عزيزي ثندر،

ما يزعجك هو أمر شخصي، لا نستطيع مناقشته هنا وهو ليس موضوعيا البتة، أنا أيضا يزعجني ربط الناس بالقومية لكنني لا أناقش ما يزعجني مع الغير.

أما عن الإسلام، فأنت يغلب على ظنك أنك تتبع الحق في الإسلام، ولم تزعم يوما أن ما تتبعه هو قطعي في دلالته من نفي لتنظيم الخالق للعلاقات بين الناس، ومن بينها تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم والدولة والفرد بما يسمى نظام الحكم، والذي لو أنصفت لوجدت أدلتك في العبادات هي أدلة غيرك في المعاملات.

أما صدام وجرائمه، فلست ممن يقول بحصانة رئيس الدولة ولا النواب ولا غيرهم، القانون فوق الجميع ويطبق على الجميع، فلو أجرم صدام لوجبت عقوبته، ولو سرقت فاطمة بنت محمد لوجب عليها الحد.

إلا أنني لا أستسيغ أن يقوم مجرمون بمحاكمة مجرم ومعاقبته، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومكان من حاكم صدام هو معه في نفس القفص، ولعلهم يزدادون عنه بالاستعانة بالمستعمر وتمكينه من البلاد والعباد والاتضاءة بناره.

طبعا لا تعنيني النوايا الحسنة أو السيئة لصدام، ولن أتبرع بحجز مكان له في الجنة أو النار، ذلك مما يريده الله تعالى بنا من الغيب، أنا يعنيني الأحكام الشرعية المستنبطة من الوحي، وهي عالم الشهادة، وهي ما يريده الله تعالى منا من الشهادة، وهي التي ننشغل بها.

وقد يعدم صدام ويكون في الآخرة في روح وريحان وجنة نعيم، وقد يبقى ويحكم براءة ويكون في سموم وحميم وظل من يحموم، لا علاقة بين العقوبة الدنيوية أو المعاملة الدنيوية على يد القاضي وما يحكم به الله تعالى بالضرورة.

يعني عقوبة صدام على استبداده بالسلطة لا تعني أنه سيء، ولا تعني أيضا أنه صالح. تعني فقط أنه أخطأ.

كما أخطأ طلحة والزبير وعائشة بالخروج على ولي الأمر والافتئات عليه بأخذ الحق لعثمان بأيديهم بما قد يستوجب عقوبتهم من قبله بالقتل، وكما أخطأ علي بناء على بعض الروايات -الغير مقبولة لدي- حين امتنع عن بيعة أبي بكر بعد انعقادها وصار عنده حزب من غير المبايعين بما يهدد وحدة الدولة بما قد يستحق عليه أن يعاقبه أبو بكر بالقتل.

"كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"

وزنا ماعز أو الغامدية وعقوبتهما لا تعني أننا خير منهما يوم القيامة، بل هما خير من جل من يدب على الأرض اليوم، ومن كثير ممن عاصروهما.

عزيزي ثندر، قد تجد كلامي أعلاه ينقلب عن موضوع صدام، ذلك لأنني لا أتوقع أنني أستطيع يوما أن أغير وجهة نظرك عنه، ولن تستكيع أن تغير وجهة نظري عنه، إلا أن يشاء الله. فأحببت أن ألفت نظرك إلى ما يمكن أن يكون فيه خير لنا أنا وأنت، وقد قضى صدام ولن يفيد البكاء على اللبن المسكوب شيئا.

إلا أنه ما يفيدك وإياي هو أن لا ينسكب اللبن مجددا، وهو أن السلطة للأمة أولا وأخيرا، وهي توكل من تريد عليها حاكما، ولن يصبح الحاكم شرعيا بتوليه جبرا وقسرا، وهو ما ستعجز عن إثباته لصدام أن أخذه، ونزعك الشرعية عن علي لن يعطيها لصدام، وعلي أمره في غيب التاريخ، تقول ونقول، وفيه أمره روايات، وصدام أمره في شاهد الحاضر لا ينتطح فيه عنزان، ولن يثبت أحد يوما أن العراقيين قد اختاروا صدام حاكما، وهو لم ينف إتيانه الحكم عن طريق الدبابة.