زميلي طيف

انعكست تأثيرات الحرب العراقية الإيرانية على عموم العالم الاسلامي، فهي أول حرب معاصرة بين السنة والشيعة وان اتخذت طابع المواجهة بين دولتين، واعتقد انك تتذكر وقتها المؤتمرات ذات الصبغة الدينية التي كانت تعقد في العراق وفي دول أخرى عربية واسلامية وما كان يصدر عنها من توصيفات لحكام ايران أقلها الفرس المجوس.
وقد استخرجت تلك الحرب ما كان مطمورا أو منسيا من صراع عقائدي بين الطائفتين، حيث ظهرت عشرات إن لم أقل المئات من الكتب التي عملت على طبعها وزارة الاعلام العراقية ودور نشر أخرى في الخارج وبمختلف اللغات في نطاق الحرب النفسية والاعلامية، وكنت أحتفظ بالكثير منها، وعلى سبيل المثال كتاب "دماء على نهر الكرخة" التي أثار استياء شيعة العراق لما انطوى عليه من اساءات مقصودة بحقهم.
وبالمناسبة، فان العراق مارس تأثيرا ولو محدودا على باكستان، وكانت الحكومات العراقية المتعاقبة تختار السفير العراقي في باكستان من آل الكيلاني، نظرا للحظوة التي يتمتع بها الشيخ عبد القادر الكيلاني هناك، حيث يقوم الرئيس الباكستاني بالصلاة وراءه أيام الجمع.
وظل التأثير العراقي على باكستان قائما من خلال التعاون الاقتصادي، فجميع صفقات تزويد الجيش العراقي من الملابس العسكرية تقريبا تحظى بها باكستان، اضافة الى عمل اعداد كبيرة من الخبراء الباكستانيين في مشاريع التصنيع العسكري العراقية.

والتأثير المهم في تقديري هو في احياء الصراع السني ـ الشيعي، فدولة اسلامية ذات غالبية سنية لن تكون بمنأى عن تداعيات الحرب، ولابد أن تتأثر عاطفيا بأجوائها التي لبثت ثماني سنوات، وبالتالي تجسد تأثيرها في شكل أعمال عنف ضد الأقلية الشيعية والتي ظلت مستمرة حتى الآن.

وهنا أروي لك حكاية طريفة من أجواء تلك الحرب العبثية:
اقترح طرف عربي على صدام حسين عدم التركيز على فارسية ايران باعتبار ان هذا الوصف يمسه أيضا لجهة انتمائه الى سلالة الحسين، إذ ان زوجته هي ابنة كسرى وبالتالي فان ولده زين العابدين جد صدام كما تقول الشجرة التي يزعم الانتماء اليها من أم فارسية، فماذا فعل صاحبنا؟
طلب من لطيف الدليمي وزير الاعلام أن يتدارك الأمر، فقام هذا باستدعاء المؤرخ والباحث الشهير عبد الحميد العلوجي ليحل هذه المشكلة التي لم تكن تخطر على بال أحد. وبالفعل، قام العلوجي بالمطلوب وأثبت بالوثائق التاريخية التي نعرف كيف تلفق ان أم زين العابدين ليس ابنة كسرى بل عربية قحة، وكانت مكافأته فيلا لا تقل قيمتها عن مليون دولار بأسعار ذلك الوقت.