في البلد تتخير من القوانين ما يلزم المجتمع، لصار لكل قاض أحكام لا علاقة لها بالقضاة الآخرين وفي نفس القضية.

هل ذلك ينبغي أن يكون مدعاة لترك القوانين والعودة إلى الفوضى؟

قبل أن تسألني يا وضاح، وندخل في مساجلة من قوله أصح، ثم يسر كل منا بتحقيقه النصر المبين على قرينه، هلم فلنسأل، هل نريد خيرا بالناس في جدلنا هذا؟ وأين يستفيد الناس؟
قبل أن تجد العيوب وتقترحها في الشريعة الإسلامية التي تراني أدعو الناس إليها، هلا جالست نفسك وقلت ماهو البديل؟ ثم إذ عرفت البيدل وإخالك عارفه هلا بحثت في بديلك عن العيوب التي تفترضها فينا؟
وإذ كان ما تراه عيبا في الشريعة قد يكون أيضا فيما تراه بديلا لهأن فهلا بحثنا عن غيره؟ أو لعله ليس عيبا إلا في عيون أنفسنا؟

وضاح يا زميلي العزيز،
ألم يكفنا بضعة قرون من الجدل والجدل المضاد، وتضارب الأفكار؟ لم لا نبحث بالأمر العملي النافع للناس خير من إثبات نصر في جدل نظري لا ينفعني ولا ينفعك ولا ينفع أحدا غيرنا!

الشريعة الإسلامية معروفة الركان واضحة المعالم، سواء أكانت خير شريعة أنزلت للناس أو إنها شريعة متخلفة من القرن السابع. أنا وأنت وغيرنا يعرف أنا واضحة المعالم مضبوطة بقواعد وليست فوضى.

إن زعمت السعودية أنها تطبق الشريعة الإسلامية وكانت تطبقها فعلا، عندها سنرى هذه الجنة الموعودة ونحاكمها على أرض الواقع.
أما إن كذبت السعودية على الناس، وزعمت زورا وبهتانا التزامها بالشريعة، فحينئذ لا ينبغي لرافض للشريعة مثلك أن يتخذ زور السعودية أساسا لينطلق منه ليحاكم الشريعة على فسادها. ذلك قريب من قاض يقبل شهادة زور في محكمة، مع الفارق.
لا نقول هنا أنك لا تعرف زور التطبيق في السعودية لعدم التخصص، لأننا سنرد وهل تحاكم الناس في أمر لا تعرفه؟


ثم إن نزع الغطاء الشرعي عن الحكومة السعودية لهو أسرع في إزالة الاستبداد عن الناس هناك من مهاجمة الشريعة نفسها، فأنت تعرف كما أعرف أن عقدين أو ثلاثة من التركيز على مهاجمة الإسلام دفع الناس إلى التشبث باسمه أكثر فأكثر، ولن يؤول هجومك على الشريعة إلى ترك المطالبة بها عند العوام فضلا عن الخواص، بل سيؤول إلى التشبث بها أكثر فأكثر، فيفوت مطلوبك من علمنة المجتمع، ويفوت مطلوبي من نزع الغطاء الشرعي، لأنك ستعتبر شاهد من الفريق المعادي على شرعية المملكة بما يجعلني شريكك في العداء، اي شريكك في الكفر عند القوم. ويستمر الاستبداد ويتأصل ويأخذ العراقة في المجتمع، ويفوت غرض كل داع إلى النهضة، أكان مستندا إلى الأساس الإسلامي في ذلك إم إلى غيره من عالمانية أو شيوعية ربما.

فكر جيدا يا وضاح بما كتبته لك، وهو دعوة عامة إلى الجميع بترك الجدل في النظريات ومحاولة تقديم الحلول العملية النافعة للجميع. ولعلنا نتوقف، مسلمين ونصارى وعالمانيين واشتراكيين وديمقراطيين إلخ...، من محاولة ابتغاء النصر على الآخر في معارك طواحين الهواء.