عزيزي كمبيوترجي،
لك جزيل الشكر على مشاركتك إيانا هذا المقال الجميل للدكتور أحمد الجابري الذي ذاع صيته بفضل المقالات الصريحة بشأن بعض الأمور الحساسة في العقيدة الإسلامية.
واليوم نراه يواجه موضوعاً حساساً في العقيدة المسيحية يستحق بدوره النقاش بانفتاح وعقلانية.
سأكتفي حالياً بالافتتاحية التي انطلق منها دكتور الجابري لمعالجة موضوع الثالوث اعتماداً على فهمه لمقالة البابا التي سبق وقلت أنها في غاية التعقيد والتشابك. إذ أنني أعتقد أن الذي يريد فهمها يجب أن يكون ضليعاً في الفكر الأوروبي والفكر اليوناني، وعلى معرفة بالفلسفة وخاصة على دراية بالنزعة الحديثة في أوروبا التي تسعى إلى عزل الفكر المسيحي عن الفكر الإغريقي.
وهذه أمور في مجملها عصية علينا بعيدة عنا لا يمكننا فهمها وولوج مكنوناتها دون الاستعانة بالخبراء.
وإلى حين الاستعانة بالخبراء، أكتفي - كما أسلفت- بمعالجة نقطة بسيطة وردت فيما يلي:
اقتباس: كمبيوترجي كتب/
"بعد أن نسب البابا بينيدكت السادس عشر إلى ابن حزم ذلك الخطأ الذي كان موضوع الحلقة السابقة، يعلق من عنده بما يلي، قال: "وبقدر ما يتعلق الأمر بفهم ألوهية الإله وبالتالي الممارسة المشخصة للدين، فإننا نجد أنفسنا هنا أمام مفارقة مثيرة للحيرة، تطرح نفسها علينا اليوم. يتعلق الأمر بالمشكلة التالية: هل الاعتقاد في أن مما يتناقض مع طبيعة الله إتيان الإنسان لأفعاله على خلاف ما يقتضيه العقل، هو اعتقاد صادق في نفسه دوماً، أم أنه مجرد فكرة قررها العقل الإغريقي لا غير؟". يجيب البابا: "أعتقد أننا نستطيع هنا أن نتبين الانسجام التام بين ما هو إغريقي، بالمعنى الأفضل للكلمة، وبين العقيدة الإنجيلية". ومن هذه النقطة يعمل البابا على تأسيس الأطروحة المركزية التي يدافع عنها في خطابه، الأطروحة التي يردّ فيها على الداعين، من علماء اللاهوت المسيحي قديماً وحديثاً، إلى نزع الصبغة الإغريقية عن المسيحية. والمقصود بالصبغة الإغريقية هنا هو الاعتقاد في التثليث. وإذا كان البابا لا يصرح بـ"التثليث"، فإن دفاعه عن "الصبغة الإغريقية" في المسيحية ضداً على المنادين بتحريرها منها والعودة إلى المسيحية الأولى (أو الأصلية)، لا يعني شيئاً آخر غير الدفاع عن "التثليث".
وأنا في الحقيقة، لا أعرف كيف وصل د. الجابري إلى القناعة بأن الأمر يدور تحديداً حول التثليث الذي لم يذكره البابا ولا أشار إليه لا من قريب ولا من بعيد.
فالبابا قال:
«هل القناعة بأن التصرف ضد العقل يتناقض مع طبيعة الله هي مجرد فكرة يونانية أم أنها فكرة صالحة دوماً وفي حد ذاتها؟! أنا أعتقد أنه في هذه النقطة بالذات يظهر جلياً التوافق الكامل بين كل ما هو يوناني -في المعنى الأفضل- وبين الإيمان بالله على أساس الكتاب المقدس».
لا أدري كيف انتقل د. الجابري إلى الثالوث من هذه الكلمات!!!
فالبابا يتحدث في عمق طبيعة الله وعلاقتها بالعقل والمنطق والعنف وذلك دوماً ضمن الإطار الأعم والأشمل للمحاضرة كلها والذي يقوم على تبيان "العلاقة بين الله والعنف وبين العقل والإيمان".
فهو يقول قبل ذلك:
«الفكرة المحورية في المقالة ضد "الإيمان باستخدام العنف" هي: أن عدم التصرف بحسب العقل يتعارض مع طبيعة الله. ويعلق على ذلك الكاتب ثيودور خوري بقوله: بالنسبة للامبراطور البيزنطي المتشبع بتعاليم الفلسفة الإغريقية فقد وجد هذا التصريح واضحاً للغاية. أما بالنسبة للتعاليم الإسلامية فإن الله متعالٍ للغاية .... حتى وصل الأمر بابن حزم أن يعلن أن الله لا يمكن أن يلتزم حتى بكلماته هو وأن شيئا لا يلزم الله على كشف الحقيقة لنا. ولو شاء الله لجعل الإنسان يمارس عبادة الأوثان».
إذن، الحديث المحوري لا علاقة له بالثالوث بتاتاً، ولا علاقة له بأيٍ من العقائد المسيحية، اللهمَّ إلا تلك التي تتعلق بمحور الديانة المسيحية والقائمة على "وصية المحبة".
إذن، ودون قراءة بقية مقالة الجابري، أنا أرى أن د. الجابري أخطأ في فهم محور القضية هنا، وعوض الحديث عن العقل والإيمان والعلاقة بين الإيمان والسيف وبين الإيمان عن قناعة، فإن د. الجابري -مثله مثل أسلافه من المسلمين- عجز عن استيعاب النقطة المحورية في الفلسفة اليونانية والقائلة بأن:
[SIZE=5]
التصرف ضد العقل يتناقض مع طبيعة الله
تحياتي القلبية