اقتباس:  zaidgalal   كتب/كتبت  
أخي الكريم هناك فرق كبير بين الطعن والنقد. عندما تنتقد الوحي فهذا "طعن"، وعندما تنتقد الأعمال البشرية فهذا "نقد" criticism لأن البشر ليسوا بمعصومين ولم يدعوا الوحي ولا الإلهام ولا الرؤيا المنامية فيما كتبوا من روايات.

لا مشاحة أخي في الاصطلاح مع كون الطعن قد وقع منك في حق البخاري قطعا، وعلك ترجع للسان العرب لترى أن الطعن الإعابة في المرء والعيب، وقد عبت على البخاري وانتقصته ولم تعتمد في نقدك على أساس سليم صحيح، إلا مجرد مخالفة ظاهرة لك فيما تظن في متون الحديث، والتي لو قام أحدهم على منهجك بنقد القرآن لوجد فيما يظن التناقض الكبير.

اقتباس:أخي الكريم رواية الإمام مسلم التي تقول أن الرسول أطال النظر لامرأة مسلمة ثم تبين للعلماء أن هذا باطل ما رأيك في مسلم صدق على رسوله أن يفعل هذا حتى حكم الألباني بضعفها، ومسلم لم يصدق هذا لأن القرآن الكريم يقول عكسه؟ هل نقبل النقص في رسولنا صلى الله عليه وسلم ونقبل الكبائر في صحابته حتى يطلع علينا عالمًا في الروايات ويقول لنا: نأسف أيها المسلمون فقد تبين لنا أن هذه الرواية باطلة؟ والله لن يحاسب المتخصصين فقط، بل سيقف كل منا فردًا بين يديه مسئولًا عن دينه وعقيدته ولا عذر له البتة إذا قال لله حينئذ لقد قرأت ذلك في البخاري ومسلم

لا أدري عن أي رواية تتحدث أخي الكريم ولا أدري ما قال الألباني في هذه الرواية وغيرها فلست من متابعي أقوال الشيخ رحمه الله تعالى، ولا أدري ما علاقة الروايات بكبيرة وقع فيها بعض الصحابة الكرام؟

أو كان الصحابة معصومين عفوا؟! أم كانوا لا يقعون في خطأ مطلقا؟!

نحن أمام الله حجتنا أسانيد الرواية وتصحيح أهل الاختصاص الذين أجمع على حجتهم في هذا المجال القاصي والداني، وقد روي عن البخاري وكذا عن مسلم أنهما ما أدخلا في متابيهما إلا ما قد أجمعوا عليه وما قد صح، والله قد أمرنا بقبول خبر الآحاد مع احتمال ورود الخطأ عليه، ولك في الشهادة على القتل أكبر دليل، إذ يُقتل الرجل وتضيع نفس مؤمن بشهادة رجلين احتمال الخطأ في شهادتهما وارد بلا شك ولا ريب، فهل يقول مؤمن نترك حكم الشهادة في كتاب الله في جميع الأمور ونعدل عنه إلى التواتر الذي لا شك فيه، ونحكم على هذه الآيات بالبطلان لأنها تنافي العقل السليم وأمر الله بالتزام اليقين؟!

الصحابة ما كانوا معصومين عن الخطأ، بل كانوا يخطئون ويزلون وقد تقاتلوا وتناحروا بل وقتل بعضهم بعضا في المعارك والحروب، وشرب بعضهم الخمر وزنى بعضهم وسرق بعض آخر لا شك في ذلك ولا ريب.

اقتباس:يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59) (النساء)
إذن كتاب الله هو الحكم والسنة الثابتة لرسولنا صلى الله عليه وسلم وما اشتهر عنه ثم حقائق العلم الثابتة والعقل والمنطق وكله بنص القرآن الكريم الصريح.

الأمر حال التنازع والاختلاف نعود فيه إلى الله وإلى الرسول ولا تفصيل بعد ذاك، والسنة الثابتة هي الصحيحة وإن لم تكن متواترة، وإلا كان علينا ترك كثير من أمور الإسلام وأولها حديث: (إنما الأعمال بالنيات) لأن عمر قد تفرد بروايته، وعنه علقمة بن وقاص وحده، وعن علقمة إبراهيم ولا أحد غيره.

اقتباس:فإن خالفت الرواية هذا فهي رواية باطلة ولا عبرة بسندها. وقد رأيت أخي الفاضل افتتان ابن حجر –وأنت تعلم من هو- بقصة الغرانيق لكثرة طرقها وقال لابد أن لها أصلًا (مفيش دخان من غير نار). فانظر إلى خطر الرواية الباطلة وأثرها على من عبد السند ولم يرجع لكتاب الله عز وجل ويحتمي به.

ألا تسمي هذا الأسلوب طعنا في ابن حجر خاتمة الحفاظ؟!!

ما قال احد إن ابن حجر كان عن الخطأ معصوما وكذا من جاء بعده أو سبقه، ولابن حجر من الأخطاء ما قد سبق إليها وما قد انتقدت عليه جدا، وهذه بالتحديد قد نقده فيها زميله في شيخه العراقي الإمام العيني ورد عليه ردا علميا سليما محكما لا طاعنا فيه ولا ساخرا.

اقتباس:ليس هذا شرطًا أخي الفاضل. يكفيه أن يكون مجتهدًا ويعرض الروايات على كتاب الله ويميز بين التفاسير وشروح الرواية وما قيل في هذا الشأن ثم يُحَكِّم عقله فسيصل إلى الحق بعد هذا الجهد لأنه محاسب بين يدي الله تعالى ولن يحاسب الله المتخصصين بدلًا منه.

وعلى هذا فلي أن أقوم غدا بإجراء عملية جراحية في المخ والدماغ بعد قراءة سطر أو شطر سطر في علوم الطب على أني مجتهد وقادر على التمييز بين الصواب والخطأ في العمليات كسائر الأطباء وإلا فما يزيد هؤلاء عني بربك؟!!

كنت ولا زلت في كل عام أقوم بزراعة أرض لي صغيرة في أرض بيتي، وما أصبت الحق إلا بضع مرات في زراعتها، مع كوني أجتهد قدر المستطاع لإصلاحها وإنجاحها وكان آخر أمري في شأن هذه أن عمدت إلى سماد طبيعي لكيلا أتلف الزرع ككل عام ونثرته لكن بكثرة فوق الأرض فما كان من الزرع إلا أن تلف وخرجت بضع عيدان من البقدونس والجزر!

هذا وأنا مع أرض صغيرة قد زرعتها بضع سنين آخذا بأقوال المزارعين، ولا أعلم ما يكون لو كان المزارعون مثلي!!

هذا في الزرع فكيف بالأخبار المعتمدة على علوم كثيرة ودقيقة؟

اقتباس:يقول ابن حجر في (فتح الباري. ج14):
"فَقَوْل عَائِشَة " عَشْر رَضَعَات مَعْلُومَات ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَات فَمَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأ " لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى الْأَصَحّ مِنْ قَوْلَيْ الْأُصُولِيِّينَ ، لِأَنَّ الْقُرْآن لَا يَثْبُت إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ ، وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآن لَا خَبَر فَلَمْ يَثْبُت كَوْنه قُرْآنًا وَلَا ذَكَرَ الرَّاوِي أَنَّهُ خَبَر لِيُقْبَل قَوْله فِيهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَم"  
ويقول النووي:
وَاعْتَرَضَ أَصْحَاب مَالِك عَلَى الشَّافِعِيَّة بِأَنَّ حَدِيث عَائِشَة هَذَا لَا يُحْتَجّ بِهِ عِنْدكُمْ وَعِنْد مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآن لَا يَثْبُت بِخَبَرِ الْوَاحِد ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَمْ يَثْبُت بِخَبَرِ الْوَاحِد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ خَبَر الْوَاحِد إِذَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ قَادِح وُقِفَ عَنْ الْعَمَل بِهِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَجِئ إِلَّا بِآحَادٍ مَعَ أَنَّ الْعَادَة مَجِيئُهُ مُتَوَاتِرًا تُوجِب رِيبَة وَاَللَّه أَعْلَم . (شرح النووي على مسلم. ج5)

الأثر هذا يخبر بنسخ (العشر) أولا ولا يقطع ببقاء (الخمس) بل ببقاء البعض على قراءتها على أنها قرآن لتأخر نزولها ونسخها لتلك حتى ما قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بفترة قصيرة جدا، ومن بعدها كان نسخ تلاوتها على ما تواتر عند الصحابة الكرام من الآثار والأخبار في النسخ وعدم بقائها، ومع هذا فإن هذا الخبر لا يثبت قرآنا بل يثبت منسوخا من القرآن ما عاد موجودا، وعلى هذا يحمل قول ابن حجر لا أكثر ولا أقل.