الجواب الطبيعي والذي يوافق عليه الجميع هو طبعاً أن الله ليس ذكراً ولا أنثى. إنه "روح" (شخص روحاني لا جسد لحمي له). فطبيعته تحتلف عن طبيعتنا. إنه طاقة هائلة ذكية. إنه وجود أو كائن حكيم ومدرِك. إنه بكل اختصار "شخص". ولا شك أن طبيعته تلك يشترك فيها الملائكة السماويون ذوي الوجود الروحي أيضاً. فهم مثله أشخاص روحيون، أو كائنات روحية. وبما أن يسوع المسيح كان له وجود في السماء سابق لبشريته، فطبيعته السماوية أيضاً هي طبيعة روحية، يعني لا هو ذكر ولا هو أنثى.
لماذا إذاً نتحدث عن الله أو الملاك بصيغة الذكر إن كان ليس ذكراً ولا أنثى؟
حسناً، دعونا نرى ذلك!
عندما يتحدث الكتاب المقدس، (وأيضاً كتبة القرآن) عن إصبع الله أو يد الله، أو عين الله أو فمه أو لسانه أو عرشه (للجلوس) أو قدميه أو .. أو .. إلى ما هنالك من تعابير، هل هذا يعني أن الله له أعضاء مثل أعضائنا؟ طبعاً لا! فتلك التعابير ليست إلا لغة مجازية استعملها الكتاب المقدس لأولئك الذين يعيشون على الأرض في حدود طبيعتهم البشرية ولغتهم وتعابيرهم المألوفة، من أجل تسهيل الفهم والإستيعاب. فتعبيرنا بأن "الله يرى"، لا يعني أن له عينان أو حواس بصرية. إنه يدرك (بحسب طبيعته هو). وتعبيرنا بأن "الله يسمع" لا يعني بأن له أذنين أو حواس للسمع. إنه يدرك (بحسب طبيعته هو).
ودعونا أيضاً نتجاوز الموضوع ونخرج قليلاً عن حدوده. فاستعمال الكتاب المقدس التعابير عن يسوع المسيح بأنه "ابن الله" ليس إلا تعبيراً مجازياً أيضاً، لكي ينقل لنا صورة قوة العلاقة العاطفية التي تربط الله به وهو بالله، والمشابهة بقوتها تلك التي للأب والإبن. فهي أيضاً لغة يجري استعمالها لبني البشر فقط لكي يفهموا ذلك. وهي لا تعني أبداً بأن يسوع المسيح ينادي الله في السماء بالكلمة "أبي"، ولا الله له بالكلمة "ابني". إنها تعابير لنا هنا على الأرض. للغتنا البشرية وليس للسماء. أما في السماء، فالمخلوقات أو الكائنات السماوية لها لغتها الخاصة واصطلاحاتها وطريقة تعبيرها. وتلك اللغة، ليس من الضروري أن تكون ملفوظة أو منطلقة من الأفواه. فهم لا أفواه لهم. إنها لغة ربما يجري التعبير عنها بموجات أو بنظام ما، خلقه الله وأوجده من أجل الإتصال والتفاهم في ما بينهم.
إذاً نخرج بالنتيجة بأن الكائنات السماوية لا جنس لها. يعني لا ذكور ولا إناث. ولا تملك أجساداً مثلنا. فلغة الذكور والإناث تخص الأرض فقط وليس السماء.
لماذا إذاً نخاطب الله أو نتحدث عنه بصيغة الذكر؟
الواقع هذا أيضاً خاضع لنظام طبيعتنا وحياتنا. فبما أن الله إله ترتيب ونظام، قام بخلق مخلوقات سماوية (ملائكة) برتب ومستويات ومسؤوليات إدارية مختلفة. فهنالك السرافيم والكروبيم ورؤساء الملائكة والملائكة المرسَلين و .. الخ. وكل تلك الكائنات تسير بنظام ضمن حدودها ورُتبها وأدوارها المختلفة. ولذلك حكم بأن تسير مخلوقاته الأرضية بنظام مشابه. والواقع فإن وجود الحكومات الإدارية على الأرض، ليس إلا بأمر وترتيب منه:
" 13: 1 لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لانه ليس سلطان الا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله
13: 2 حتى ان من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سياخذون لانفسهم دينونة
13: 3 فان الحكام ليسوا خوفا للاعمال الصالحة بل للشريرة افتريد ان لا تخاف السلطان افعل الصلاح فيكون لك مدح منه
13: 4 لانه خادم اللهمنتقم للغضب من الذي يفعل الشر
13: 5 لذلك يلزم ان يخضع له ليس بسبب الغضب فقط بل ايضا بسبب الضمير" – رومية 13 : 1 – 5.
وطبعاً لم يتجاهل الله وضع الترتيب في أهم وحدة بشرية لتشكيل المجتمع، وهي العائلة. أيضاً امتد ترتيب الله إليها. أو لنقـُل انطلق منها. فالعائلة أيضاً خاضعة لنظام وتوجيه إداري إلهي، وهو وضع الرجل في البيت كرأس:
" ولكن اريد ان تعلموا ان راس كل رجل هو المسيح واما راس المراة فهو الرجل وراس المسيح هو الله" – 1كورنثوس 11 : 3.
إذاً هذا هو النظام الذي وضعه الله للأرض. هذه هي لغة البشرية. الرجل هو الرأس الإداري. وبناء على هذا الترتيب الإلهي بأخذ الذكر القيادة، أصبحت اللغة البشرية ومنطقها الإداري ذكورياً. ولذلك، عندما نتحدث مع الله أو عنه كإله للكون ومدبـّر لأموره، لا شك بأن اللغة المنطقية لذلك هي بمخاطبته كذكـَر.
فانسجاماً مع ذلك المفهوم أو اللغة البشرية وأجوائها ومنطقها، رأى الله أن يرسل الملائكة إلى الأرض دائماً بصورة رجال، لكن بحضور يوحي طبعاًَ بالسمو (بشخصيات سامية). ولا شك بأنه لو استعمل الله لأولئك الملائكة صور أو أجساد نسائية، لخلق ذلك ارتياباً وتناقضاً في نفس الرجال أو حتى النساء الذين استلموا إعلانات الله منهم.
هذا ما يجعلنا نخاطب الله بصيغة الذكر. فلو أنه الله جعل المرأة هي رأس البيت، لكـُنـّا خاطبناه بصيغة الأنوثة. ولكان الله أرسل الملائكة كإناث.
إذاً هذا كان السبب خلف قرار الله أن يرسل يسوع المسيح كذكـَر. فيسوع المسيح كان يحمل رسالة هامة. وكانت لديه مهمة إلهية لإتمامها. فإيصال تلك الرسالة وإتمام مشيئة الله كان يتطلب منه أن يكون معلماً وإدارياً وممثلاً لملكوت الله القادم. ولذلك، كونه رجلاً كان ضرورياً. هذا عدا عن كونه الشخص الذي سيحل محل آدم الخاطئ، كأب للبشرية بدلاً منه.