ما بعد خطاب عباس

بقلم : إبراهيم أبو الهيجاء (اخونجي) :?:


الدعوة لانتخابات مبكرة من قبل الرئيس الفلسطيني ، لا تدل إطلاقا على خطوة تاريخية تليق بمقام الرئاسة ولا محطاتها التاريخية المفترضة ، وهي مغامرة إستراتيجية في السياسية الفلسطينية ، وأخشى أن الرئيس الفلسطيني استمع فقط إلى قلبه وعواطفه وجارى ضغوط المحيطين به كما انه استجاب لنصائح الاسرائيلين والاميركان وبعض الأوروبيين..

ولذا لن أكون متفاجئاً إذا ما عرفت أن خطوة الإقدام على الانتخابات التشريعية والرئاسية منسقة مع كل هذه الأطراف لأننا سمعنا مرارا من دينس روس وكوندليزا رايس وشمعون بيرس عن مثل هكذا تمنيات وتوجهات فلايمكن ان نفهم لماذا سارعت إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا لدعم خطوة الرئيس الفلسطيني إلا في أطار التفاهم بين هذه الأطراف على أن هذه الحل هو العلاج الفاعل لمأزقهم لصعود حماس وتوليها زمام الحكم.

المسالة بالقطع ليست أن الشعب مصدر السلطات كما يحاول بعض القانونين المنافقين تضليلنا ولا هي قضية الديمقراطية الحقة كما يحاول الاميركان تسويقها ، وإلا فلما تتمسك ذات الأطراف بحكومة السنيورة اللبنانية بادعاء احترام الأغلبية الديمقراطية ، المسألة هي اقترابك وابتعادك عن مصالحهم وسياسياتهم ومخططاتهم وليس مع حقوقنا كفلسطينيين ولا ثوابتنا.
أنا أتفهم أن تكون حركة فتح معارضة بامتياز لحكم حماس ومن حقها أن تنتقد وتلوم كما تشاء ما دام ذلك في إطار تطوير الحكم الفلسطيني وضمان نزاهته ، ولكن لا افهم أن توافق أو تسوق حركة فتح لمثل هذه الخطوة الإستراتيجية التي تمس ليس فقط في الأصل الدستوري والعرف الديمقراطي فهذا برأيي يهون أمام العواقب السياسية لمثل هكذا خطوة فقوة الشعب الفلسطيني بتماسكه وضعفه بالشرخ والانفصام السياسي والاجتماعي.

وبالمقابل فان قوة مواقف حماس تنعكس بالضرورة على استثمار ايجابي لحركة فتح واختراقات حركة فتح في المستوى السياسي يمكن تطويرها والبناء عليها، وكل ذلك يمكن أن يكون معكوساً وقاتلا للقضية الفلسطينية إذا ما فعلنا ما تريده إسرائيل وأكلنا عندما ترغب أميركا وانتخبنا إذا ما أحبت بريطانيا.
ما فعله الرئيس الفلسطيني بالدعوة لانتخابات مبكرة هو بالتأكيد مغامرة في التوازن السياسي الداخلي ومصادرة للإرادة الفلسطينية وهو إعادة للقضية الفلسطينية نحو الوراء عشر سنوات على الأقل ، وأخشى أن يكون الحس الفصائلي الخاص قد تغلب في هذا القرار على الحس الوطني العام ، لان ثمة من يحسد حماس على اختراقاتها السياسية ، وكأنه يخشى أن تنجح حماس في تجربتها رغم رفضها للشروط الرباعية ، فيغيظه أن تكون حماس نموذجا أفضل من فتح رغم ان نجاح نموذج حماس فيه تصحيح لكل أخطاء فتح في القضية الفلسطينية والتصحيح يخدم القضية الفلسطينية أكثر مما يخدم حماس .

لا ادري أيضا كيف فكرت إسرائيل والولايات المتحدة التي حرضت ودفعت نحو هذه الخطوة ... لان نظرتها أيضاً قاصرة ومغامرة رغم أن لها مصالح آنية متحققة .. فهل تظن أنها بذلك يمكن أن تتلاعب بعقول الشعب الفلسطيني ودفعهم بالتالي نحو المجهول السياسي ، من الواضح أن إسرائيل كما الولايات المتحدة مصابة بالغباء السياسي كما الجهل التاريخي لأنها لا تتعلم من أخطائها ولا تفكر بعواقب أفعالها ...

فحماس قطعت شوطا في الملعب السياسي لايمكن النكوص عنه ، وحماس تيار عريض وتاريخ لايمكن محوه ، ومقاومة حماس التي كانت بالأمس أكثر حساسية لحسابات السياسية الفلسطينية ستصبح بعد الانقلاب على شرعيتها أكثر انسجاما مع ذاتها ومقاومتها بعد أن أغلق بوجهها الإصلاح السياسي وظهر للعالم ولأحراره مدى النفاق الغربي وحجم التآمر الداخلي..
فكما يملك الرئيس الفلسطيني الدعم الخارجي والقوات على الأرض وزعامة فصيل فلسطيني ، فان حماس تملك أيضا تياراً عريضا وتجربة ناضجة ومقاومة موجعة متطورة ومتراكمة فهذا ملعبها الرئيس وذلك نهجها وفلسفتها ... وكأن التاريخ يأبي إلا أن يكون هو ذاته يفرض قوانينه وتدافعه فالمحتل لا يطرد بسلام ولا حتى باستسلام ... والشعوب لايمكن التحايل عليها كما لايمكن مصادرة حريتها ووعيها ، لذا فإسرائيل تتقدم نحو الملحمة التاريخية وتتقدم نحو الهزيمة المتحققة فهي لا تريد أن تعطي شيئا ولا تريد أن يكون لنا حتى كرامة أو إرادة تقرب البعيد وتصهر عناصر القوة ، لأنها تعاند التاريخ وتقهر الجغرافيا فهي قاصرة لأنها تراهن على الظروف وتتكئ على الضعفاء .

بالخلاصة يخطئ من يظن أن التلويح بالانتخابات يكمن أن يجبر حماس على مقايضة ثوابتها بسلطة متآكلة وحان رحيلها ... وواهم من ظن أن الغلبة له إذا ما جرت انتخابات جديدة رغم الجوع والحصار ... وعلى حماس أن تراهن على شعبها فهو لن يخذلها وعليها أن تتسامى عن فتنة يريدون زجها بها فمقارعة الاحتلال أولى... وسيسجل التاريخ بأحرف من ذهب صمودها وثباتها في أقسى ملحمة سياسية عاشتها خلال تسعة أشهر عجاف تخلي عنها حتى القريب... ولكنها ما هانت وصابرت وكابدت وانتصرت .