علم الأمويون بمكان مسلم بن عقيل فأخذوا يدبرون للقبض عليه وعلى من يجيره ويأويه ويسانده. فأرسلوا واليهم على البصرة ليكون واليًّا على الكوفة لشدته. يقول ابن طاووس الشيعي:
"فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار فخرج من دار المختار وقصد دار هانئ بن عروة فآواه وكثر إختلاف الشيعة إليه وكان عبيد الله (ابن زياد) قد وضع المراصد عليه، فلما علم أنه في دار هاني...." (السيد ابن طاووس الحسني. اللهوف في قتلى الطفوف. ص 29)
بدأ ابن زياد يعمل على تفريق جنود ابن عقيل من حوله بالترغيب والترهيب ليواجه أقل عدد ممكن منهم. يقول الشيعي محمد كاظم القزويني:
"فدخل ابن زياد الكوفة، وأرسل الى رؤساء العشائر والقبائل يهددهم بجيش الشام، ويطمعهم، فجعلوا يتفرقون عن مسلم شيئاً فشيئاً الى أن بقي مسلم وحيداً"(فاجعة الطف ص7 + تظلم الزهراء ص149 + سفير الحسين مسلم بن عقيل ص50، 113 وما بعدها)
ويقول عبد الحسن نور الدين العاملي:
"فاخذ الناس يتفرقون وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك ويجيء الرجل الى ابنه وأخيه فيقول: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف فيذهب به فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه الا ثلاثون نفرا في المسجد فلما رأى أنه قد أمسى وما معه إلا أولئك النفر خرج من المسجد متوجها نحوأبواب كندة فما بلغ الأبواب إلا ومعه عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان." (مأساة احدى وستين. ص27)
ويقول الشيعي عبد الحسين شرف الدين ناقلًا غدرهم بمسلم بن عقيل:
"لكنهم نقضوا بعد ذلك بيعته، وأخفروا ذمته، ولم يثبتوا معه على عهد، ولا وفوا له بعقد، وكان بأبي هو وأمي من أسود الوقائع، وسقاة الحقوق، وأباة الذل، وأولى الحفائظ، وله حين أسلمه أصحابه واشتد البأس بينه وبين عدوه مقام كريم، وموقف عظيم، إذ جاءه العدو من فوقه ومن تحته وأحاط به من جميع نواحيه، وهووحيد فريد، لاناصر له ولامعين."(المجالس الفاخرة. ص62)
ويقول أبومخنف:
"حدثني سليمان بن أبي راشد عن عبدالله بن حازم الكبرى من الأزد من بني كبير، قال أشرف علينا الأشراف فكلم كثيرُ بن اول الناسَ حتى كادت الشمس أن تجب فقال: أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولاتعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهدًا لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع وأن يأخذ البرئ بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له فيكم بقية من الله المعصية إلا أذاقها وبال ماجرت أيديها وتكلم الأشراف بنحومن كلام هذا فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا ينصرفون ... والتفت (مسلم بن عقيل) فإذا هو لا يحس أحدًا يدله على الطريق ولا يدله على منزل ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو، فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب." (مقتل الحسين. ص 29، 30 + مقاتل الطالبين. ص71)
فسار مسلم بن عقيل يتوجس خيفة إلى أن طرق على باب ففتحت له امرأة. فقال: "يا امة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك إلى أجر ومعروف ولعلي ما فئتك به بعد اليوم، فقالت يا عبدالله وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغروني." (مقتل الحسين لأبي مخنف. ص 30)
وبالفعل لم يلتف حول ابن عقيل إلا فئة قليلة للغاية سرعان ما انفضت من حوله بعد أن رأوا أن أهل الكوفة لا عهد لهم ولا ذمة. يقول ابن طاووس الشيعي:
"وإقتتل أصحابه (أصحاب ابن زياد) وأصحاب مسلم وجعل أصحاب عبيد الله الذين معه في القصر يتشرفون منه ويحذرون أصحاب مسلم ويتوعدونهم بأجناد الشام فلم يزالوا كذلك، حتى جاء الليل فجعل أصجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه ويقول بعضهم لبعض ما نصنع بتعجيل الفتنة أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم فلم يبق معه سوى عشرة أنفس، فدخل مسلم المسجد ليصلى المغرب فتفرق العشرة عنه فلما رأى ذلك خرج وحيدا في دروب الكوفة حتى وقف على باب إمرأة يقال لها طوعة فطلب منها ماء فسقته ثم إستجارها فأجارته فعلم به ولدها فوشى الخبر بطريقة إلى إبن زياد فأحضر محمد بن الأشعت وضم إليه جماعة وأنفذه لإحضار مسلم فلما بلغوا دار المرأة وسمع مسلم وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيد الله حتى قتل منهم جماعة فنادى إليه محمد بن الأشعث وقال: يا مسلم لك الأمان. فقال مسلم: وأى أمان للغدرة الفجرة ثم أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن: أقسمت لا أقتل إلا حرا... نادوا إليه إنه لا يكذب ولا يغر فلم يلتفت إلى ذلك وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فأخذ أسيرا." (السيد ابن طاووس الحسني. اللهوف في قتلى الطفوف. ص 30 - 37)
يقول الأصفهاني مبينًا أن ابن عقيل لم يقع في أيديهم أسيرًا إلا بعد قتال مرير وتلك تالله شيم المجاهدين:
"فخرج (مسلم بن عقيل) إليهم بسيفه فاقتحموا عليه الدار فشد عليهم كذلك فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح وظهروا فوقه فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النيران في أطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح." (مقاتل الطالبين. ص69)
ويقول الشيعي الكبير المجلسي وهو يحكي ما بعد القبض على ابن عقيل:
"فقال مسلم: أما لو تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، فأتى ببغلة فحمل عليها، واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه، وكأنه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه م ثم قال: هذا أول الغدر، فقال له محمد بن الأشعث: أرجو أن لا يكون عليك بأس قال: وما هو إلا الرجاء؟ أين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، وبكى، فقال له عبيد الله بن العباس: إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك، قال: والله إني ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفًا، ولكني أبكي لاهلي المقبلين، إني أبكي للحسين وآل الحسين." (بحار الأنوار. ج40. ص 354)
كان ابن عقيل يخشى على الإمام الحسين بعد أن رأى يقينًا طباع أهل الكوفة وغدرهم وخيانتهم. كان عليه أن يرسل محذرًا الحسين من أول وهلة للغدر والخيانة وليس الآن بعد فوات الأوان.
علم ابن زياد بمدى جبن شيعة آل البيت وخوارهم في المواجهة، فقرر قتل ابن عقيل ومن بعده قتل هانيء بن عروة الذي رفض تسليم ابن عقيل ورضي بالتضحية بحياته:
"فأمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به إلى أعلى القصر فيقتله فصعد به وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم فضرب عنقه.... ثم أمر بهانى بن عروة فجعل يقول وامذ حجاه وأين منى مذحج واعشيرتاه وأين منى عشيرتي، فقال له: مد عنقك، فقال لهم: والله ما أنا بها سخى، وما كنت لأعينك على نفسي، فضربه غلام لعبيد الله بن زياد يقال له رشيد فقتله. (السيد ابن طاووس الحسني. اللهوف في قتلى الطفوف. ص 30 - 37)
يقول الشيعي هاشم معروف موضحًا انفضاض شيعة الحسين جبنًا وهلعًا حتى قبل أن تدور رحى الحرب والقتال مع جيش فعلي وليس مع سرية ابن زياد:
"لقد استطاع الوالي الجديد أن يحكم الحيلة ليقبض على هانىء بن عروة الذي آوى رسول الحسين ( ع )، وأحسن ضيافته، واشترك معه في الرأي والتدبير، فقبض عليه وقتله بعد حوار طويل جرى بينهما، وألقى بجثمانه من أعلى القصر إلى الجماهير المحتشدة حوله، فاستولى الخوف والتخاذل على الناس، وذهب كل إنسان إلى بيته، وكأن الأمر لايعنيه". (سيرة الأئمة الاثنى عشر 2/61)

يتبع غدّا بعون الله عز وجل

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	عقاب جريمة الشتم	رضا البطاوى	0	311	03-09-2014, 10:49 PM آخر رد: رضا البطاوى
	جريمة الطرد من البيت	رضا البطاوى	0	339	03-04-2014, 09:47 PM آخر رد: رضا البطاوى
	الملايين من الشيعة ومع ذلك يشكو الإمام من قلة الناصر	حجي نور الله	0	488	02-27-2013, 05:17 PM آخر رد: حجي نور الله
	موقف الوهابية من الإمام الصادق(ع)	السيد مهدي الحسيني	8	2,461	02-06-2012, 03:20 AM آخر رد: السيد مهدي الحسيني
	دعاء عرفة للإمام الحسين (ع)	SH4EVER	1	1,336	11-05-2011, 04:50 PM آخر رد: القيس عون