ميلشيات أخوانية فى مصر .... تخيل !
ليسوا إخواناً " , و " ليسوا مسلمين "
د. إيمان يحيى
لا يختلف اثنان على أن التاريخ السياسي المعاصر للمنطقة العربية في القرن الماضي قد شهد أربع تيارات أساسية أصيلة . لقد ساهم كل من التيار الليبرالي والقومي واليساري وحركات الإسلام السياسي في مسيرة النضال الوطني والاجتماعي خلال الفترة السابقة . لا يستطيع أي تيار منهم أن ينفي الآخر , وأن يطلب إقصائه فلقد أثبتت التجارب التاريخية أن كل من تلك التيارات عصى على الاستئصال , بل والأكثر من ذلك أن أي تيار بمفرده غير قادر على إحداث نجاحات مؤثرة على الصعيد الوطني والقومي .
في إطار ذلك التقييم , يصبح انتقاد أحد التيارات الأساسية حقاً مشروعاً للآخرين وواجباً بغرض تحسين الأداء الوطني والسياسي للجسد الحي للأمة . ولا شك أن تيارات الإسلام السياسي بما تمثله من ثقل جماهيري , اكتسبته من مرجعيتها التراثية , قد أصبحت محط الأنظار وهدفاً للبحث وللانتقاد . ولعل " الإخوان المسلمون " , هم أكثر التنظيمات والأحزاب السياسية عرضة للجدل حول مسلكهم السياسي والتنظيمي . من يستعرض تاريخ مصر والعرب المعاصر , يجد أن الإخوان المسلمين هم أكثر التنظيمات " براجماتيه " وقدرة على نسج تحالفات " وقتية " تتناقض مع ما يصرحون به . إنها المرونة السياسية التي قد تصل إلى شبهة " الانتهازية " .
· مواقف زئبقية
كان حسن البنا – المرشد المؤسس للإخوان – صاحب المقولة الخالدة : لا حزبية في الإسلام , والتي تعكس أداء الإخوان المسلمين للديمقراطية النيابية " الحزبية " , لكنه لم يجد غضاضة في عقد التحالفات مع أحزاب الأقلية والقصر الملكي . الأكثر من ذلك أنه عندما كان يتطلب الأمر الإشادة بدستور عام 23 العلماني , كان " البنا " أول المشيدين به , رغم تصريحاته المتكررة عن عدم اعترافه به , ورغم شعوره الغامض المبهم " القرآن دستورنا والرسول زعيمنا " . شعار يصادر " السياسي " لصالح " المقدس " , ويختبئ فيه ظل الديكتاتور ويتدثر بقداسة وعباءة الدين .
ولعل أحدث المواقف الزئبقية المراوغة لجماعة الإخوان , هي ما نشهده اليوم في عالمنا العربي . يعلن " الإخوان " في مصر عن مناصرتهم للمقاومة في العراق وفلسطين لبنان عبر مرشدهم العام مهدي عاكف . في نفس الوقت يقوم " الإخوان " في العراق بمساندة الاحتلال الأمريكي , ويدعمون حكومة الاحتلال برئاسة برايمر بعد الغزو !!. وتصمت الجماعة ومجلس الشورى ذو السطوة العالمية . ويبدو التناقض واضحاً في " فلسطين " , فبينما ترفض حماس اتفاقات " أوسلو " , تقوم بخوض الانتخابات التشريعية على أساس تلك الاتفاقات وتقوم بتشكيل الحكومة , فتجد نفسها أمام استحقاقات يحتمها قبولها الدخول في لعبة كانت ترفضها مبدئياً . وتبدأ محاولات الخروج من المأزق عبر طرح هدنة لمدة طويلة تارة , أو بالاعتراف بدولة على أرضي الضفة والقطاع تارة أخرى . مأزق صنعته الرغبة في الحصول على أكبر قدر من المكاسب للجماعة , وفي نفس الوقت الحفاظ على مبادئ معلنة تتناقض مع تصرفات قيادة الجماعة .
وتبدو " انتهازية " المسلك السياسي للإخوان المسلمين في خير تجسيد لها في مقولة حسن البنا " ليسوا إخواناً .. وليسوا مسلمين " , التي صرح بها عقب موجة الاغتيالات التي قام بها " التنظيم الخاص " التابع لجماعته في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي . كان البنا قد أسس تنظيماً إرهابياً خاصاً للجماعة منذ نهاية الثلاثينات , مستعيناً بعلاقات مع أحزاب وحكومات الأقلية ثم بعلاقة تحالف وطيدة مع الديكتاتور إسماعيل صدقي , وانتهز نشوب حرب فلسطين عام 48 لتخزين الأسلحة وتدريب أعضاء التنظيم , وكان عليماً بكل خطط " النظام الخاص " , لكنه وجد المبرر الأخلاقي لنفي علاقة جماعته وعلاقته بتلك الاغتيالات فقال مقولته المشهورة آنفة الذكر . كان " الاغتيال " بأمره , فهو صاحب القرار الوحيد والأخير , وكان " التصريح " الكاذب أيضاً بلسانه , فهو العليم الأوحد بمصلحة الجماعة . وجهان متناقضان لشخص واحد : الداعية التقي و الإرهابي القاتل .
· جنازة " وطن "
في الأيام الأخيرة عندما تفجرت مشكلة " الحجاب " في مصر , كان نواب الأخوان في البرلمان , هم أول من أثاروها , وأول من حرض على وزير الثقافة وعلى السافرات . لكن المرشد العام مهدي عاكف استلهم منطق "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" ليصرح به بعد أيام من زوبعة " الحجاب " أن من نفخ فيها وحرض عليها , هم نواب الحزب الوطني الحاكم !. نفس الطريقة " الإخوانية " القديمة , التحريض على القتل وتدبيره ثم إنكاره والتبرأ منه . كان القتل والاغتيال مادياً مجسداً للقاضي " الخازندار " ولرئيس الوزراء " النقراشي " في الأربعينيات , وكان هذه المرة في عامنا الحالي معنوياً يستهدف وزير الثقافة " فاروق حسني " , بل وأنصار الدولة المدنية في مصر . يقول المثل المصري الشعبي " يقتل القتيل , ويمشي في جنازته " . المصيبة أن " القتيل " في حالتنا الراهنة هو " الدولة " وأن الجنازة هي " جنازة " وطن .
في الأيام الأخيرة ظهرت بعد سنوات طويلة من الغياب " ميليشيات " شبه عسكرية للإخوان في الجامعات المصرية , يقوم أفرادها في استعراض فنون رياضات القتال العنيفة من " كاراتيه " و " كونغ فو " . إنه شبح " الفاشية " يلقي بظله على أعرق دولة قومية في المنطقة العربية . قد تكون تلك هي لحظات الشد والجذب الأخيرة لتمرير " التوريث " مقابل المزيد من الصبغة الدينية على " الدولة " واقتسام " السلطة " و " المجتمع " بين " الحكم " و " الجماعة " , وقد تكون إرهاصات لإعلان " الدولة الدينية " . لكن الأكيد هو أن منطق " ليسوا إخواناً ، وليسوا مسلمين " هو السائد الآن في سياسات " الإخوان " , وأن وراءه قناعة مخيفة لدى قادتها وأعضائها بأن مصلحة " الجماعة " هي مصلحة " الوطن " , وهي الأجدر بالتحقيق . أليست جماعتهم هي " جماعة المسلمين " ؟!, وكل من ليس فيها , هو خارج عن الملة والدين !. نعيش أجواء تكفير وتهديد بالإرهاب , إنها خطوات على حافة الهاوية .
|