اقتباس:  Waleed   كتب/كتبت  
* بالرغم من فهمنا جميعا للمصطلح "صدام الحضارات" هل نعرف عن أي شئ تكلمت النظرية التي يشير لها هذا المصطلح؟  أم أن ذلك المصطلح قد تحور و تدور في وعينا الجمعي (بواسطة وسائله المختلفة من الميديا للخطاب الديني لغيره) لكي يدل على معنى و طروحات مختلفة كل الإختلاف عن الطرح الأصلي و الذي يشير له ذلك المصطلح؟

عن نفسي أعتقد أنني على دراية لا بأس بها بهذه النظرية في العلاقات الدولية ، وقد قرأت المقالة التي نشرها صاحب النظرية عن نظريته في مجلة "فورين أفيرز" ثم قرأت الكتاب الذي توسع فيه في شرح نظريته مستنداً على الكثير من المؤشرات والوقائع وأيضاً الكثير من آراء واجتهادات كتاب ومثقفين من مختلف مناطق العالم ، وعلى ما أتذكر كان بينهم المثقف المغربي المهدي الماجندرا والمفكر الماركسي المصري محمد سيد أحمد ، والمعنى هنا أن هانتنغتون لم يأت أساساً بجديد على مستوى الفكرة المركزية للنظرية ، ولكن الجديد الذي أتى به هو البناء التحليلي الموسع والعميق ، العبقري في الواقع ، الذي أعاد طرح الفكرة في سياقه .

أما عن "وعينا الجمعي" الذي استقبل النظرية فليس وعياً واحداً ، هناك مثلا الليبراليون الذين لابد وأن اختلفوا في موقفهم من النظرية عن الأصوليين الإسلاميين ، لكن لأن هؤلاء الأخيرين هم أصحاب الصوت الأعلى بيننا في هذه الحقبة رجح تأويلهم للنظرية عما سواه وخصوصا أنها ترضي شيئا ما عزيزاً في نفوسهم .

هانتنغتون نفسه قال في كتابه أن صدام الحضارات ليس حتمياً ، وربما يجوز لنا أن نعتبر طرحه مقاربةً نقدية لنمط معين في العلاقات الدولية متزايد التأثير ، بمعنى أن الرجل ينظّر لواقع دولي (أو حضاري) فائم ويحذر منه في آن بل ويقترح تصورات معينه لمعالجته ، ولكن فكرة "صراع الحضارات" قد جاءت لتنسج على منوال الإصولية الإسلامية بمختلف صورها ودرجات تصلبها الأيديولوجي .

الإسلام ـ الذي أحب وأقدر كل الحب وكل التقدير ـ دين نزاعي منشغل دائما بالبحث عن أعداء يغزوهم ويخضعهم لسلطانه ، وهذه سيرته منذ لحظة تأسيسه الأولى ولقرون ممتدة ، لكن الجديد جدا هو أنه متى ما وجد أعداء أقوياء تحول منعتهم من غزوهم يصار إلى استدراجهم ليغزوا هم ديار الإسلام تمهيدا للجهاد ضدهم والاستشهاد في سبيل إخراجهم على أعقابهم مندحرين ، ووعي جهادي مثل هذا لا يمكنه إلا أن يتلقف أطروحة هانتنغتون بالحبور والسرور بعد أن ينزعها عن سياقها ومضامينها الحقيقية وينتهي بها إلى مجرد دعوة للصراع بين الغرب الصليبي والإسلام ، وهي بالطبع ليست كذلك .