\"الغبار يعلو كل شيء في مصر \" د. بطرس غالي .
الزملاء الأعزاء .
أرحب بالأعزاء بهاء و ماركيز .(f)(f)
آملا ألا يتردد من يشاء من الزملاء أن ينتقد ما يريد و أن يعلق كما يشاء ، فلا أتوقع أن أكون مصيبا في كل شيء كل الأوقات ، ففوق الكفاية ان اكون مصيبا في بعض الأشياء بعض الأوقات .
للدكتور بطرس غالي كتاب هو (في انتظار بدر البدور) يتعرض فيه لنبوءة عراف هندي قابله أثناء زيارة للهند ، كان د . بطرس في بداية صراعه من أجل التجديد لفترة ثانية كسكرتير عام للأمم المتحدة مواجها معارضة قوية تقودها أمريكية متغطرسة هي مادلين أولبرايت مندوبة بلادها في الأمم المتحدة و هي التي أصبحت وزيرة خارجية لأمريكا بعد ذلك بقليل ، تنبأ له العراف الهندي بأنه لن يوفق في التجديد و لكنه سيصل لمنصب كبير آخر عندما يظهر بدر البدور ، منذ ذلك اليوم ينتظر د. بطرس غالي العجوز بدر البدور متفائلا كشاب ، لا أملك ثقافة بطرس غالي ولا ذكائه الحاد و لم أصادف عرافا هنديا مقنعا لهذا الحد ،و لكني لا أرى سببا كي لا أنتظر معه بدر البدور ، خلال ذلك الإنتظار سنعمل بهمة لا تعرف الكلل كدأبنا دائما ، فبهذا العمل وحده يأتي بدر البدور .
خلال هذه المداخلة سوف أستكمل استعراض بعض مظاهر الغيبوبة الثقافية .
1. ( السحر و المجتمع ) كتاب أصدرته د. سامية الساعاتي ، نشرت فيه دراسة ميدانية ترصد وجود 150 ساحر و دجال في القاهرة وحدها 30% من المتعاملين معهم من المثقفين و الحاصلين على مؤهلات عليا أي أكبر من نسبتهم بين السكان ، في مصر و ربما في غيرها من العالم العربي لا يوجد سقف لأهمية المؤمنين بالسحر و التنجيم و لا حد للمتعاملين مع المشعوذين ، فمن المعروف أن كثير من حكام مصر كانوا يستشيرون الأبراج لمعرفة المستقبل ، وأن السادات على سبيل المثال كان دائم المرور على رجل يدعي الولاية كلما ذهب إلى قريته بالمنوفية للتبرك به و الإستماع إلى كشوفاته الربانية ، أعرف شخصيا أن أحد كبار كبار رجال الدولة في عصري ناصر و السادات كان يلجأ هو وزوجته -و كانت سيدة فاضلة و سليلة لعائلة كبيرة - للعرافين في مصر و الخارج بشكل منتظم ، و لا يكاد يوجد أحد من كبار رجال الدولة أو رجال الأعمال من درجة القطط السمان فأعلى لا يلجأ للسحر و العرافة ، نعم حتى في الغرب هناك من يلجأ أحيانا لقراءة الطالع كنوع من الفانتازيا و لكن ليس هكذا المصري أو العربي فهو يأخذ هذه الخرافات بجدية تامة ، و هناك الروايات التي سمعناها عن أحلام كبير الياوران في عهدي عبد الناصر و السادات التي لا تسقط الأرض و التي تنبأ فيها بكل الحوادث السياسية من النكسة حتى حرب أكتوبر ، ناهيك عن أحلام الشعراوي و عبد الحليم محمود و حسين الشافعي و كلها من عينة الفتوحات الربانية رغم أنها لا تصدق أبدا ، في هذا السياق أوضحت د. سامية أن نمط التفكير الغيبي و كذا التفكير الخرافي كلاهما يمثل نمط التفكير السائد في المجتمع ، إن نسبة كبيرة من المتعلمين يلجأوون إلى السحر و الأعمال لحل مشاكلهم ، و من المدهش أن هناك عالم معروف هو د. محمد عبد المنعم خبير علم الإجتماع السياسي في المركز القومي للبحوث الإجتماعية و الجنائية قدم مقترحا لتقييم الحالة المعرفية للباحثين بسبب شيوع التفكير الغيبي و الخرافي بينهم ،و كان دافعه المباشر لذلك أنه لاحظ أنهم يفسرون ما يمر بهم من أحداث خاصة بالحسد و السحر و تدخل الجان ، هذا يعني أن باب النجار مخلع و أن الباحثين في حاجة لباحثين ، هذه الظاهرة لا يمكن عزلها عن منظومة التعليم في مصر التي تقوم على الحفظ و التلقين دون التفكير الذي يمكن أن يقود الطالب إلى الشك و العياذ بالله !، من جانب آخر ففي غياب المعايير الموضوعية للتفوق و التوظف في المستويات العليا و ارتباط الثروات بالعشوائية و ضربات الحظ صارت العرافة و قراءة الفنجان وسيلة طبيعية لدراسة المستقبل و تقدير الموقف ، و هكذا فقد المصري القدرة على التفكير المنهجي الخلاق و أصبح يعتمد في تفكيره على الآخرين خاصة رجال الدين ، هذه الغيبوبة الفكرية أدت إلى شيوع الأفكار الدينية السلفية الممزوجة بالخرافات و الغيبيات ، و من يتابع الفتاوى الدينبة سيجد أن المصري يستفتي رجال الدين في كل شيء و حتى أخص خصوصياته كما لو كان يعتبر نفسه ريبوتا ينتظر إشارات الريموت كونترول ، و نظرا لأهمية الفتاوى و حتى تكون كالماء و الهواء أنشئت مراكز خاصة للفتوى بواسطة الهاتف على مدار الساعة توظف رجال الدين للرد على أسئلة المؤمن الورع الذي يريد أن يعرف هل يظرط في وجود ضيف من الجان أم تلك من الكبائر ؟.
2. المصريون كإخوانهم العرب لا يقرأون رغم ذلك -ماشاء الله - يعرفون كل شيء ، فالشعب المصري الذي يبلغ تعداده حوالي 75 مليون لا يصدر سنويا سوى 9000 عنوان جديد ، بمعدل120 عنوان لكل مليون نسمة بينما لا يتعدى شعب إسرائيل 6 مليون و لكنه يطبع 20000 عنوان سنويا بمعدل 3333 كتاب لكل مليون نسمة أي 28 مرة تقريبا مثل المعدل المصري ، رغم معدل القراءة المتواضع للمصريين فحوالي 30% من الكتب هي كتب دينية من النوعية المتدنية التي تتناول موضوعات من عينة زواج الجني من أنسية و علامات الساعة ، بينما لا تتجاوز الكتب العلمية بما في ذلك الجامعية 10 % ، غير ذلك فكتب أدبية و فنية و ... و هذه عادة لا توزع سوى أعدادا محدودة لا تتجاوز 1000 نسخة للعنوان ، هذا يعني أن المثقف المصري هو عملة نادرة جدا ،ولو وجد فهو كسول يثرثر في أشياء كثيرة لم يقرأ عنها شيئا ، من النادر أن تجد أوروبيا لا يقرأ على الأقل كتابا واحدا في الأسبوع أو حتى في الشهر على أسوأ الفروض ، رغم هذا نجد بطلا قوميا تقام له التماثيل و المتاحف في مصر هو المرحوم صالح سليم كان يعلن أنه لم يقرأ كتابا واحدا منذ تخرجه من كلية التجارة منذ أكثر من 50 عام ، ربما كان صالح سليم صريحا و أمينا و لكني على ثقة أنه ليس حالة نادرة بل هو الحالة القياسية السائدة بين النخب المصرية .
3. في استطلاع حديث أجرته صحيفة روز اليوسف المصرية بين حملة المؤهلات العليا و المتوسطة من الشباب نكتشف ملامحا مشوهة لثقافة جيل النهضة الإسلامية الميمون ، فمن بين 100 مشارك كان هناك واحد فقط يعرف إسم .. مجرد إسم أي من الصحف الأجنبية ،وحتى هذا المعجزة كان مضطرا لتلك المعرفة لأنه يعمل في دار الكتب ، 5 % من المشاركين فقط عرف عدد الدول العربية ،و لكن لم يستطع مشارك واحد معرفة أسماء أكثر من 6 رؤوساء ، بينما أكد البعض أن حسن نصرالله رئيس لبنان ،و هناك من ذكر خادم الحرمين زايد بن عبد العزيز رئيس السعودية و الشيخ ابن مكتوم شيخ الكويت ، كما هو متوقع من الذين لا يمتلكون مصدرا للمعرفة خارج المساجد ودعاتها الجهلاء يرى حوالي 90 % من المفحوصين أسامه بن لادن أسطورة و بطلآ و الزرقاوي شهيدا ، رغم هذا فلم يخلو الأمر من سيدة تكره ابن لادن لأنه قتل السادات و الزرقاوي لأنه شيعي عدو الإسلام !، أما عن العالم الخارجي فهناك من يعتقد أن أمريكا تحتل الشيشان ولم يعرف سوى أقل من 10 % اسم رئيس روسيا أو رئيس وزراء العراق.
للموضوع بقية .

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	"القوميون = الفاشيون" السوريون يحرضون على اعتقال المثقفين السوريين!!	Mr.Glory	23	5,176	01-14-2012, 07:42 PM آخر رد: بسام الخوري
	الإنكشارية الجدد	قطقط	5	1,793	11-22-2008, 01:14 AM آخر رد: ugarit
	حكومة المثقفين والشهادات المزوّة في العراق	عزالدين بن حسين القوطالي	18	3,180	08-20-2008, 03:35 PM آخر رد: عزالدين بن حسين القوطالي
	حول مأزق المثقفين والليبراليين في العراق	سيناتور	2	762	09-16-2007, 06:37 AM آخر رد: Logikal
	في مصر .. الليبراليون الجدد و الليبرالية القديمة .	بهجت	15	4,195	05-02-2007, 03:12 PM آخر رد: بهجت