{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رواية الخيميائي - اهداء لمن لم يقرأها, لـ باولو كويلو
ابن نجد غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,890
الانضمام: Mar 2004
مشاركة: #2
رواية الخيميائي - اهداء لمن لم يقرأها, لـ باولو كويلو
وازدادت ثقته بنفسه وأحس برغبة عارمة في اكتشاف العالم.
- لكنني ذاهب باتجاه الريف الذي أعرفه جيّداً من قبل لأرعى أغنامي من جديد.
لم يعد مقتنعاً بقراره، إذ أنه عمل سنة بكاملها من أجل تحقيق حلم، صار مع مرور الوقت يفقد أهميّته شيئاً فشيئاً، ربما لأنه لم يكن في المحصّلة حلمه.
- من يعلم؟ في نهاية الأمر، أليس من الأفضل أن نكون كتاجر الزجاجيّات الذي قرر عدم السفر مطلقاً إلى مكة والعيش مع رغبة السفر إليها؟ لكنه تناول "أوريم وتوميم"، هاتان الحجران اللتان كانتا تمدّانه بقوة وإرادة ذلك الملك العجوز، ولعلّه بفعل مصادفة أو علامه ـ حدّث نفسه، فإنه دخل المقهى الذي دخله في اليوم الأول، سارقه لم يكن هناك، أما صاحب المقهى، فقد أحضر إليه كوباً من الشاي.
- بمقدوري دائماً أن أعود راعياً ـ حدّث نفسه ، فقد تعلّمت العناية بالاغنام، وهذا مالا أنساه أبداً، لكن ربما، لن تتوفر لي بعد فرصة أخرى للذهاب إلى أهرامات مصر، فالرجل العجوز كان يمتلك على قلادة من ذهب، وكان يعرف قصتي، إنه ملك حقيقي، ملك عالِم.
فهو على بعد أقل من ساعتي سفر بالقارب من سهول الأندلس، لكن بينه وبين الاهرامات هناك صحراء شاسعة.
لقد فهم أنه يمكن أيضاً تصوّر الموقف كما يلي: أنه الآن على بعد ساعتين من كنزه، لكن حتى هذه المسافة التي لا تستغرق أكثر من ساعتين من السفر قد كلّفته تكريس سنة كاملة من العمل.
- إنني أعرف جيداً لماذا أريد العودة إلى اغنامي، لأنني أعرف أنها لا تتطلب كثيراً من العمل، وأن المرء يستطيع أن يحبها، لكن لا أعرف إن كانت يمكن للصحراء أن تُحب، علماً بأن الصحراء هي التي تحتوي على كنزي، وإذا لم أستطع إيجاده فبإمكاني الرجوع إلى بلدي، ومع ذلك فإن الحياة قد أعطتني فجأة المال الكافي، ولدي كل الوقت الذي أحتاجه، فلماذا أحجم إذن؟
في هذه اللحظة عاوده شعور عارم بالغبطة، فهو يستطيع أن يعود راعياً، ويستطيع أن يعود بائع أوان زجاجيّة، وربما يخفي العالم كثيراً من الكنوز الأخرى، لكنّه حلم بحلم تكرر، والتقى ملكاً، وهذا لا يحصل لكل الناس.
كان مسروراً للغاية عندما خرج من المقهى، فقد تذكر أحد ممولي التاجر بالبضائع، والذي كان يحمل إليه أوانيه الزجاجية بواسطة القوافل التجارية العابرة للصحراء.
احتفظ بأوريم وتوميم بين يديه، فبسبب هاتين الحجرين هاهو يعود إلى الدرب التي تؤدي به إلى كنزه.
- إنني دائماً مع هؤلاء الذين يعيشون أسطورتهم الشخصية. كان قد قال الملك العجوز.
ولم يفته الذهاب حتى المرفأ، ليعلم إن كانت الأخرامات بعيدة فعلاً.

× × ×

كان الانكليزي جالساً في مدخل مبنى تصدر منه رائحة الدواب والعرف والغبار، وكأنه ليس بمرفأ وإنما حظيرة للماشية.
- أمضي جلّ هذه الأيام لأمرّ على مكان كهذا ـ حدّث الانكليزي نفسه وهو يتسلّى بتقليب مجلة كيميائة ـ عشر أعوام من الدراسة كي أنتهي إلى حظيرة ماشية !
كان عليه أن يتابع طريقه وأن يؤمن بالعلامات، فكل حياته ودراساته قد كرّست في البحث عن اللغة الفريدة، التي يتحدث بها الكون، في البداية كان قد اهتم بالاسبرانتو، ثم بالأديان، ولينتهي بالخيمياء، لقد أجاد التكلّم بلغة الاسبرانتو وانسجم تماماً مع مختلف الأديان، لكنّه لم يصبح خيميائياً بعد، وقد نجح دون شك بتحليل أشياء هامة، لكن أبحاثه وصلت إلى مرحلة لم يعد يستطيع تجاوزها.
حاول إقامة علاقة مع أحد الخيميائيين، لا على التعيين، فالخيميائيون شخصيات غريبة لا يفكّرون إلا بأنفسهم، ويمتنعون في أكثر الأحيان عن تقديم مساعدتهم، من يعلم إن كانوا لم يكتشفوا بعد سر الانجاز العظيم، وبعبارة أخرى، " حجر الفلاسفة " ، ولهذا السبب يتغلّقون على أنفسهم بصمت.
لقد أنفق جزءاً من الثروة التي تركها له والده باحثاً دون جدوى عن حجر الفلاسفة، وتردد على أكبر مكتبات العالم، واشتري أهم وأندر الكتب المتعلّقة بالخيمياء، ففي إحداها كان قد اكتشف أن خيميائياً عربياً زار أوروبا منذ سنوات عديدة، قيل أن عمره أكثر من مائتي عاماً وأنه اكتشف حجر الفلاسفة، وإكسير الحياة. لقد أثّرت هذه القصة بالانكليزي كثيراً، وكان يمكن لهذه الرواية أن تبقى مجرّد أسطورة من بين سائر الأساطير الكثيرة، لولا أن واحداً من أصدقائه العائدين من رحلة أثرية في الصحراء كان قد حدّثه عن أعرابي يملك قدرات خارقة.
إنه يعيش في واحة " الفيّوم " ـ كان قد قال له ـ والناس يروون أن عمره مائتي عاماً، ويستطيع تحويل أي معدن إلى ذهب، عندها عرف الانكليزي الذي أثارته القصة انفعالاً بلا حدود، فألغى في الحل كافة التزاماته السابقة، وجمع أهم كتبه والآن هاهو ذا هنا في هذا المرفأ المشابه لحظيرة الماشية.
وفي هذه الأثناء كانت قافلة تجارية كبيرة على أهبة الاستعداد للانطلاق لاجتياز الصحراء. وكانت هذه القافلة ستمر في طريقها إلى الفيوم.
- لابد لي من أن ألتقي هذا الخيميائي اللعين ـ فكّر الإنكليزي.
وأصبحت رائحة الحيوانات محتملة بعض الشيء.
دخل شاب عربي يحمل أمتعته أيضاً إلى المبنى الذي يحل فيه الانكليزي وحيّاه.
- أين تذهب؟ سأل العربي.
أجاب الانكليزي:
- إلى الصحراء، وعاد إلى قراءته، لم تكن لديه الرغبة في المحادثة حينذاك، إذ كان بحاجة لمراجعة ماكان قد تعلّمه خلال تلك السنوات العشرة، لأن الخيميائي سيُخضعه بالتأكيد لنوع من الاختبار.
تناول الفتى العربي كتاباً أيضاً وأخذ يقرأ بدوره، لقد كتب الكتاب باللغة الأسبانية ـ ياللحظ ـ فكّر الانكليزي، فهو يجيد الأسبانية أكثر من العربية، وإن كان هذا الفتى سيذهب إلى الفيّوم، فسوف يتحدث معه عندما لاينهمك بأشياء ذات قيمة.


× × ×

- هذا مضحك، على أية حال ـ فكّر الشاب بينما كان يحاول قراءة مشاهد الدفن الذي بدأت به القصة.
سنتان مرتا على بداية قراءتي لهذا الكتاب، وحتى الآن لم أتوصل إلى تجاوز أكثر من بضع صفحات منه، لم يستطع التركيز، فهو مازال متردداً في القرار الذي عليه اتخاذه، لكنه يدرك الآن أن الأمر هاماً، وهو أن القرارات لاتمثّل إلا البداية، فعندما يتّخذ أي انسان قراراً فإنه ينجرف في الحقيقة ضمن تيار عنيف يحمله نحو مصير لم يكن قد استشفه مطلقاً. حتى في الحلم، في اللحظة التي اتخذ فيها القرار.
- عندما اخترت الرحيل بحثاً عن كنزي، فإنني لم أكن اتصور أبداً أنني سأعمل في متجر الزجاجيّات ـ فكّر في نفسه ليؤكد استنتاجه ـ وبالطريقة نفسها، فإنه يمكن لهذه القافة أن تنسجم مع قرار اتخذته، لكن مسيرتها ستبقى دائماً غامضة.
في قبالته، أوروبي يقرأ كتاباً أيضاً، إنه سمج، فقد نظر إليه باحتقار لدى دخلوه، كان من الممكن أن يكونا صديقين حميمين، لكن الأوروبي قطع الطريق في الحال، أغلق الشاب كتابه ولم يرد أن يتصرّف بأي شيء يبدو فيه مشابهاً لهذا الأوروبي، تناول من جيبه " أوريم وتوميم " وأخذ يلعب بالحجرين.
فجأة أطلق الغريب صرخة:
- أوريم وتوميم !
- وبأقصى سرعة أعاد الشاب الحجرين إلى جيبه.
- ليستا للبيع.
- إنهما لا تشكّلان شيئاً قيّماً ـ قال الانكليزي، إنما بلّورات صخرية ليس إلا، فهناك ملايين البلّورات الصخرية على الأرض، ولكن بالنسبة لها إنها أريم وتوميم، لم أكن أعرف أنهما موجودتان في هذه البقعة من العالم.
- لقد قدّمهما لي ملك كهدية ـ قال الشاب.
مكث الغريب مطرق الرأس ثم غرز يديه في جيبه وأخرج منها وهو يرتجف حجرين مماثلتين.
- لقد تحدثت عن ملك ؟!
- لكنك لا تعتقد بأن ملكاً يستطيع التحدث إلى راعٍ ـ أجاب الشاب راغباً هذه المرة أن يضع حداً للحديث.
- بالعكس تماماً، إن الرعاة أول من رد الاعتبار لملك رفض بقية الناس الاعتراف به، وليس من الغرابة أن يتحدث الملوك إلى الرعاة.
ثم أضاف خشية أن يستعصي الفهم على الراعي:
- لقد ورد هذا في التوراة، فهو الكتاب، الذي علمني كيف أصنع هاتين الحجرين، كانتا الأداة الوحيدة للتنبؤ الذي يبيحه الله، والأساقفة يحملونها ضمن قلادة ذهبية.
أحس الشاب بالسعادة لوجوده في هذا المكان.
- ربما في هذا علامة ـ قال الانكليزي، كما لو كان يفكّر بصوت عالٍ.
- من حدّثك عن العلامات؟ قال الشاب الذي كان اهتمامه يزداد شيئاً فشيئاً.
- كل شيء في الحياة علامة ـ قال الانكليزي الذي أغلق الآن المجلة التي يقرأهاـ لقد صنع الكون بلغة يستطيع العالم فهمها، لكن الأنسان نسيها، وأنا أبحث، من بين أشياء أخرى، عن هذه اللغة الكونية، ولهذا أنا هنا، عليّ أن ألتقي رجلاً يعرف هذه اللغة الكونية. إنه خيميائي.
لكن المحادثة قط قطعت من قِبل مسؤول المرفأ:
- ستنطلق قافلة الفيّوم بعد ظهر هذا اليوم.
- لكنني ذاهب إلى مصر ـ قال الشاب.
- الفيّوم في مصر ـ أجاب الرجل الضخم، وأنت تبدو لي كعربي غريب.
- إنني إسباني.
سرَّ الانكليزي بذلك، حتى لو ارتدى الشاب الزي العربي، فهو على الأقل أوروبي.
- إنه يسمى العلامات بالحظ ـ قال الانكليزي لدى خروج الآخر ـ ولو كنت استطيع لألّفت موسوعة ضخمة بخصوص كلمتي حظ ومصادفة، فبهاتين الكلمتين كتبت اللغة الكونية.
ثم تابعا الحديث، وقد قال له الانكليزي بأنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون التقاه وهو يمسك بأوريم وتوميم، وسأله إن كان هو أيضاً يمضي للبحث عن الخيميائي.
- انا أمضي للبحث عن كنز ـ اجاب الشاب، وقد ندم على ذلك حالاً .
لكن الأنكليزي لم يعلّق أية أهميّة على ماقاله الشاب لتوّه، ثم قال:
- بشكل أو بآخر أنا أيضاً.
- إنني لا أعرف ماتكون الخيمياء ـ أجاب الشاب في اللحظة التي ناداهما فيها رئيس المرفأ في الخارج.


× × ×


- أنا رئيس القافلة ـ قال رجل ذو لحية طويلة وعينين سوداوين ـ وإن حياة أو موت هؤلاء الذين أقودهم منوط بي، لأن الصحراء امرأة متقلّبة الأهواء، فهي تجعل الرجال مجانين أحياناً.
كانت القافلة تضم مايقارب المائتي شخصاً، وكثيراً من الحيوانات: جمالاً، خيولاً، بغالاً، وطيوراً. وإلى جانب الرجال الذين كان بعضهم يحمل سيفاً في حزامه، أو بندقية على كتفه كان هناك نسوة وأطفال، كان في حوزة الأنكليزي عدة حقائب سفر، مليئة بالكتبة، جلبة كبيرة كانت تهيمن على الساحة، وقد توجب على الرئيس أن يكرر خطابه عدة مرات كي يفهمه الجميع.
- يوجد هنا أنواع مختلفة من الناس، في قلوبهم مختلف أنواع الآلهة، أما أنا فإلهي الوحيد هو الله، وأقسم بالله أنني سأفعل مابوسعي، وسأبذل قصارى جهدي كي أقهر الصحراء ثانية، لكنني أريد أن يقسم كل منكم بالإله الذي يؤمن به من أعماق قلبه، بأن يمتثل لقيادتي في كل الظروف، لأن التمرّد في الصحراء يعني الموت.
ارتفع ضجيج يصمّ الآذان من الحشد الذي أخذ كل فرد من أفراده يقسم متخذاً إلهه شاهداً لقسمه.

أقسم الشاب بالسيد المسيح، أما الإنكليزي فقد احتفظ بصمته، وقد استمرت التمتمة وقتاً يتجاوز أداء القسم، فقد كان الناس يرجون عناية السماء أيضاً.
انطلق رنين بوق يؤذن بالانطلاق، وامتطى كل واحد سرج دابته. الإنكليزي والشاب كانا قد اشتريا جملين، وواجها صعوبة بارتقاء ظهري مطيتيهما، وقد عبّر الشاب عن شفقته على مطية الانكليزي المحمّلة بأكياس ثقيلة مليئة بالكتب.
- ليس هناك مصادفات ـ قال الانكليزي محاولاً متابعة المحادثة التي بدأت في المرفأ ـ إنه واحد من أصدقائي من دفعي إلى المجيء إلى هناك لأنه كان يعرف عربياً يـ ...
لكن القافلة انطلقت وصار من المستحيل أن يسمع ماكان يرويه، لكن الشاب فهم في الحال ماكان يرمي إليه، فهذه السلسلة الغامضة التي تربط شيئاً بآخر والتي قادته ليصبح راعياً، وأن يحلم مرات عديدة بالحلم نفسه، وإلى تواجده في مدينة قريبة من إفريقية، وأن يلتقي ملكاً في ساحة، وليُسرق، وليتعّرف على تاجر الزجاجيّات و ...
- كلّما اقتربنا من تحقيق أحلامنا ، أصبحت الأسطورة الشخصيّة دافعاً حقيقياً للحياة ـ استنتج الشاب محدّثاً نفسه.
اتّخذت القافلة في سيرها وجهة المشرق، فكانوا يجدّون في المسير في الصباح ويتوقفون للإستراحة عندما تصبح الشمس حارقة ، ثم يواصلون السفر عندما تبدأ بالانخفاض، لم يكن الشاب يتكلّم كثيراً مع الانكليزي، الذي كان يمضي معظم وقته غارقاً في كتبه.
بدأ يرقب بصمت مسير الحيوانات والناس عبر الصحراء، حيث صار كل شيء مختلفاً عما كان عليه يوم الانطلاق، ففي ذلك اليوم عمّت الفوضى، وعلا الصراخ، وبكاء الاطفال، وحمحمة الدواب، وفي وسط هذه المعمعة كان هناك أوامر الادلاء والتجار اللجوجة.
أما في الصحراء، فلم يكن هناك سوى الريح الأزليّة، والصمت الذي لا يبدده إلا وقع حوافر الدواب، حتى الأدلاء لم يتحدّثوا فيما بينهم إطلاقاً.
- لقد اجتزت مرات عديدة امتدادات من الرمال كهذه ـ قال أحد الجمّالة ذات مساء ـ لكن الصحراء واسعة والآفاق بعيدة بحيث يشعر الإنسان بأنه صغير جداً أمامها، ويُجبر على أن يلوذ بالصمت.
فهم الشاب ماكان يريد الجمّال قوله على الرغم من أنه لم يكن قد طرق الصحراء من قبل، ولكن في كل مرة كان ينظر فيها إلى البحر أو النار ، كان بمقدوره أن يقضي ساعات عديدة دون أن ينطق بكلمة، غارقاً في قلب البعد الهائل والقدرة العجيبة لهذه العناصر.
- لقد تتلمذت من معاشرة أغنامي، وتعلّمت وأنا أبيع الزجاجيّات، أستطيع أيضاً أن أتعلم من الصحراء، فهي تبدو لي أكثر شيخوخة وأكثر حكمة.
كانت الريح نفسها في " طريفه " عندما كان جالساً على الأسوار، ربما تداعب هذه الريح صوف نعاجه الآن، وهي تطوف أرياف الأندلس سعياً وراء الماء والكلأ.
- لم تعد أغنامي ـ قال لنفسه دون أن يشعر بحنين حقيقي إلى مسقط رأسه ـ ولعلّها تعودت على راعٍ آخر ونسيتني بالتأكيد، فالوضع أفضل فكذا، فمن اعتاد على الترحال، كالأغنام يعرف أنه لا بد أن يأتي وقت يكون فيه الرحيل أمراً لامفر منه.
تذكّر من ذلك ابنة التاجر، وشعر كأنه متأكد من انها قد تزوجت، ربما من بائع بوشار، أو من راع يجيد القراءة، يقص عليها عجائب الحكايات فهو ليس الوحيد الذي يستطيع أن يفعل ذلك، لكن هنا الاحساس الباطني ولّد عنده شيئاً من الاضطراب: هل كان يتعلّم بدوره هذه اللغة الكونية الشهيرة التي تعرف ماضي وحاضر الناس قاطبة؟ إنها هواجس ـ كانت أمه تقول ذلك باستمرار.
وقد بدأ يدرك أن هذه الأحاسيس عبارة عن غطسات سريعة للروح في التيار الكوني للحياة، والذي في رحمه تاريخ كل الناس مُتحِد بتاريخ واحد : بطريقة نتمكّن معها أن نعرف كل شيء، لأن كل شيء مكتوب.
- " مكتوب " ـ قال وهو يفكّر بتاجر الزجاجيّات.
كانت الصحراء من رمل ومن حجارة، فلمّا كانت القافلة تصل أما حجر كبير كانت تلف حولها، وإن كانت كتلة صخرية فإنها كانت ترسم لتجاوزها منعطفاً واسعاً، وعندما يكون الرمل ناعماً جداً بالنسبة لخف الجمال، فقد كانوا يبحثون عن ممر يكون فيه الرمل أكثر مقاومة، وأحياناً تكون الأرض مغطاة بالملح وذلك في موقع بحيرة قديمة، وعندما كانت الحيوانات تعاني من التعب، كان الجمّالة ينزلون الأحمال عن ظهورها ويساعدونها بحمل الامتعة على ظهورهم، وهكذا كانوا يعبون المرر الصعب، ثم يعيدون تلك الأمتعة من جديد إلى ظهور الدواب، وإذا مرض أو مات أحد الأدلاّء، فإنهم كانوا يقترعون ليختاروا بديلاً عنه.
لم يكن لكل هذا إلا سبب واحد: فقيام القافلة بكل هذه الأنعطافات لا يهم كثيراً ، طالما أن القافلة تيمم شطر هدف واحد.
وبعد أن تغلّبت على كل العقبات لمحت أماها النجم الذي كانت تهتدي به إلى الوجهة التي توجد فيها الواحة، وعندما رأى الناس أمامهم عند الفجر بريق هذا النجم في السماء أدركوا أنه يدلّهم على مكان فيه الماء والنساء والنخيل والتمر.
كان الانكليزي الشخص الوحيد الذي لم يلاحظ البتة شيئاً من كل هذا، لقد كان منهمكاً بقراءة كتبه.
والشاب أيضاً كان معه كتاب، وقد حاول قراءته منذ الأيام الأولى من السفر ولكنه وجد في مراقبة القافلة والاصغاء إلى الريح أمراً أهم من القراءة بكثير.
فمنذ أن تآلف مع جمله، وتعلّق به، ألقى كتابه، واستراح من عبئه، ومع ذلك فإنه في كل مرة كان يفتح فيها هذا الكتاب كان يتخيّل أنه سيلقى أحداً ذا أهميّة.
صداقة وثيقة قامت بينه وبين الجمّال الذي كان يتواجد باستمرار إلى جانبه، وعند استراحة المساء، أثناء السهرة حول النار، كان يروي له مغامراته عندما كان راعياً.
وخلال إحدى تلك المحادثات، أخذ الجمّال يحدّثه أيضاً عن حياته، وقال له:
- كنت أسكن في بلدةٍ قرب القاهرة، كان لدي بستاني، وأطفالي، وحياة من الممكن ألا تتغير حتى مماتي، وفي إحدى السنوات أعطى البستان محصولاً أفضل بكثير من المعتاد، فسافرنا جميعاً إلى مكة لأداء الفرض الوحيد الذي لم أكن قد أديته حتى ذلك الحين، فأحسست بعد ذلك بالطمأنينة والراحة، وباستعدادي للقاء الموت بسلام. وفي يوم من الأيام أخذت الأرض تهتز، وأخذ نهر النيل الفائض يخرج من مجراه، والذي كنت أعتقد أنه لن يحصل إلا للآخرين، حصل لي أيضاً، خاف جيراني من فقد بساتين الزيتون بسبب الفيضان، وخافت زوجتي أن ترى الأطفال يغرقون، وخفت أنا من رؤية ماقد جنيته طيلة عمري ينهار.
وبعد لحظة تابع:
- لم يكن في اليد حيلة، ولم يكن هناك مايمكن الحصول عليه من الأرض، فصرت مضطراً لإيجاد وسيلة أخرى للعيش، فها أنذا اليوم جمّال. لكنني تمكّنت أن استجيب لكلام الله، يجب على الانسان ألا يخاف من المجهول، لأن كل انساء قادر على اكتساب مايريد، وماهو ضروري له. فكل مانخشاه هو أن نخسر مانملك، سواء مايتعلّق بحياتنا أو بزروعنا، لكن هذا الخوف يتلاشي عندما نفهم ان صيرورتنا وصيرورة العالم قد خطّتها يد واحدة .


× × ×


كانت القوافل تتلاقى في محطة المساء، لدى كل واحدة مايلزم للأخرى، كم لو أن كل شيء كان فعلاً قد كتب بيد واحدة.
كان الجمّالة يتبادلون المعلومات عن العواصف الرملية، ويجتمعون حول المواقد ليسردوا حكايات الصحراء، وفي أوقات أخرى يزورهم رجال مثلثّمون، كانوا من البدو الذين يراقبون الطريق التي تسلكها القوافل، ويقدّمون المعلومات عن قطّاع الطرق أو عن القبائل المتمردة، يصلون بصمت، ويرحلون بصمت ملفحين بجلابياتهم ذات اللون القاتم، ومثلثّمين بطريقة لا تظهر منها إلا عيونهم.
وفي إحدى السهرات التي عقدت حول النار، انضم الجمّال إلى الشاب والانكليزي اللذين كانا يجلسان قرب النار، فقال الجمّال:
- تنتشر إشاعات بأن حرباً ستقوم بين القبائل.
ظل الرجال الثلاثة صامتين، لاحظ الشاب الأسباني أن نوعاً من الخوف الغامض يسري بينهم، علماً بأن أحداً منهم لم يتفوه بكلمة، لمرة أخرى ميّز لغة دون كلمات، إنها اللغة الكونية.
بعد فترة من الوقت سأل الانكليزي إن كان هناك ثمّة خطر.
أجاب الجمّال:
- إن من يتوغل في الصحراء لايستطيع العودة على اعقابه، وعندما لانستطيع الرجوع إلى الخلف، فلن يكون أمامنا سوى التفكير بالطريقة الأفضل للمضي إلى الأمام، والباقي على الله، بما في ذلك الخطر.
وختم قوله وهو يلفظ هذه الكلمة الغامضة : " مكتوب " !
- عليك أن تعطي انتباهك أكثر إلى القوافل ـ قال الشاب للانكليزي بعد رحيل الجمّال ـ فهي تلف وتدور كثيراً، لكنها تتوجه دائماً نحو النقطة نفسها.
- وأنت عليكَ أن تقرأ أكثر عن العالَم ـ علّق الانكليزي ـ فالكتب هي تماماً كالقوافل.
ذلك الرتل الكبير من الرجال والحيوانات، أخذ مذ ذلك الحين يتقدّم متسارعاً أكثر، لم يعد الصمت يخيّم في النهار وحسب، وإنما بدأ يحل شيئاً فشيئاً في المساء أيضاً، حتى في اللحظة التي اعتاد فيها الناس على الثرثرة وهم مجتمعون حول النار، كما أن رئيس القافلة قرر ذات يوم عدم إشعال النار ليلاً كي لايلفتوا الانتباه، صار المسافرون عندئذٍ ينامون ضمن حلقة مكوّنة من الحيوانات كي يحموا أنفسهم من برد الليل.
كذلك عيّن الرئيس خفراء مسلّحين لحماية المخيّم.
وفي إحدى الليالي، لم يستطع الانكليزي النوم، فذهب إلى الشاب الأسباني يثم تمشيا معاً بين الكثبان القريبة، كان القمر بدراً وروى الشاب للإنكليزي كل شيء عن حياته، بدا الانكليزي مهتماً بشكل خاص لما رواه الشاب عن فترة عمله في متجر الزجاجيّات الذي ازدهر يوماً عن يوم منذ أن بدأ الشاب يعمل به.
- هنا يكمن المبدأ الذي يؤثر في كل شي ـ قال ، هذا مايسمّونه في الخيمياء بـ " النفس الكليّة "، فعندما تمتلك الرغبة في شيء ما بكلّ جوارحنا نكون أكثر قرباً من النفس الكلّية، إنها لقوة إيجابيّة دائماً.
ثم قال أيضاً بأن هذا ليس من امتيازات البشر فقط: فكل ماهو موجود على سطح الأرض له روح أيضاً سواء كان معدناً ، او نباتاً ، أو حيواناً ، أو فكرة.
وكل ماهو موجود تحت أو فوق سطح الأرض لا يتوقف عن التحوّل، لأن الأرض كائن حي ولها روح، ونحن جزء من هذه الروح التي نادراً ماندرك أنها تعمل في مصلحتنا، وحتى في متجر الزجاجيّات عليك أن تعلم أن المزهريات نفسها كانت تتعاون لمساعدتك على النجاح.
احتفظ الشاب بالصمت لبعض الوقت متأملاً القمر والرمل الأبيض، ثم قال أخيراً :
- من خلال مراقبتي للقافلة التي كانت تسير عبر الصحراء، أدركت أنها هي والصحراء تتكلّمان اللغة نفسها، ولهذا السبب سمحت لها بعبورها، ولم تتوقف الصحراء عن مراقبة كل خطوة من خطواتها لتتحقق إن كانت على ائتلاف كامل معها، وإن كان الأمر كذلك، فإن القافلة ستصل حتى الواحة، ولو أن الواحد منا وعلى الرغم من الشجاعة التي يملكها، لم يفهم هذه اللغة لهلك من اليوم الأول.
ثم تابعا معاً مراقبة القمر الوضّاء.
- هذا هو سحر العلامات ـ أردف الشاب ـ لقد رأيت كيف يقرأ الأدلاّء علامات الصحراء، وكيف أن روح القافلة تتحاور مع روح الصحراء.
وبعد فترة وجيرة من الزمن جاء دور الانكليزي في الحديث، فقال:
- عليّ في الواقع أن أمنح القافلة انتباهاً أكثر.
فأردف الشاب:
- وأنا عليّ أن أقرأ كتبك.

× × ×


كانت كتباً غريبة فعلاً ، إذ أنها تتحدث عن الزئبق، عن الملح، عن التنبؤات، عن الملوك، لكنه لم يكن ليفهم منها شيئاً على الاطلاق، مع ذلك كانت هناك فكرة تُذكر دوماً في كل الكتب تقريباً، وهي أن الاشياء كلها ليست إلا تجليّات لشيء واحد وفريد.
واكتشف في أحد الكتب أن النص الأكثر أهمية هو عن الخيمياء ويشتمل على بضعة أسطر فقط، وكانت مكتوبة على زمرّدة بسيطة.
- هذا هو لوح الزمرّد ـ قال له الانكليزي بكل فخر، فقد استطاع أن يعلّم رفيقه شيئاً.
- ولكن لماذا هذا العدد الكبير من الكتب؟
- لكي أتمكّن من فهم هذه السطور القلائل ـ اجاب الانكليزي دون أن يكون هو نفسه مقتنعاً تماماً بهذا الجواب.
أما الكاتب الذي أثار اهتمام الشاب أكثر من بقيّة الكتب كلها، فقد كان يروي تاريخ مشاهير الخيميائيين، لقد كانوا رجالاً نذروا حياتهم كلها في تنقية المعادن في مختبراتهم. وكانوا يعتقدون بأنه لدى تسخين معدن ما لسنوات وسنوات، فإنه يتحرر من كل خواصه النوعيّة، فعندئذٍ لن يبقى في مكانه إلا النفس الكليّة، وهذا الشيء الفريد سيمكّن الكيميائيين من فهم كل مايوجد على الأرض، لأنه اللغة التي بفضلها كانت الأشياء تتواصل مع بعضها بعضاً، هذا هو الاكتشاف الذي سمّوه بـ
" الانجاز العظيم " والذي يتآلف من جزء سائل وجزء صلب.
سأل الشاب:
- ألا تكفي مراقبة البشر والعلامات لاكتشاف هذه اللغة؟
أجاب الانكليزي بانزعاج:
- لديك هوَس مفرط في تبسيط الأشياء، فالخيمياء عمل جاد ودؤوب، ومن المحتّم متابعة كل طور من السيرورة كما علّمها المعلّمون.
اكتشف الشاب أن الجزء السائل من الانجاز العظيم هو المادة التي كانت تدعى " إكسير الحياة المديد "، وهذا الإكسير لم يكن يشفي الأمراض فحسب، بل يحمي الخيميائي من الشيخوخة أيضاً. أما الجزء الصلب فهو ماكان يُدعى " حجر الفلاسفة " .
قال الانكليزي:
- ليس من السهل أبداً اكتشاف " حجر الفلاسفة "، فالخيميائيون كانوا يمضون سنوات عديدة في مختبراتهم لمراقبة النار التي تنقّي المعادن، وطوال مراقبتهم للنار، كانوا يتخلّصون من ضمائرهم شيئاً فشيئاً من كل أباطيل العالم، إلى أن لاحظوا ذات يوم أن تنقية المعادة كانت تطهّر نفوسهم أيضاً.
تذكّر الشاب حينذاك بائع الزجاجيّات الذي قال أن عليهما تنظيف أوانيهما الزجاجيّة لأنهما سيجدان نفسيهما أيضاً قد تخلّصا من الأفكار السيئة، ولقد اقتنع أكثر فأكثر بأنه يمكن تعلّم الخيمياء في الحياة اليومية أيضاً.
- بالإضافة إلى ذلك ـ تابع الانكليزي ـ فإن حجر الفلاسفة يمتلك خاصيّة خارقة للمألوف تماماً، فيكفي جزء صغير منها لتحويل كميّات كبيرة من معدنٍ بخس إلى ذهب.
انطلاقاً من هذا، فإن اهتمام الشاب بالخيمياء صار أكبر بكثير، فقد فكّر بأنه بقليل من الصبر سوف يستطيع تحويل كل شي إلى ذهب.
لقد قرأ سير الحياة لشخصيات مختلفة، كانوا قد وفقوا إلى ذلك، هيلفيتيوس، إيلي، فولكانولي، جابر، وكانت سيرهم جذّابة، فكلّهم عاشوا أساطيرهم الشخصية حتى النهاية، كانوا يسافرون، يتلقون العلماء ويصنعون المعجزات على مرأى من عيون المشككين، وكانوا يملكون حجر الفلاسفة وإكسير الحياة المديدة.
لكنه عندما كان يريد أن يتعلّم بدوره كيفية استخلاص هذا الانجاز العظيم، فقد كان يجد نفسه محتاراً، فلم يكن يجد في تلك الكتب إلا رسوماً، وتعليمات مرمّزة ونصوص غامضة.
- لماذا يستعملون لغة يصعب فهمها جداً ؟ سأل الانكليزي ذات مساء.
بالاضافة إلى ذلك لاحظ ـ وفي هذه المناسبة ـ أن الانكليزي لم يكن صافي المزاج، كما لو انه كان يفتقد كتبه.
- كي لايكون هذا مفهوماً إلا من قِبل هؤلاء القلّة الذين لديهم المسؤولية الكافية للقدرة على الفهم _ أجابه _ تصوّر لو أن كل الناس أخذوا يحوّلون الرصاص إلى ذهب، عندئذٍ وخلال زمن قصير جداً، فإن الذهب سيفقد قيمته ولن يساوي شيئاً أبداً. وحدهم فقط أصحاب العقول العنيدة من الباحثين المثابرين هم الذين يتوصلّون إلى الإنجاز العظيم. هذا هو سبب وجودي في وسط الصحراء، وبالتحديد كي ألتقي خيميائياً حقيقياً يعينني على فك الرموز.
سأل الشاب:
- في أي وقت كُتبت هذه الكتب؟
- منذ عدة قرون، زفي ذلك الزمن لم تكن المطبعة قد اختُرعت بعد، فلم يكن يتسنّى لكل الناس التوصّل إلى معرفة الخيمياء.
- لماذا إذن هذه اللغة الغريبة؟ وكل هذه الرسوم والأشكال؟
على الرغم من هذا الإلحاح، فإن الانكليزي لم يجب على هذا السؤال، بل اكتفى بأنه قال أنه منذ عدة أيام يراقب القافلة دون أن يكتشف شيئاً جديداً، وأنه لم يلاحظ إلا شيئاً واحداً، إنهم يتحدّثون أكثر فأكثر عن الحرب.


× × ×


أعاد الشاب الكتب إلى الانكليزي ذات يوم.
- حسن، هل تعلّمت الكثير؟ ـ سأل الانكليزي بفضول لجوج، فقد كان بحاجة إلى من يثرثر معه لينسى الخوف من الحرب.
- تعلّمت أن للعالم روحاً، وأن من يستطيع إدراك هذه الروح سيكون مقدوره إدراك لغة الأشياء، علمت أن خيميائيين عديدين قد عاشوا أساطيرهم الشخصية، وتوصلوا إلى اكتشاف النفس الكليّة وحجر الفلاسفة وإكسير الحياة المديدة. لكنني تعلّمت على الأخص أن هذه الأشياء على درجة من البساطة بحيث يمكن أن تُنقش على زمرّدة.
شعر الانكليزي بالخيبة لدى رؤيته أن حصيلة سنوات الدراسة والرمزو الغامضة، والكلمات المتعذّرة الفهم، وأجهزة المختبرات، لاشيء من كل هذا قد جذب انتباه الشاب.
- لابد أن نفسه فظّة وغير مصقولة لتحسس هذه الأشياء ـ قال في نفسه، ثم تناول كتبه وأعادها إلى الأكياس المعلّقة بسرج الجمل.
- عد إلى قافلتك، هي أيضاً لم تعلّمني شيئاً يُذكر.
عاد الشاب إلى تأمّل اتساع الصحراء الصامت والرمال التي تثيرها الحيوانات في سيرها.


- لكل طريقته في التعلّم ـ كرر الشاب في سرّه ـ فنهجه ليس نهجي، ونهجي ليس نهجه، ولكن كل واحد منا يسعى وراء اسطورته الشخصية، ولهذا فإنني احترمه.
صارت القافلة تسير ليلاً نهاراً، وفي كل لحظة كان يظهر لهم الرسل ذوو الوجوه الملثّمة، والجمّال الذي غدا صديقاً للشاب، نبأ بأن الحرب بين القبائل قد شبّت، وانهم سيكونون محظوظين لو نجحوا في الوصول إلى الواحة، فلقد أنهكت الحيوانات، والناس سادهم الصمت أكثر فاكثر، وأصبح رغاء جمل ما يخيف كل الناس، والذي لم يكن سابقاً سوى جمل يرغي، لعلّ في ذلك مؤشر لبدى هجومٍ ما ؟
ومع ذلك فإن الجمّال، لايبدو مضطرباً جداً من خطر اندلاع الحرب.
- أنا حي ـ قال الشاب وهو يلتهم حفنة من البلح في ليلة غاب فيها القمر وخمدت النار.
- عندما آكل فإنني لا أفعل شيئاً آخر سوى الأكل، وعندما أمشي، فإنني أمشي، هذا كل شيء، وإذا اضطررت يوماً للقتال، فكل الأيام تتساوى عند الموت، فأنا لا أحيا في ماضيَّ ولا في مستقبلي، فليس لي سوى الحاضر لأعيشه، وهو وحده الذي يهمّني، وإن كنت تستطيع ان تعيش الحاضر دوماً، فأنتَ إذاً رجل سعيد. ستدرك أن في الصحراء حياة، وفي السماء نجوم، وأن المتقاتلين يتحاربون لأن هذا جزءٌ من الحياة الإنسانية، والحياة ستصبح عندئذٍ احتفالاً كبيراً لأنها تمثّل دائماً اللحظة التي تعيشها فقط.
بعد انتقضاء ليلتين، وبينما كان الشاب على وشك النوم، نظر الفتى إلى السماء، نحو النجم الذي كان يرشدهم إلى وجهة سيرهم، تراءى له أن الأفق أكثر انخفاضاً بقليل من المعهود، لأن مئات النجوم كانت تعلو الصحراء.
- إنها الواحة ـ قال له الجمّال .
- لماذا إذن لانذهب إليها حالاً ؟
- لأننا بحاجة للنوم.


× × ×




فتح عينيه عندما كانت الشمس تنبثق من الأفق وأمامه، هناك حيث كانت النجوم الصغيرة تتلألأ في الليل، كان يمتد صف لانهاية له من أشجار النخيل ويحتلّ كل اتساع الصحراء.
- وصلنا إليها ـ هتف الانكليزي الذي أفاق لتوّه فرحاً.
ظلّ الشاب صامتاً، فقد تعلّم الصمت من الصحراء، واكتفى بمشاهدة أشجار النخيل تنتصب أمامه، كان مايزال عليه أن يقطع درباً طويلة كي يصل إلى الأهرامات، وفي يوم ما لن يكون هذا الصباح سوى ذكرى، أما الآن، إنها لحظة الحاضر، العيد الذي تكلّم الجمّال عنه، وكان يحاول أن يعيش هذه اللخظة مع العِبر التي استقاها من ماضيه، والأحلام التي يرسمها من أجل مستقبله، ويوماً ما لن تكون رؤية هذه الآلاف من أشجار النخيل سوى ذكرى، لكنها الآن تعني بالنسبة إليه الظل والماء وملاذاً من الحرب.
بالطريقة نفسها التي يبدو فيها جمل يرغي علامة للخطر، والشيء نفسه عندما يمكن لصف من أشجار النخيل أن يمثّل معجزة.
- العالم يتكلّم بأكثر من لغة ـ قال لنفسه.


× × ×


عندما يتسارع مرور الزمن، فإن القوافل أيضاً تَغُذّ بالمسير ـ فكّر الخيميائي وهو يرى مئات الأشخاص والحيوانات يصلون إلى الواحة، وسكّانها الذين يندفعون للقاء القادمين الجدد، والغبار المتصاعد الذي كان يحجب شمس الصحراء والأطفال يقفزون مبتهجين لدى رؤية الغرباء.
لاحظ الخيميائي أن شيوخ القبائل كانوا يتجمّعون من أجل لقاء رئيس القافلة، وان اجتماعهم معه قد طال، لكن هذا لم يثر اهتمامه بشيء، لقد استطاع أن يرى من قبل الكثير من الناس يصلون ويرحلون، ومع ذلك كانت الواحة والصحراء ثابتتين لا تتغيران، كان قد رأي ملوكاً، ومتسوّلين يجوبون هذه المساحات المديدة والرمال التي يتغير شكلها بفعل الرياح، لكنها كانت هي نفسها تلك التي عرفها مذ كان صغيراً، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يكن يستطيع أن يخمد في أعماق قلبه شيئاً من ذلك الحبور الذي يشعر به كل مسافر، وذلك عندما رأى اخضرار النخيل يحلّ محلّ صفرة الأرض وزرقة السماء.
- ربما قد خلق الله الصحراء كي يبتهج الإنسان عند مشهد أشجار النخيل ـ فكّر ـ عزم إذن أن يفكّر بمسائل أكثر عملية، كان يعلم أن مع هذه القافلة سيصل الانسان الذي يتوجب عليه أن يعلّمه جزءاً من أسراره، أخبرته العلامات بذلك. لم يكن يعرف بعد هذا الإنسان، لكن عينيه الخبيرتين ستتعرفان عليه لمجرّد رؤيته، كان يأمل أن يكون موهوباً كتلميذه السابق.
- لستُ أدري لماذا ينبغي لهذه الأشياء ألا تُنقل إلا بالسر فقط ـ فّكر الخيميائي ـ هذا ليس إلا لأن الأمر يعني تماماً أسراراً حقيقية، فالله قد كشف أسراره بحريّة إلى كل المخلوقات.
لم يكن يرى لهذا إلا تفسيراً واحداً، هو أن هذه الأشياء قد توجّب عليها الانتقال بهذه الطريقة، لأنها دون شك قد استخلصت من حياة طاهرة. وأنه من الصعب لهذا النموذج من الحياة أن يُحَدَّ على شكل رسوم أو كلمات، لأن الناس يستسلمون لإغراء الرسوم والكلمات، واخيراً ينسون اللغة الكونية.


× × ×


اقتيد القادمون الجدد في الحال إلى حضرة شيوخ قبائل واحة الفيّوم، لم يكن الفتى ليستطيع أن يصدّق ماتراه عيناه: فبدل أن يرى يئراً محاطة ببعض أشجار النخيل (حسب الوصف الذي كان قد قرأه مرة في أحد كتب التاريخ).
لاحظ أن الواحة أكبر بكثير من العديد من قرى في إسبانية، فهي تحتوي على ثلاثمائة بئراً، وخمسين ألف نخلة، وعدد كبير من الخيام الملوّنة تنتشر بين أشجار النخيل.
- كأننا نعيش حكاية ألف ليلة وليلة ـ قال الانكليزي المستعجل لمقابلة الخيميائي.
وخلال لحظات أُحيطوا بأطفال ينظرون بفضول إلى المطيات والجمال والناس القادمين، كان الرجال يريدون أن يستعلموا عن علامات معركة، والنساء كنَّ يتنازعن على الاقمشة والأحجار الكريمة التي أحضرها الباعة، حينئذٍ بدا صمت الصحراء حلماً بعيداً، فالجيمع يتكلّمون دون انقطاع، يضحكون، ويهزجون ويغنّون بأعلى أصواتهم، وكأنهم خرجوا من عالم الروح، ليجدوا أنفسهم في عالم البشر، كان الناس فرحين وراضين، على الرغم من الحفظّات التي اتُخذت أمس، فإن الجمّال قد شرح للشاب أن الواحات في الصحراء، تُعتبر دائماً أرضاً حياديّة، لأن معظم من يعيش بها هم من الأطفال والنساء، وهناك واحات في هذا الجانب كما في الجانب الآخر، بحيث أن المتحاربين كانوا يذهبون ليتعاركوا وسط رمال الصحراء تاركين الواحات بسلام كأماكن ملاذ.
جمع رئيس القافلة كل أفرادها، ولم يكن هذا ليتم بسهولة، واعلمهم أنهم سيحلّون ضيوفاً لدى سكّان الواحات الذين سيستقبلونهم في خيامهم وسيقدّمون لهم صدر المكان طالما أن الحرب قائمة بين العشائر، فهذا هو قانون الضيافة التقليدي. ثم طلب من الجميع بما فيهم حرّاسه، بتسليم أسلحتهم إلى الرجال الذي عيّنهم رؤساء العشائر.
- هذه هي قواعد الحرب ـ وضّح ـ فالواحة لايمكن أن تكون ملاذاً للمتحاربين.
ولشدّ ما ذهل الفتى عندكا رأي الانكليزي يخرج من جيبه مسدساً مطلياً بمعدن الكرون ويسلّمه للرجل المكلّف بجمع الأسحلة.
- لماذا تحمل مسدساً؟ سأل الشاب.
- كي يساعدني على الثقة بالناس ـ أجاب الانكليزي الذي كان سعيداً لتوصّله إلى غاية هدفه.
من جهته كان الشاب يحلم بكنزه، وكلّما اقترب منه أكثر بدت الأمور تبدو أكثر صعوبة، ولم يعد يتجلى ماسماء الملك العجوز " بحظ المبتدئ "، والآن كان يعرف ذلك، يبدأ البرهان على الإصرار والشجاعة لمن يبحث عن أسطورته الشخصية، كما أن عليه ألا يُظهر أي تعجّل أو نفوذ صبر، كل لا يجازف بعدم رؤية العلامات التي وضعها الله في طريقه.
- إن الله من وضعها في دربي ـ فكّر مندهشاً، فهو نفسه حتى الآن يعتبر العلامات كشيء ينتمي إلى العالم، شيء ما كالأكل، أو النوم، كالرحيل بحثاً عن الحب أو عن العمل، لكنه لم يخطر بباله أبداً، أن يكون لغة يخاطب الله بها عبده ليرشده إلى ماعليه أن يفعل.
- لاتكن لجوجاً ـ كرّر في ذهنه ـ ومثلما قال الجمّال: " كل عندما يحين وقت الطعام، وسِر عندما تزف ساعة السير ".
في اليوم الأول كان الجميع نائمين تحت تأثير التعب، بما فيهم الإنكليزي، ألفى الشاب نفسه بعيداً في خيمة يشعلها خمسة فتيان آخرين من أقرانه.
كانوا من سكان الصحراء، ويتوقون إلى سماع قصص عن المدن الكبرى، تحدّث الشاب عن حياته كراع، وكان أن يأتي على ذكر تجربته في مخزن الزجاجيّات عندما تخل الانكليزي وقطع عليه ذلك.
- لقد بحثتُ عنك طوال فترة الصيف ـ قال الانكليزي وهو يصحب رفيقه إلى الخارج ـ يجب أن تساعدني على معرفة أين يسكن الخيميائي.
حاولا إيجاده بوسائلهما الخاصة، فلابد للخيميائي أن يعيش بنمط مختلف عن باقي سكان الواحة، ومن المُحتمل كثيراً وجود فرن مشتعل على الدوام في خيمته، وبعد طول مسير، انتهيا إلى إدراك شيء واضح وهو أن الواحة أكثر اتساعاً مما كانا يتصوّران، وأن فيها مئات ومئات من الخيام.
- لقد أضعنا نهاراً كاملاً ـ قال الانكليزي، وهو يجلس مع رفيقه قرب أحد آبار الواحة.
- ربما كان من الأفضل لو سألنا عنه ـ قال الشاب.

- لم يكن الانكليزي يرغب في أن يفصح عن سبب وجوده في الفيّوم، وبدا متردداً، لكنه وافق في النهاية وطلب من الشاب الذي يفوقه في تكلّم العربية، أن يأخذ الأمر على عاتقه.
تقدّم الشاب عندئذٍ من امرأة وصلت لتوّها كي تملأ قربتها ماءً وسألها:
- مساء الخير ياسيّدتي ! أودُّ لو أعرف أين يقيم خيميائي يعيش في هذه الواحة.
أجابت المرأة بأنها لم تسمع على الاطلاق أحداً أتى على ذكره. لكنها قبل أن ترحل نبّهت الشاب إلى عدم حقه في التوجه بالحديث إلى نساء يتّشحن بالسواد، لأنهن نساء متزوّجات، وهذا من التقاليد التي يجب احترامها، ثم انصرفت في الحال.
أحس الانكليزي بخيبة أمل حادة، هكذا يكون قد قام بكل هذه الرحلة من أجل لاشيء ! رفيقه أحس بالأسف أيضاً، فالانكليزي مثله كان يجري وراء اسطورته الشخصية، وعندما يكون المرء في هذا الصدد، فإن العالم بأسره يتضافر ليجعله يحصل على مبتغاه، هكذا كان قد قال الملك العجوز، ولايمكن له أن يُخطئ.
- لم أكن قد سمعت قط أحداً يتكلّم عن خيميائيين أمامي ـ قال الشاب ـ وإلا لكنتُ حاولت مساعدتك.
بريق من الأمل شع من نظرة الانكليزي وهتف قائلاً:
- لكن هذا مؤكد، فربما ليس هنا من يعرف ماهو الخيميائي ... استعلم عن الرجل الذي يعالج أمراض القرية كلها.
عدة نساء يرتدين السواد، جئن إلى البئر لإحضار الماء، لكن الشاب لم يتحدّث إليهن على الرغم من إلحاح الانكليزي، أخيراً اقترب رجل منهما، فسأله الشاب:
- هل تعرف أحداً يعالج الأمراض في القرية؟
- إن الله هو الذي يعالج الأمراض كلها، أجاب الرجل وقد بدا عليه الخوف من هذين الغريبين، انتما تبحثان عن سحرة، أنتما الإثنين ! ..
ومضي في طريقه بعد أن تلا عدة آيات من القرآن.
ظهر رجل آخر، كان أكبر عمراً من سابقه يحمل دلواً صغيراً، فطرح الشاب عليه السؤال نفسه.
- إن كان هناك وجود لهذا الرجل، فهو لابد أنه على درجة كبيرة من القوة ـ أجاب الرجل العجوز بعد قليل من التفكير ثم تابع ـ حتى أن شيوخ العشائر لايستطيعون رؤيته على هواهم عند الحاجة. يجب أن يقرر هو ذلك، انتظرا بالأحرى نهاية الحرب، وارحلا مع القافلة، ولاتسعيا أبداً إلى التوغل في حياة الواحة، ختم قوله مبتعداً.
عندئذٍ بدت شابة ترتدي ثياباً مختلفة، فابتهج الانكليزي، لقد كان على الطريق الصحيح، كانت تحمل جرّة على كتفها، وتضع خماراً حول رأسها، لكنها كانت سافرة الوجه. اقترب الشاب ليسألها عن موضوع الخيميائي.
أحس الشاب كما لو أن الزمن كان يتوقف، وكما لو أن النفس الكليّة كانت تنبعث بكل قوّتها أمامه.
وعندما رأى عينيها السوداوين، وشفتيها المترددتين بين الصمت والابتسام فهم الجزء الرئيسي من اللغة التي يتحدّثها العالم، والتي باستطاعة كائنات الأرض كلها أن تفهمها عبر القلوب.

كان هذا هو مايدعى بالحب، شيء أقدم من وجود البشر، ووجود الصحراء، والذي كان ومايزال ينبثق دائماً وبقوة، وفي كل مكان عندما تلتقي نظرتان كما تلتقي الآن هاتان النظرتان قرب البئر. انفرجت الشفتان عندئذٍ عن ابتسامة، إنها علامة، علامة كان قد انتظرها دون أن يعلم خلال فترة طويلة من حياته، ولطالما قد بحث عنها في الكتب، وقرب نعاجه، وفي الزجاجيّات، وفي صمت الصحراء.
هاهي ذي لغة الكون الخالصة، مفهومة دون أدنى شرح، لأن الكون ليس بحاجة إلى أي تفسير كي يتابع دورانه في الفضاء اللامتناهي.
إن مافهمه في تلك اللحظة هو انه أمام امرأة حياته، وعليها أن تعلم ذلك دونما أية ضرورة للكلام، كان متأكداً من هذا أكثر من تأكده من أي شيء آخر في العالم، على الرغم من أن آبائه وآباء آبائه كانوا قد قالوا إن على الانسان أن يحب أولاً، ثم يخطب، أن يعرف الآخر، وأن يملك المال قبل أن يتزوج. من كان يقول ذلك، لم يكن يعرف مطلقاً اللغة الكونية، لأن المرء عندما يغوص في هذه اللغة يسهل عليه أن يدرك أن في هذا العالم يوجد شخص ينتظر شخصاً آخر، سواء أكان هذا في وسط الصحراء أو في قلب المدن الكبرى، وعندما يلتقي هؤلاء الشخصان، وتتقاطع نظرتاهما، فإن الماضي والمستقبل لا أهميّة، ولحظة الحاضر وحدها هي التي تبقى. وهذا اليقين العجيب بأن كل شيء يوجد تحت قبة السماء قد خطّته اليد نفسها، اليد التي أنجحت الحب، وخلقت لكل كائن روح شقيقة، وهذا الكائن يعمل، ويستريح، ويبحث عن الكنوز في وضح النهار، ولو أن الأمر لم يكن كذلك، لما وجد أي معنى لأحلام الجنس البشري.
- مكتوب ـ قال في نفسه.
نهض الانكليزي الذي كان جالساً، وحرّك صاحبه قائلاً:
- هيا اذهب واسألها.
اقترب الشاب من الفتاة التي ابتسمت من جديد، فابتسم وسألها:
- ماذا تدعين؟
- فاطمة ـ أجابت وهي تغض من طرفها.
- إنه اسم تحمله بعض النسوة في البلد الذي جئتُ منه.
- إنه اسم ابنة النبي ـ قالت فاطمة ـ ومجاهدونا قد نقلوه إلى هناك.
كانت الشابة الحلوة تتحدث بفخر عن المجاهدين، والانكليزي يقف جانباً يلح، فسألها الشاب إن كانت تعرف شيئاً عن الرجل الذي يشفي الأمراض.
أجابت:
- إنه رجل يعرف أسرار العالم، وهو يتكلّم مع جن الصحراء، والجن هم جن الخير وجن الشر.
وأشارت الشابة بإصبعها باتجاه الجنوب، حيث تسكن هذه الشخصية الغريبة، ثم ملأت جرّتها ورحلت، وانصرف الانكليزي أيضاً للبحث عن الخيميائي، وبقي الشاب جالساً بجانب البئر لوقتٍ طويل، وقد أدرك أن ريح الشرق التي كانت قد حملت إليه ذات يوم عطر هذه المرأة، وأنه أحبها قبل أن يعلم إن كانت موجودة فعلاً، وأن الحب الذي يكنّه لها سوف يدفعه إلى اكتشاف أسرار الكون كلّها.
وفي الغد عاد الفتى إلى البئر لينتظر فتاته هناك، لكنه تفاجأ بوجود الانكليزي يتأمل الصحراء للمرة الأولى.
قال الانكليزي:
- لقد انتظرت طوال مابعد الظهر والمساء، لقد وصل عندما ظهرت أولى النجوم في السماء، أخبرته عن الشيء الذي أبحث عنه، وسألني إن كنت قد حوّلت الرصاص إلى ذهب، فأجبته بأن هذا ما أتمنى فعله على وجه التحديد، طلب مني عندئذٍ أن أحاول، ولم يقل شيئاً آخر سوى هاتين الكلمتين: " إذهب وجرّب ".
مكث الشاب صامتاً، وهكذا فإن الانكليزي قد قطع كل هذه المسافة ليسمع ماعرفه من قبل، وتذكّر الشاب أنه هو نفسه قد أعطى ست نعاج إلى الملك العجوز مقابل نتيجة مشابهة.
- حسن ! حاول ـ قال للإنكليزي.
- هذا فعلاً ما سأفعله، وسأباشر حالاً.
بعد انصرافه بقليل، وصلت فاطمة إلى البئر كي تملأ قربتها.
- أتيت لأقول لك شيئاً واحداً ـ قال الشاب ـ أريد أن تكوني زوجتي، فإنني قد أحببتك.
تركت الشابة آنيتها تطفح بالماء، وتابع الشاب:
- سأنتظرك هنا كل يوم، فقد عبرت الصحراء باحثاً عن كنز موجود قرب الأهرامات، كانت الحرب بالنسبة لي نقمة، والآن اعتبرها نعمة لأنها تبقيني هنا قربك.
- لابد للحرب أن تنتهي يوماً ما ـ قالت الفتاة.
تأمل أشجار النخيل، لقد كان راعياً وكان يملك قطيعاً من الغنم، أما فاطمة فهي بالنسبة له أهم من الكنز بكثير.
- المقاتلون يبحثون عن كنوزهم ـ قالت فاطمة، كما لو أنها كانت تقرأ أفكاره ـ ونساء الصحراء فخورات بمقاتليهم، ثم ملأت جرّتها من جديد وانصرفت.
صار الشاب يأتي كل يوم إلى البئر ينتظر قدوم فاطمة، يحدّثها عن حياته كراع، عن لقائه بالملك، وعن مخزن الأواني الزجاجيّة.
صارا صديقين، وصار يجد الوقت طويلاً جداً بقيّة النهار ماعدا الخمس عشرة دقيقة التي كان يقضيها بصحبتها.
كان قد مضى على وجوده في الواحة شهر تقريباً، عندما دعا رئيس القافلة الناس كلّهم إلى الاجتماع، وقال لهم:
- نحن لانعرف أبداً متى ستنتهي الحرب ولن نستطيع استئناف السفر، فالمعارك ستستمر دون شك وقتاً طويلاً، وربما سنوات... وفي كل جانب يوجد مقاتلون شجعان وأشدّاء، وكلٌ من الجيشين يعتز بالقتال، ليس هناك حرب بين الأخيار والأشرار، إنها حرب بين قوى تتصارع للوصول إلى السلطة نفسها، وعندما تنشب معركة من هذا النوع، فإنها تستمر أكثر لأنه في مثل هذه الحالة يكون الله مع الجانبين في آنٍ واحد.
تفرّق الناس، وفي ذلك المساء رأى الشاب فاطمة من جديد ونقل لها مادار في الاجتماع.

- في مقابلتك الثانية ـ قالت الشابة ـ حدّثتني عن حبك، ثم علّمتني الكثير من الأشياء الجميلة كلغة النفس الكليّة مثلاً، وكل هذا قد جعل مني شيئاً فشيئاً جزءاً منك.
كان الشاب يصغي إلى صوتها فيجده أجمل من حفيف سعف النخيل، ثم تابعت:
- منذ زمن طويل وأنا أجيء إلى هنا، قرب البئر لانتظارك، إنني لم أتوصّل لأتذكر ماضيَّ والتقاليد، ولا للطريقة التي يرغب بها الرجال أن تسلكها نساء الصحراء، منذ صغري كنتُ أحلم بأن تمنحني الصحراء يوماً ما أجمل حاضر في حياتي، وهاهي ذي تمنحني هذا الحاضر الذي هو أنت.
أراد الشاب أن يمسك بيدها، لكن فاطمة كانت تمسك بعروتي الجرّة. ثم أردفت:
- ل
11-16-2006, 01:11 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
رواية الخيميائي - اهداء لمن لم يقرأها, لـ باولو كويلو - بواسطة ابن نجد - 11-16-2006, 01:11 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  ألف - روية باولو كويلو الجديدة للتحميل . ali alik 4 3,457 01-17-2012, 05:02 AM
آخر رد: ali alik
  رواية عالم صوفي/ عرض للدكتور محمد الرميحي بسام الخوري 1 2,611 06-15-2011, 08:50 AM
آخر رد: بسام الخوري
  رواية اسمها سورية - 40 كاتب ومؤلف في 1585 صفحة ، ملف واحد بحجم 25 ميجا مع الفهرسة ali alik 10 4,901 04-09-2011, 11:21 PM
آخر رد: kafafes
  رواية فنسنت فان جوخ - رائعة ايرفنج ستون في 772 صفحة .. لأول مرة ali alik 2 4,225 12-25-2010, 02:04 PM
آخر رد: kafafes
  مغامرة الكائن الحي _ جويل دو روزناي - و رواية يوم في حياة ايفان - الكسندر سولجينيتسين ali alik 1 1,895 10-26-2010, 04:48 AM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS